تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{ٱلَّذِينَ يَسۡتَحِبُّونَ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا عَلَى ٱلۡأٓخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَيَبۡغُونَهَا عِوَجًاۚ أُوْلَـٰٓئِكَ فِي ضَلَٰلِۭ بَعِيدٖ} (3)

الآية 3 : وقوله تعالى : { الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة } وصف أولئك الذين ذكر أن فيهم الويل ؛ من هم ؟ فقال : { الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة } أي آثروا ، واختاروا الحياة الدنيا على الآخرة ، أي رضوا بهما ، واطمأنوا بها ، كقوله : { ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها } [ يونس : 7 ] اختاروا الحياة الدنيا للدنيا ، لم يختاروا للآخرة ، فالدنيا أنشئت لا للدنيا ، ولكن إنما أنشئت للآخرة . فمن اختارها لها ، لا يسلك بها إلى الآخرة ، ضلّ ، وزاغ عن الحق .

وقوله تعالى : { الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة } وهو ما ذكرنا { الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة } حتى يلهوا عن الآخرة ، ويسهوا فيها ، ويغفلوا . وأهل{[9409]} الإسلام ربما يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة ، وهو ما ذكرنا أنهم يختارون ذلك للآخرة ، وأولئك للدنيا .

وقوله تعالى : { ويصدون عن سبيل الله } يحتمل { ويصدون عن سبيل الله } وجهين :

أحدهما : أعرضوا بأنفسهم .

والثاني : صرفوا الناس عن سبيل الله الذي من سلكه نجا .

لكن إنما يتبين ، ويظهر ذلك بالمصدر : صد يصد صدا ، صرف غيره ، وصد يصد صدودا ، أعرض هو بنفسه .

[ وقوله تعالى ]{[9410]} : { ويبغونها عوجا } أي طعنا وعيبا فيه . دل هذا على أن الآية في الرؤساء منهم والقادة الذين كانوا يصدون الناس عن سبيل الله ، ويبغون{[9411]} في دين الله الطعن والعيب ، فما وجدوا إلى ذلك سبيلا قط .

وقوله تعالى : { وأولئك في ضلال بعيد } الضلال يحتمل وجوها : يحتمل الضلال [ الهلاك ]{[9412]} أي هلكوا هلاكا ، لا نجاة فيه قط ، ويحتمل الحيرة والتيه ؛ أي تحيروا فيه ، وتاهوا ، حتى لا يهتدوا{[9413]} . ويحتمل الضلال البطلان ، أي في بطلان بعيد حتى لا يصلحوا أبدا . وهو في قوم ، علم الله أنهم لا يهتدون أبدا ، ويختمون على الضلال .


[9409]:ساقطة من الأصل:وإلا أهل.
[9410]:ساقطة من الأصل وم.
[9411]:في الأصل: وم : ويبغونها.
[9412]:ساقطة من الأصل وم: و
[9413]:في الأصل وم: يهتدون.