الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{ٱلَّذِينَ يَسۡتَحِبُّونَ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا عَلَى ٱلۡأٓخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَيَبۡغُونَهَا عِوَجًاۚ أُوْلَـٰٓئِكَ فِي ضَلَٰلِۭ بَعِيدٖ} (3)

{ الذين يَسْتَحِبُّونَ } مبتدأ خبره : أولئك في ضلال بعيد ويجوز أن يكون مجروراً صفة للكافرين ، ومنصوباً على الذمّ . أو مرفوعاً على أعني الذين يستحبون أو هم الذين يستحبون ، والاستحباب : الإيثار والاختيار ، وهو استفعال من المحبة ؛ لأنّ المؤثر للشيء على غيره كأنه يطلب من نفسه أن يكون أحبّ إِليه وأفضل عندها من الآخر . وقرأ الحسن «ويصِدّون » ، بضم الياء وكسر الصاد . يقال : صدّه عن كذا ، وأصدّه ، قال :

أُنَاسٌ اصَدُّوا النَّاسَ بِالسَّيْفِ عَنْهُمُ ***

والهمزة فيه داخلة على صدّ صدوداً ، لتنقله من غير التعدّي إلى التعدّي . وأما صدّه ، فموضوع على التعدية كمنعه ، وليست بفصيحة كأوقفه ؛ لأنّ الفصحاء استغنوا بصدّه ووقفه عن تكلف التعدية بالهمزة { وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا } ويطلبون لسبيل الله زيغاً واعوجاجاً ، وأن يدلوا الناس على أنها سبيل ناكبة عن الحق غير مستوية ، والأصل : ويبغون لها ، فحذف الجار وأوصل الفعل { فِى ضلال بَعِيدٍ } أي ضلوا عن طريق الحق ، ووقفوا دونه بمراحل .

فإن قلت : فما معنى وصف الضلال بالبعد . قلت : هو من الإسناد المجازي ، والبعد في الحقيقة للضالّ ؛ لأنه هو الذي يتباعد عن الطريق ، فوصف به فعله ، كما تقول : جدّ جدّه ، ويجوز أن يراد : في ضلال ذي بعد . أو فيه بعد : لأنّ الضالّ قد يضلّ عن الطريق مكاناً قريباً وبعيداً .