السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا مُوسَىٰ بِـَٔايَٰتِنَآ أَنۡ أَخۡرِجۡ قَوۡمَكَ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَذَكِّرۡهُم بِأَيَّىٰمِ ٱللَّهِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّكُلِّ صَبَّارٖ شَكُورٖ} (5)

ولما بين تعالى أنه إنما أرسل محمداً عليه الصلاة والسلام إلى الناس ليخرجهم من الظلمات إلى النور ، وذكر كمال إنعامه عليه وعلى قومه في ذلك الإرسال وفي تلك البعثة أتبع ذلك بشرح بعثة سائر الأنبياء إلى أقوامهم ، وكيفية معاملة أقوامهم لهم ليكون ذلك تصبيراً له صلى الله عليه وسلم على أذى قومه وإرشاداً له إلى كيفية مكالمتهم ومعاملتهم ، فذكر تعالى على العادة المألوفة قصص بعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، فبدأ بذكر قصة موسى عليه السلام فقال : { ولقد أرسلنا موسى بآياتنا } ، أي : العصا واليد والجراد والقمل والضفادع والدم وفلق البحر وانفجار العيون من الحجر وإظلال الجبل والمنّ والسلوى وسائر معجزاته { أن أخرج قومك } ، أي : بني إسرائيل { من الظلمات } ، أي : الكفر والضلال { إلى النور } ، أي : الإيمان والهدى .

تنبيه : يجوز أن تكون أن مصدرية ، أي : بأن أخرج ، والباء في بآياتنا للحال ، وهذه للتعدية ، ويجوز أن تكون مفسرة للرسالة بمعنى ، أي : ويكون المعنى ، أي : أخرج قومك من الظلمات ، أي : قلنا له أخرج قومك كقوله تعالى : { وانطلق الملأ منهم أن امشوا } [ ص ، 6 ] . { وذكرهم بأيام الله } قال ابن عباس : بنعم الله . وقال مقاتل : بوقائع الله في الأمم السالفة ، يقال : فلان عالم بأيام العرب ، أي : بوقائعهم ، وفي المثل من سرّ يوماً يره . قال الرازي : معناه من رأى في يوم سروره بمصرع غيره رآه غيره في يوم آخر بمصرع نفسه ، وقال تعالى : { وتلك الأيام نداولها بين الناس } [ آل عمران ، 140 ] والمعنى : عظهم بالترغيب ، والترهيب ، والوعد والوعيد ، والترغيب والوعد أن يذكرهم ما أنعم الله عليهم وعلى من قبلهم ممن آمنوا بالرسل فيما سلف من الأيام ، والترهيب والوعيد أن يذكرهم بأمر الله وعذابه وانتقامه ممن كذب الرسل فيما سلف من الأيام مثل ما نزل بعاد وثمود وغيرهم من العذاب ليرغبوا في الوعد ، فيصدّقوا ويحذروا من الوعيد ، فيتركوا التكذيب ، وقيل : بأيام الله في حق موسى أن يذكر قومه بأيام المحنة والبلاء حين كانوا تحت أيدي القبط يسومونهم سوء العذاب ، فخلصهم الله من ذلك وجعلهم ملوكاً بعد أن كانوا مملوكين { إنّ في ذلك } ، أي : التذكير العظيم { لآيات } على وحدانية الله تعالى وعظمته { لكل صبار } ، أي : كثير الصبر على الطاعة وعن المعصية { شكور } ، أي : كثير الشكر للنعم ، وإنما خص الصبور والشكور بالاعتبار بالآيات ، وإن كان فيها عبرة للكل ؛ لأنهم المنتفعون بها دون غيرهم فلهذا خصهم بالآيات ، فكأنها ليست لغيرهم فهو كقوله تعالى : { هدى للمتقين } [ البقرة ، 3 ] فإنّ الانتفاع لا يمكن حصوله إلا لمن يكون صابراً شاكراً أما من لا يكون كذلك فلا ينتفع بها البتة .