تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا مُوسَىٰ بِـَٔايَٰتِنَآ أَنۡ أَخۡرِجۡ قَوۡمَكَ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَذَكِّرۡهُم بِأَيَّىٰمِ ٱللَّهِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّكُلِّ صَبَّارٖ شَكُورٖ} (5)

{ 5 - 8 } { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ *وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ * وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ * وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ }

يخبر تعالى : أنه أرسل موسى بآياته العظيمة الدالة على صدق ما جاء به وصحته ، وأمره بما أمر الله به رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بل وبما أمر به جميع الرسل قومهم { أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ } أي : ظلمات الجهل والكفر وفروعه ، إلى نور العلم والإيمان وتوابعه .

{ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ } أي : بنعمه عليهم وإحسانه إليهم ، وبأيامه في الأمم المكذبين ، ووقائعه بالكافرين ، ليشكروا نعمه وليحذروا عقابه ، { إِنَّ فِي ذَلِكَ } أي : في أيام الله على العباد { لآيات لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } أي : صبار في الضراء والعسر والضيق ، شكور على السراء والنعمة . فإنه يستدل بأيامه على كمال قدرته وعميم إحسانه ، وتمام عدله وحكمته ، ولهذا امتثل موسى عليه السلام أمر ربه ، فذكرهم نعم الله فقال : { اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ }

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا مُوسَىٰ بِـَٔايَٰتِنَآ أَنۡ أَخۡرِجۡ قَوۡمَكَ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَذَكِّرۡهُم بِأَيَّىٰمِ ٱللَّهِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّكُلِّ صَبَّارٖ شَكُورٖ} (5)

يقول تعالى : وكما أرسلناك يا محمد وأنزلنا عليك الكتاب ، لتخرج الناس كلهم ، تدعوهم إلى الخروج من الظلمات إلى النور ، كذلك أرسلنا موسى في بني إسرائيل بآياتنا .

قال مجاهد : وهي التسع الآيات .

{ أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ } أي : أمرناه قائلين له : { أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ } أي : ادعهم إلى الخير ، ليخرجوا من ظلمات ما كانوا فيه من الجهل والضلال إلى نور الهدى وبصيرة الإيمان .

{ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ } أي : بأياديه ونعَمه عليهم ، في إخراجه إياهم من أسر فرعون .

وقهره وظلمه وغشمه ، وإنجائه إياهم من عدوهم ، وفلقه لهم البحر ، وتظليله إياهم بالغمام ، وإنزاله عليهم المن والسلوى ، إلى غير ذلك من النعم . قال ذلك مجاهد ، وقتادة ، وغير واحد .

وقد ورد فيه الحديث المرفوع الذي رواه عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل في مسند أبيه حيث{[15743]} قال : حدثني يحيى بن عبد الله مولى بني هاشم ، حدثنا محمد بن أبان الجعفي ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جبير [ عن ابن عباس ، عن أبي بن كعب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تبارك وتعالى : { وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ } قال : " بنعم الله تبارك وتعالى ] " {[15744]} [ ورواه ابن جرير ]{[15745]} وابن أبي حاتم ، من حديث محمد بن أبان ، به{[15746]} ورواه عبد الله ابنه{[15747]} أيضا موقوفا{[15748]} وهو أشبه .

وقوله : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } أي : إن فيما صنعنا بأوليائنا بني إسرائيل حين أنقذناهم من يد فرعون ، وأنجيناهم مما كانوا فيه من العذاب المهين ، لعبرة لكل صَبَّار ، أي : في الضراء ، شكور ، أي : في السراء ، كما قال قتادة : نعم العبد ، عبد إذا ابتُلِي صَبَر ، وإذا أعطي شكر .

وكذا جاء في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن أمر المؤمن كُلَّه عَجَب ، لا يقضي الله له قضاء إلا كان خيرًا له ، إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ، وإن أصابته سراء شَكر فكان خيرا له " {[15749]} .


[15743]:- في هـ : "في مسنده حديث قال" والمثبت من ت ، أ.
[15744]:- زيادة من ت ، أ ، والمسند.
[15745]:- زيادة من ت ، أ.
[15746]:- زوائد المسند (5/122) وتفسير الطبري (16/522).
[15747]:- في ت : "بن أحمد".
[15748]:- زوائد المسند (5/122).
[15749]:- صحيح مسلم برقم (2999) من حديث صهيب رضي الله عنه.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا مُوسَىٰ بِـَٔايَٰتِنَآ أَنۡ أَخۡرِجۡ قَوۡمَكَ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَذَكِّرۡهُم بِأَيَّىٰمِ ٱللَّهِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّكُلِّ صَبَّارٖ شَكُورٖ} (5)

{ ولقد أرسلنا موسى بآياتنا } يعني اليد والعصا وسائر معجزاته . { أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور } بمعنى أي أخرج لأن في الإرسال معنى القول ، أو بأن أخرج فإن صيغ الأفعال سواء في الدلالة على المصدر فيصح أن توصل بها أن الناصبة . { وذكّرهم بأيّام الله } بوقائعه التي وقعت على الأمم الدارجة وأيام العرب حروبها . وقيل بنعمائه وبلائه . { إن في ذلك لآيات لكل صبّار شكور } يصبر على بلائه ويشكر على نعمائه ، فإنه إذا سمع بما أنزل على من قبل من البلاء وأفيض عليهم من النعماء أعتبر وتنبه لما يجب عليه من الصبر والشكر ، وقيل المراد لكل مؤمن وإنما عبر عنه بذلك تنبيها على أن الصبر والشكر عنوان المؤمن .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا مُوسَىٰ بِـَٔايَٰتِنَآ أَنۡ أَخۡرِجۡ قَوۡمَكَ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَذَكِّرۡهُم بِأَيَّىٰمِ ٱللَّهِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّكُلِّ صَبَّارٖ شَكُورٖ} (5)

وقوله : { ولقد أرسلنا موسى } الآية ، آيات الله هي العصا واليد وسائر التسع{[7004]} . وقوله : { أن أخرج } تقديره : بأن أخرج ، ويجوز أن تكون { أن } مفسرة لا موضع لها من الإعراب{[7005]} ، وأما { الظلمات } و { النور } فيحتمل أن يراد بها من الكفر إلى الإيمان . وهذا على ظاهر أمر بني إسرائيل في أنهم كانوا قبل بعث موسى أشياعاً متفرقين في الدين ، قوم مع القبط في عبادة فرعون ، وكلهم على غير شيء ، وهذا مذهب الطبري - وحكاه عن ابن عباس - وإن صح أنهم كانوا على دين إبراهيم وإسرائيل ونحو هذا ف { الظلمات } الذل والعبودية ،

و { النور } العزة والدين والظهور بأمر الله تعالى .

قال القاضي أبو محمد : وظاهر هذه الآية وأكثر الآيات في رسالة موسى عليه السلام أنها إنما كانت إلى بني إسرائيل خاصة ، في معنى الشرع لهم وأمرهم ونهيهم بفروع الديانة ، وإلى فرعون وأشراف قومه في أن ينظروا ويعتبروا في آيات موسى فيقروا بالله ويؤمنوا به تعالى وبموسى ومعجزته ويتحققوا نبوته ويرسلوا معه بني إسرائيل .

قال القاضي أبو محمد : ولا يترتب هذا إلا بإيمان به ، وأما أن تكون رسالته إليهم لمعنى اتباعه والدخول في شرعه فليس هذا بظاهر القصة ولا كشف الغيب ذلك ، ألا ترى أن موسى خرج عنهم ببني إسرائيل ؟ فلو لم يتبع لمضى بأمته ، وألا ترة أنه لم يدع القبط بجملتهم وإنما كان يحاور أولي الأمر ؟ وأيضاً فليس دعاؤه لهم على حد دعاء نوح وهود وصالح أممهم في معنى كفرهم ومعاصيهم ، بل في الاهتداء والتزكي وإرسال بني إسرائيل .

ومما يؤيد هذا أنه لو كانت دعوته لفرعون والقبط على حدود دعوته لبني إسرائيل فلم كان يطلب بأمر الله أن يرسل معه بني إسرائيل ؟ بل كان يطلب أن يؤمن الجميع ويتشرعوا بشرعه ويستقر الأمر . وأيضاً فلو كان مبعوثاً إلى القبط لرده الله إليهم حين غرق فرعون وجنوده ، ولكن لم يكونوا أمة له فلم يرد إليهم .

قال القاضي أبو محمد : واحتج من ذهب إلى أن موسى بعث إلى جميعهم بقوله تعالى في غير آية { إلى فرعون وملئه }{[7006]} [ الأعراف : 103 ] ، و { إلى فرعون وقومه }{[7007]} [ النمل : 12 ] والله أعلم .

وقوله : { وذكرهم } الآية . أمر الله عز وجل موسى أن يعظ قومه بالتهديد بنقم الله التي أحلها بالأمم الكافرة قبلهم وبالتعديد لنعمه عليهم في المواطن المتقدمة ، وعلى غيرهم من أهل طاعته ليكون جريهم على منهاج الذين أنعم عليهم وهربهم من طريق الذين حلت بهم النقمات ، وعبر عن النعم والنقم ب «الأيام » إذ هي في أيام{[7008]} ، وفي هذه العبارة تعظيم هذه الكوائن المذكور بها ، ومن هذا المعنى قولهم : يوم عصيب ، ويوم عبوس ، ويوم بسام ، وإنما الحقيقة وصف ما وقع فيه من شدة أو سرور ، وحكى الطبري عن فرقة أنها قالت : { أيام الله } : نعمه : وعن فرقة أنها قالت : { أيام الله } : نقمه .

قال القاضي أبو محمد : ولفظة «الأيام » تعم المعنيين ، لأن التذكير يقع بالوجهين جميعاً .

وقوله : { لكل صبار شكور } إنما أراد لكل مؤمن ناظر لنفسه ، فأخذ من صفات المؤمن صفتين تجمع أكثر الخصال وتعم أجمل الأفعال{[7009]} .


[7004]:الآيات التسع هي: الطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، و الدم، والعصا، ويده البيضاء، والسنين، والنقص في الثمرات.
[7005]:فتكون بمعنى "اي"، كقوله تعالى: {و انطلق الملأ منهم أن امشوا} بمعنى : أي امشوا.
[7006]:تكررت في الآيات: (103 من الأعراف، و 75 من يونس، و 97 من هود، و46 من المؤمنون، و32 من القصص، و46 من الزخرف).
[7007]:من الآية (12) من سورة (النمل).
[7008]:إطلاق الأيام على النقم والبلايا مشهور وكثير في كلام العرب، وكانوا يطلقون الأيام على الوقائع والحروب، كيوم ذي قار، ويوم الفجار، ويوم فضة، و يوم حليمة، ومن ذلك قول الشاعر: وأيامنا مشهورة في عدونا وإذا كانت أيام الوقائع بلايا على المغلوب، فهي نعم على الغالب المنتصر، وكانوا يفخرون بها ويذكرونها على أنها نعم الله عليهم، قال عمرو بن كلثوم: وأيام لنا غر طوال عصينا الملك فيها أن ندينا فأيامهم غر لعلوهم على الملك وامتناعهم عليه، وهي طوال على أعدائهم، وبهذا الفهم لمعنى البيت قد يكون من الصعب تفسير الأيام بأنها نعم الدنيا.
[7009]:في الأصول: "فأخذ من صفات (المؤمنين) صفتين (تجمع) أكثر الخصال، (وتعم) أجمل الأفعال"، وهي عادة لابن عطية.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا مُوسَىٰ بِـَٔايَٰتِنَآ أَنۡ أَخۡرِجۡ قَوۡمَكَ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَذَكِّرۡهُم بِأَيَّىٰمِ ٱللَّهِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّكُلِّ صَبَّارٖ شَكُورٖ} (5)

لما كانت الآيات السابقة مسوقة للرد على من أنكروا أن القرآن منزل من الله أعقب الرد بالتمثيل بالنظير وهو إرسال موسى عليه السلام إلى قومه بمثل ما أرسل به محمد صلى الله عليه وسلم وبمثل الغاية التي أرسل لها محمد صلى الله عليه وسلم ليخرج قومه من الظلمات إلى النور .

وتأكيد الإخبار عن إرسال موسى عليه السلام بلام القسم وحرف التحقيق لتنزيل المنكرين رسالة محمد صلى الله عليه وسلم منزلة من ينكر رسالة موسى عليه السلام لأن حالهم في التكذيب برسالة محمد صلى الله عليه وسلم يقتضي ذلك التنزيل ، لأن ما جاز على المِثل يجوز على المماثل ، على أن منهم من قال : { ما أنزلَ الله على بشر من شيء .

والباء في { بآياتنا } للمصاحبة ، أي إرسالاً مصاحباً للآيات الدالة على صدقه في رسالته ، كما أرسل محمد صلى الله عليه وسلم مصاحباً لآية القرآن الدال على أنه من عند الله ، فقد تمّ التنظير وانتهض الدليل على المنكرين .

و { أنْ } تفسيرية ، فسر الإرسال بجملة « أخْرِج قومك » الخ ، والإرسال فيه معنى القول فكان حقيقاً بموقع { أن } التفسيرية .

و { الظلمات } مستعار للشرك والمعاصي ، و { النور } مستعار للإيمان الحق والتقوى ، وذلك أن بني إسرائيل لما طال عليهم الأمد في مصر بعد وفاة يوسف عليه السلام سَرَى إليهم الشرك واتّبعوا دين القبط ، فكانت رسالة موسى عليه السلام لإصلاح اعتقادهم مع دعوة فرعون وقومه للإيمان بالله الواحد ، وكانت آيلة إلى إخراج بني إسرائيل من الشرك والفساد وإدخالهم في حظيرة الإيمان والصلاح .

والتذكير : إزالة نسيان شيء . ويستعمل في تعليم مجهول كانَ شأنُه أن يُعلم . ولما ضمن التذكير معنى الإنذار والوعظ عُدّي بالباء ، أي ذكرهم تذكير عظة بأيام الله .

و { أيام الله } أيام ظهور بطشه وغلبه من عصوا أمره ، وتأييده المؤمنين على عدوّهم ، فإن ذلك كله مظهر من مظاهر عزّة الله تعالى . وشاع إطلاق اسم اليوم مضافاً إلى اسم شخص أو قبيلة على يوم انتصر فيه مسمى المضاف إليه على عدوه ، يقال : أيام تميم ، أي أيام انتصارهم ، { فأيّام الله } أيام ظهور قدرته وإهلاكه الكافرين به ونصْره أولياءه والمطيعين له .

فالمراد بِ { أيام الله } هنا الأيام التي أنجى الله فيها بني إسرائيل من أعدائهم ونصرهم وسخر لهم أسباب الفوز والنصر وأغدق عليهم النعم في زمن موسى عليه السلام ، فإن ذلك كله مما أمر موسى عليه السلام بأن يذكرهمُوه ، وكله يصح أن يكون تفسيراً لمضمون الإرسال ، لأن إرسال موسى عليه السلام ممتدّ زمنه ، وكلما أوحى الله إليه بتذكيرٍ في مدة حياته فهو من مضمون الإرسال الذي جاء به فهو مشمول لتفسير الإرسال .

فقول موسى عليه السلام { يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكاً وآتاكم ما لم يؤت أحداً من العالمين يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم } [ سورة المائدة : 20 ، 21 ] هو من التذكير المفسّر به إرسال موسى عليه السلام . وهو وإن كان واقعاً بعد ابتداء رسالته بأربعين سنة فما هو إلا تذكير صادر في زمن رسالته ، وهو من التذكير بأيام نعم الله العظيمة التي أعطاهم ، وما كانوا يحصلونها لولا نصر الله إياهم ، وعنايتِه بهم ليعلموا أنه رُبّ ضعيففٍ غلب قوياً ونجا بضعفه ما لم ينجُ مثلَه القوي في قوته .

واسم الإشارة في قوله : { إن في ذلك لآيات } عائد إلى ما ذكر من الإخراج والتذكير ، فالإخراج من الظلمات بعد توغلهم فيها وانقضاء الأزمنة الطويلة عليها آية من آيات قدرة الله تعالى .

والتذكير بأيام الله يشتمل على آيات قدرة الله وعزته وتأييد مَن أطاعه ، وكل ذلك آيات كائنة في الإخراج والتذكير على اختلاف أحواله .

وقد أحاط بمعنى هذا الشمول حرف الظرفية من قوله : { في ذلك } لأن الظرفية تجمع أشياء مختلفة يحتويها الظرف ، ولذلك كان لحرف الظرفية هنا موقع بليغ .

ولكون الآيات مختلفة ، بعضها آيات موعظة وزجر وبعضها آيات منة وترغيب ، جُعلت متعلقة ب { كل صبار شكور } إذ الصبر مناسب للزجر لأن التخويف يبعث النفس على تحمل معاكسة هواها خيفة الوقوع في سوء العاقبة ، والإنعام يبعث النفس على الشكر ، فكان ذكر الصفتين توزيعاً لما أجمله ذكر أيام الله من أيام بؤس وأيام نعيم .