فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{ٱلَّذِينَ يَسۡتَحِبُّونَ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا عَلَى ٱلۡأٓخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَيَبۡغُونَهَا عِوَجًاۚ أُوْلَـٰٓئِكَ فِي ضَلَٰلِۭ بَعِيدٖ} (3)

ثم وصف هؤلاء الكفار بقوله : { الذين يَسْتَحِبُّونَ الحياة الدنيا } أي : يؤثرونها لمحبتهم لها { على الآخرة } الدائمة والنعيم الأبدي . وقيل : إن الموصول في موضع رفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف ، أي : هم الذين . وقيل : الموصول مبتدأ وخبره أولئك ، وجملة { وَيَصُدُّونَ } وكذلك { ويبغون } معطوفتان على { يستحبون } ، ومعنى الصدّ { عن سبيل الله } صرف الناس عنه ومنعهم منه ، وسبيل الله دينه الذي شرعه لعباده { وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا } أي : يطلبون لها زيغاً وميلاً لموافقة أهوائهم وقضاء حاجاتهم وأغراضهم ، والعوج بكسر العين في المعاني وبفتح العين في الأعيان ، وقد سبق تحقيقه . والأصل : يبغون لها . فحذف الحرف وأوصل الفعل إلى الضمير ، واجتماع هذه الخصال نهاية الضلال ، ولهذا وصف ضلالهم بالبعد عن الحق فقال : { أُوْلَئِكَ فِي ضلال بَعِيدٍ } والإشارة إلى الموصوفين بتلك الصفات القبيحة والبعد وإن كان من صفة الضال لكنه يجوز وصف الضلال به مجازاً لقصد المبالغة .

/خ5