تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَأۡتِ لَا تَكَلَّمُ نَفۡسٌ إِلَّا بِإِذۡنِهِۦۚ فَمِنۡهُمۡ شَقِيّٞ وَسَعِيدٞ} (105)

{ يَوْمَ يَأْتِ ْ } ذلك اليوم ، ويجتمع الخلق { لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ ْ } حتى الأنبياء ، والملائكة الكرام ، لا يشفعون إلا بإذنه ، { فَمِنْهُمْ ْ } أي : الخلق { شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ْ } فالأشقياء ، هم الذين كفروا بالله ، وكذبوا رسله ، وعصوا أمره ، والسعداء ، هم : المؤمنون المتقون .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَأۡتِ لَا تَكَلَّمُ نَفۡسٌ إِلَّا بِإِذۡنِهِۦۚ فَمِنۡهُمۡ شَقِيّٞ وَسَعِيدٞ} (105)

وقوله : { فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ } أي : فمن أهل الجمع شقي ومنهم سعيد ، كما قال : { فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ } [ الشورى : 7 ] .

وقال الحافظ أبو يعلى في مسنده : حدثنا موسى بن حيان ، حدثنا عبد الملك بن عمرو ، حدثنا سليمان بن{[14911]} سفيان ، حدثنا عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر ، عن عمر{[14912]} رضي الله عنه ، قال : لما نزلت { فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ } سألت النبي صلى الله عليه وسلم ، قلت :{[14913]} يا رسول الله ، علام نعمل{[14914]} ؟ على شيء قد فُرغ منه ، أم على شيء لم يفرغ منه ؟ فقال : " على شيء قد فرغ منه يا عمر وجرت به الأقلام ، ولكن كل ميسر لما خلق له " {[14915]} .


[14911]:- في ت ، أ : "أبو".
[14912]:- في أ : "عمر بن الخطاب".
[14913]:- في ت : "فقلت".
[14914]:- في ت : "على ما يعمل".
[14915]:- ورواه الترمذي في السنن برقم (3111) عن بندار ، عن أبي عامر العقدي - عبد الملك بن عمرو به - وقال الترمذي : "هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه لا نعرفه إلا من حديث عبد الملك بن عمرو".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَأۡتِ لَا تَكَلَّمُ نَفۡسٌ إِلَّا بِإِذۡنِهِۦۚ فَمِنۡهُمۡ شَقِيّٞ وَسَعِيدٞ} (105)

جملة { يوم يَأتي لا تكلّم نَفْسٌ } تفصيل لمدلول جملة { ذلك يوم مجموع له النّاس } [ هود : 103 ] الآية ، وبينت عظمة ذلك اليوم في الشرّ والخير تبعاً لذلك التفصيل . فالقصد الأوّل من هذه الجملة هو قوله : { فمنهم شقيّ وسعيد } وما بعده ، وأمّا ما قبله فتمهيد له أفصح عن عظمة ذلك اليوم . وقد جاء نظم الكلام على تقديم وتأخير اقتضاه وضع الاستطراد بتعظيم هول اليوم في موضع الكلام المتّصل لأنّه أسعد بتناسب أغراض الكلام ، والظروف صالحة لاتّصال الكلام كصلاحيّة الحروف العاطفة وأدوات الشرط .

و { يوم } من قوله : { يوم يأتي } مستعمل في معنى ( حين ) أو ( ساعة ) ، وهو استعمال شائع في الكلام العربيّ في لفظ ( يوم ) و ( ليلة ) توسّعاً بإطلاقهما على جزء من زمانهما إذ لا يخلو الزّمان من أن يقع في نهار أو في ليل فذلك يوم أو ليلة فإذا أطلقا هذا الإطلاق لم يستفد منهما إلاّ معنى ( حين ) دون تقدير بمدّة ولا بنهار وَلاَ لَيْللٍ ، ألاَ ترى قول النابغة :

تخيّرن من أنهار يوم حليمة

فأضاف ( أنهار ) جمع نهار إلى اليوم . وروي : من أزمان يوم حليمة .

وقول توبة بن الحُميّر :

كأن القلب ليلة قيل : يُغدَى *** بليلي الأخيلية أو يراح

أراد ساعة ، قيل : يُغدى بليلى ، ولذلك قال : يغدى أو يراح ، فلم يراقب ما يناسب لفظ ليلة من الرّواح .

فقوله تعالى : { يوم يأتي } معناه حين يأتي . وضمير ( يأتي ) عائد إلى { يوم مشهود } [ هود : 103 ] وهو يوم القيامة . والمراد بإتيانه وقوعه وحلوله كقوله : { هل ينظرون إلاّ الساعة أن تأتيهم } [ الزخرف : 66 ] .

فقوله : { يوم يأتي } ظرف مُتَعلّق بقوله : { لا تكلّم نفس إلاّ بإذنه } .

وجملة { لا تكلم نفس } مستأنفة ابتدائية . قدّم الظرف على فعلها للغرض المتقدم . والتّقدير : لا تكلّم نفس حينَ يحلّ اليوم المشهود . والضّمير في { بإذنه } عائد إلى الله تعالى المفهوم من المقام ومن ضمير { نؤخّره } [ هود : 104 ] . والمعنى أنّه لا يتكلّم أحد إلاّ بإذن من الله ، كقوله : { يوم يقوم الروح والملائكة صفّاً لا يتكلّمون إلاّ من أذن له الرحمن وقال صواباً } [ النبأ : 38 ] . والمقصود من هذا إبطال اعتقاد أهل الجاهلية أنّ الأصنام لها حقّ الشفاعة عند الله .

و { نفس } يَعمّ جميع النفوس لوقوعه في سياق النفي ، فشمل النفوس البرة والفاجرة ، وشمل كلام الشافع وكلام المجادل عن نفسه . وفُصّل عموم النفوس باختلاف أحوالها . وهذا التفصيل مفيد تفصيل الناس في قوله : { مجموع له النّاس } [ هود : 103 ] ، ولكنّه جاء على هذا النسج لأجل ما تخلّل ذلك من شبه الاعتراض بقوله : { وما نؤخّره إلاّ لأجل معدود } [ هود : 104 ] إلى قوله : { بإذنه } وذلك نسيج بديع .

والشقيّ : فعيل صفة مشبهة من شَقِيَ ، إذا تلبّس بالشّقاء والشقاوة ، أي سوء الحالة وشرّها وما ينافر طبع المتّصف بها .

والسّعيد : ضدّ الشقيّ ، وهو المتلبّس بالسّعادة التي هي الأحوال الحسنة الخيّرة الملائمة للمتّصف بها .

والمعنى : فمنهم يومئذٍ من هو في عذاب وشدّة ومنهم من هو في نعمة ورخاء .