تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِذۡ أَوَى ٱلۡفِتۡيَةُ إِلَى ٱلۡكَهۡفِ فَقَالُواْ رَبَّنَآ ءَاتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحۡمَةٗ وَهَيِّئۡ لَنَا مِنۡ أَمۡرِنَا رَشَدٗا} (10)

ثم ذكر قصتهم مجملة ، وفصلها بعد ذلك فقال : { إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ } أي : الشباب ، { إِلَى الْكَهْفِ } يريدون بذلك التحصن والتحرز من فتنة قومهم لهم ، { فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً } أي تثبتنا بها وتحفظنا من الشر ، وتوفقنا للخير { وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا } أي : يسر لنا كل سبب موصل إلى الرشد ، وأصلح لنا أمر ديننا ودنيانا ، فجمعوا بين السعي والفرار من الفتنة ، إلى محل يمكن الاستخفاء فيه ، وبين تضرعهم وسؤالهم لله تيسير أمورهم ، وعدم اتكالهم على أنفسهم وعلى الخلق ،

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِذۡ أَوَى ٱلۡفِتۡيَةُ إِلَى ٱلۡكَهۡفِ فَقَالُواْ رَبَّنَآ ءَاتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحۡمَةٗ وَهَيِّئۡ لَنَا مِنۡ أَمۡرِنَا رَشَدٗا} (10)

وقوله : { إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا } يخبر تعالى عن أولئك الفتية ، الذين فروا بدينهم من قومهم لئلا يفتنوهم عنه ، فَهَرَبوا منه فَلَجَؤُوا إلى غار في جبل ليختفوا عن قومهم ، فقالوا حين دخلوا سائلين من الله تعالى رحمته ولطفه بهم : { رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً } أي : هب لنا من عندك رحمة ترحمنا بها وتسترنا عن قومنا { وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا } أي : وقدر لنا من أمرنا هذا رشدا ، أي : اجعل عاقبتنا رشدًا{[17996]} كما جاء في الحديث : " وما قضيت لنا من قضاء ، فاجعل عاقبته رشدًا " ، وفي المسند من حديث بُسْر بن أبي أرطاة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو : " اللهم ، أحسن عاقبتنا في الأمور كلها ، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة " .


[17996]:في ت: "عاقبته رشد"، وفي ف، أ: "عاقبته رشدا".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِذۡ أَوَى ٱلۡفِتۡيَةُ إِلَى ٱلۡكَهۡفِ فَقَالُواْ رَبَّنَآ ءَاتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحۡمَةٗ وَهَيِّئۡ لَنَا مِنۡ أَمۡرِنَا رَشَدٗا} (10)

{ إذ أوى الفتية إلى الكهف } يعني فتية من أشراف الروم أرادهم دقيانوس على الشرك فأبوا وهربوا إلى الكهف ، { فقالوا ربنا آتنا من لدُنك رحمةً } توجب لنا المغفرة والرزق والأمن من العدو . { وهيّئ لنا من أمرنا } من الأمر الذي نحن عليه من مفارقة الكفار . { رشدا } نصيرا بسببه راشدين مهتدين ، أو اجعل أمرنا كله رشدا كقولك : رأيت منك أسدا وأصل التهيئة إحداث هيئة الشيء .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِذۡ أَوَى ٱلۡفِتۡيَةُ إِلَى ٱلۡكَهۡفِ فَقَالُواْ رَبَّنَآ ءَاتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحۡمَةٗ وَهَيِّئۡ لَنَا مِنۡ أَمۡرِنَا رَشَدٗا} (10)

( إذ ) ظرف مضاف إلى الجملة بعده ، وهو متعلق ب { كانوا } [ الكهف : 9 ] فتكون هذه الجملة متصلة بالتي قبلها .

ويجوز كون الظرف متعلقاً بفعل محذوف تقديره : اذكر ، فتكون مستأنفة استئنافاً بيانياً للجملة التي قبلها . وأياً ما كان فالمقصود إجمال قصتهم ابتداء ، تنبيهاً على أن قصتهم ليست أعجب آيات الله ، مع التنبيه على أن ما أكرمهم الله به من العناية إنما كان تأييداً لهم لأجل إيمانهم ، فلذلك عطف عليه قوله : { فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة } .

وأوى أُوِياً إلى المكان : جعله مسكناً له ، فالمكان : المَأْوَى . وقد تقدم عند قوله تعالى : { أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون } في سورة يونس ( 8 ) .

والفتية : جمع قلة لفتى ، وهو الشاب المكتمل . وتقدم عند قوله تعالى في سورة يوسف . والمراد بالفتية : أصحاب الكهف . وهذا من الإظهار في مقام الإضمار لأن مقتضى الظاهر أن يقال : إذ أووا ، فعدل عن ذلك لما يدل عليه لفظ الفتية من كونهم أتراباً متقاربي السن . وذكرهم بهذا الوصف للإيماء إلى ما فيه من اكتمال خُلق الرجولية المعبر عنه بالفتوة الجامع لمعنى سداد الرأي ، وثبات الجأش ، والدفاع عن الحق ، ولذلك عدل عن الإضمار فلم يقل : إذ أووا إلى الكهف .

ودلت الفاء في جملة فقالوا } على أنهم لما أووا إلى الكهف بادروا بالابتهال إلى الله .

ودعوا الله أن يؤتيهم رحمة من لدنه ، وذلك جامع لخير الدنيا والآخرة ، أي أن يمن عليهم برحمة عظيمة تناسب عنايته باتباع الدين الذي أمر به ، فزيادة { من لدنك } للتعلق بفعل الإيتاء تشير إلى ذلك ، لأن في ( من ) معنى الابتداء وفي ( لدن ) معنى العندية والانتساب إليه ، فذلك أبلغ مما لو قالوا : آتنا رحمة ، لأن الخلق كلهم بمحل الرحمة من الله ، ولكنهم سألوا رحمة خاصة وافرة في حين توقع ضدها ، وقصدوا الأمن على إيمانهم من الفتنة ، ولئلا يلاقوا في اغترابهم مشقة وألماً ، وأن لا يهينهم أعداء الدين فيصيروا فتنة للقوم الكافرين .

ثم سألوا الله أن يقدر لهم أحوالاً تكون عاقبتها حصول ما خولهم من الثبات على الدين الحق والنجاة من مناواة المشركين . فعبر عن ذلك التقدير بالتهيئة التي هي إعداد أسباب حصول الشيء .

و ( من ) في قوله : { من أمرنا } ابتدائية .

والأمر هنا : الشأن والحال الذي يكونون فيه ، وهو مجموع الإيمان والاعتصام إلى محل العزلة عن أهل الشرك . وقد أعد الله لهم من الأحوال ما به رشدهم . فمن ذلك صرف أعدائهم عن تتبعهم ، وأن ألهمهم موضع الكهف ، وأن كان وضعه على جهة صالحة ببقاء أجسامهم سليمةً ، وأن أنامهم نوماً طويلاً ليمضي عليهم الزمن الذي تتغير فيه أحوال المدينة ، وحصل رَشَدهم إذ ثبتوا على الدين الحق وشاهدوه منصوراً متبعاً ، وجعلهم آية للناس على صدق الدين وعلى قدرة الله وعلى البعث .

والرَّشد بفتحتين : الخير وإصابة الحق والنفع والصلاح ، وقد تكرر في سورة الجن باختلاف هذه المعاني . والرُشد بضم الراء وسكون الشين مرادف الرَّشَد . وغلب في حسن تدْبير المال . لم يقرأ هذا اللفظ هنا في القراءات المشهورة إلا بفتح الراء بخلاف قوله تعالى : { قد تبين الرشد من الغي } في البقرة ( 256 ) ، وقوله : { فإن آنستم منهم رشداً } في سورة النساء ( 6 ) فلم يقرأ فيهما إلا بضم الراء .

ووجه إيثار مفتوح الراء والشين في هذه السورة في هذا الموضع وفي قوله الآتي : { وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا } [ الكهف : 24 ] : أن تحريك الحرفين فيهما أنسب بالكلمات الواقعة في قرائن الفواصل ؛ ألا ترى أن الجمهور قرؤوا قوله في هذه السورة : { على أن تعلمني مما علمت رشدا } [ الكهف : 66 ] بضم الراء لأنه أنسب بالقرائن المجاورة له وهي { من لدنا علماً } [ الكهف : 65 ] { معي صبراً } [ الكهف : 67 ] { ما لم تحط به خُبرا } [ الكهف : 68 ] { ولا أعصي لك أمراً } [ الكهف : 69 ] إلى آخره . ولم يقرأه هنالك بفتح الراء والشين إلا أبو عمرو ويعقوب .