تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يَسۡتَحِبُّونَ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا عَلَى ٱلۡأٓخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَيَبۡغُونَهَا عِوَجًاۚ أُوْلَـٰٓئِكَ فِي ضَلَٰلِۭ بَعِيدٖ} (3)

ثم وصفهم بأنهم { الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ } فرضوا بها واطمأنوا ، وغفلوا عن الدار الآخرة .

{ وَيَصُدُّونَ } الناس { عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ } التي نصبها لعباده وبينها في كتبه وعلى ألسنة رسله ، فهؤلاء قد نابذوا مولاهم بالمعاداة والمحاربة ،

{ وَيَبْغُونَهَا } أي : سبيل الله { عِوَجًا } أي : يحرصون على تهجينها وتقبيحها ، للتنفير عنها ، ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون .

{ أُولَئِكَ } الذين ذكر وصفهم { فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ } لأنهم ضلوا وأضلوا ، وشاقوا الله ورسوله وحاربوهما ، فأي ضلال أبعد من هذا ؟ " وأما أهل الإيمان فبعكس هؤلاء يؤمنون بالله وآياته ، ويستحبون الآخرة على الدنيا ويدعون إلى سبيل الله ويحسنونها مهما أمكنهم ، ويبينون استقامتها .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يَسۡتَحِبُّونَ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا عَلَى ٱلۡأٓخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَيَبۡغُونَهَا عِوَجًاۚ أُوْلَـٰٓئِكَ فِي ضَلَٰلِۭ بَعِيدٖ} (3)

ثم وصفهم بأنهم يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة ، أي : يقدمونها ويُؤثرونها عليها ، ويعملون للدنيا ونَسُوا الآخرة ، وتركوها وراء ظهورهم ، { وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ } وهي اتباع الرسل { وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا } أي : ويحبون أن تكون سبيل الله عوجًا مائلة عائلة{[15737]} وهي مستقيمة في نفسها ، لا يضرها من خالفها ولا من خذلها ، فهم{[15738]} في ابتغائهم ذلك في جهل وضلال بعيد من الحق ، لا يرجى لهم - والحالة هذه - صلاح .


[15737]:- عائلة : أي جائزة.
[15738]:- في ت : "ففهم".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يَسۡتَحِبُّونَ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا عَلَى ٱلۡأٓخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَيَبۡغُونَهَا عِوَجًاۚ أُوْلَـٰٓئِكَ فِي ضَلَٰلِۭ بَعِيدٖ} (3)

{ يستحبون } بمعنى يحبون ، فالسين والتاء للتأكيد مثل استقدم واستأخر . وضمن { يستحبون } معنى يؤثرون ، لأن المحبة تعدّت إلى الحياة الدنيا عقب ذكر العذاب الشديد لهم ، فأنبأ ذلك أنهم يحبون خير الدنيا دون خير الآخرة إذ كان في الآخرة في شقاء ، فنشأ من هذا معنى الإيثار ، فضُمّنه فعُدّي إلى مفعول آخر بواسطة حرف { على } في قوله : { على الآخرة } أي يؤثرونها عليها .

وقوله : { ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً } تقدم نظيره في قوله : { أن لعنة الله على الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً } في سورة الأعراف ( 45 ) ، وعند قوله تعالى : { يا أهل الكتاب لِم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجاً وأنتم شهداء } في سورة آل عمران ( 99 ) ، فانظره هنالك .

والصدّ عن سبيل الله : منع الداخلين في الإسلام من الدخول فيه . شبه ذلك بمن يمنع المارّ من سلوك الطريق . وجعل الطريق طريقَ الله لأنه موصل إلى مرضاته فكأنه موصل إليه ، أو يصدّون أنفسهم عن سبيل الله لأنهم عطلوا مواهبهم ومداركهم من تدبر آيات القرآن ، فكأنهم صدّوها عن السير في سبيل الله ويبغون السبيل العَوجاء ، فعلم أن سبيل الله مستقيم ، قال تعالى : { وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه } [ سورة الأنعام : 153 ] .

والإشارة في قوله : { أولئك في ضلال بعيد } [ سورة إبراهيم : 3 ] للتنبيه على أنهم أحرياء بما وصفوا به من الضلال بسبب صدّهم عن سبيل الحق وابتغائهم سبيل الباطل ، { فأولئك } في محل مبتدأ و { في ضلال بعيد } خبر عنه . ودلّ حرف الظرفية على أن الضلال محيط بهم فهم متمكنون منه .

ووصف الضلال بالبعيد يجوز أن يكون على وجه المجاز العقلي ، وإنما البعيد هم الضالّون ، أي ضلالاً بعدوا به عن الحق فأسند البعد إلى سببه .

ويجوز أن يراد وصفه بالبعد على تشبيهه بالطريق الشاسعة التي يتعذر رجوع سالكها ، أي ضلال قوي يعسر إقلاع صاحبه عنه . ففيه استبعاد لاهتداء أمثالهم كقوله : { ألا إن الذين يمارون في الساعة لفي ضلال بعيد } [ سورة الشورى : 18 ] وقوله : { بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد } [ سورة سبأ : 8 ] . وتقدم في قوله : { ومن يشرك بالله فقد ضلّ ضلالاً بعيداً } في سورة النساء ( 116 ) .