تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{ٱلَّذِينَ يَسۡتَحِبُّونَ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا عَلَى ٱلۡأٓخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَيَبۡغُونَهَا عِوَجًاۚ أُوْلَـٰٓئِكَ فِي ضَلَٰلِۭ بَعِيدٖ} (3)

المفردات :

يستحبون : يختارون .

ويصدون عن سبيل الله : يمنعون غيرهم عن دينه الذي يوصل إلى مرضاته وثوابه .

ويبغونها عوجا : أي : ويطلبونها . والضمير عائد على السبيل ؛ فإنها مؤنثة ، أي : ويطلبون لسبيل الله العوج .

التفسير :

{ الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة . . . } .

وصف سبحانه هؤلاء الكافرين بصفات ثلاث هي :

( أ‌ ) إيثار الدنيا وشهواتها وآثامها وموبقاتها ، على الأعمال الصالحة ، التي تقربهم من الله زلفى ، وينسون يوما تجازى فيه كل نفس بما كسبت ، يوم يفر المرء من أخيه ، وأمه وأبيه ، وصاحبته وبنيه ، وفصيلته التي تؤويه ، ومن في الأرض جميعا .

( ب‌ ) { ويصدون عن سبيل الله } . يصنعون العراقيل في طريق دعوة الحق ؛ حتى يبتعد الناس عنها ، ويمنعون من تتجه عزائمهم إلى الإيمان بالله ورسوله ، من السير في طريق الإيمان ، وذلك بسبب الكفر والطغيان ، الذي ران على قلوبهم بما كانوا يكسبون .

( ج ){ ويبغونها عوجا } . ويطلبون لطريق الله ودعوته وسبيله : الميل والعوج ؛ لتوافق فجورهم ونزواتهم ، وسبيل الله أبعد ما تكون عن العوج والاضطراب ؛ لأن سبيل الله صراط مستقيم قويم ، وبعض الناس يدعي : أن أحكام القرآن وآدابه ، وتشريعاته وقوانينه ، تناسب أمة البدو العربية ، ولا تناسب الشعوب المتحضرة المتقدمة ، ونقول لهؤلاء : إن أحكام هذا القرآن ، وهدى هذه الشريعة ، غيرت وجه البسيطة ، وصنعت خير أمة أخرجت للناس ، آمنت بالله وأمرت بالمعروف ونهت عن المنكر ، وكانت مضرب الأمثال في العدل وترك الجور ، وثلث عروش الأكاسرة والقياصرة وامتلكت بلادهم ، إلى أن غير أهلها معالمها ، فأركسهم الله بما كسبوا ، فبدل عزهم ذلا ، وسعادتهم شقاء ، وتلك سنة الله ؛ أن الأرض يرثها عباده الصالحون ؛ لاستعمارها .

ثم حكم سبحانه على الكافرين بما يستحقون فقال : { أولئك في ضلال بعيد } .

أي : أولئك الموصوفون بإيثارهم الدنيا وزهرتها ، وصدهم عن الدين ، وابتغائهم له الزيغ والعوج أولئك في ضلال بعيد عن الحق ، لا يرجى لهم والحالة هذه ؛ هداية ولا رشاد .