ولما بين تعالى أنه إنما أرسل محمداً عليه الصلاة والسلام إلى الناس ليخرجهم من الظلمات إلى النور ، وذكر كمال إنعامه عليه وعلى قومه في ذلك الإرسال وفي تلك البعثة أتبع ذلك بشرح بعثة سائر الأنبياء إلى أقوامهم ، وكيفية معاملة أقوامهم لهم ليكون ذلك تصبيراً له صلى الله عليه وسلم على أذى قومه وإرشاداً له إلى كيفية مكالمتهم ومعاملتهم ، فذكر تعالى على العادة المألوفة قصص بعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، فبدأ بذكر قصة موسى عليه السلام فقال : { ولقد أرسلنا موسى بآياتنا } ، أي : العصا واليد والجراد والقمل والضفادع والدم وفلق البحر وانفجار العيون من الحجر وإظلال الجبل والمنّ والسلوى وسائر معجزاته { أن أخرج قومك } ، أي : بني إسرائيل { من الظلمات } ، أي : الكفر والضلال { إلى النور } ، أي : الإيمان والهدى .
تنبيه : يجوز أن تكون أن مصدرية ، أي : بأن أخرج ، والباء في بآياتنا للحال ، وهذه للتعدية ، ويجوز أن تكون مفسرة للرسالة بمعنى ، أي : ويكون المعنى ، أي : أخرج قومك من الظلمات ، أي : قلنا له أخرج قومك كقوله تعالى : { وانطلق الملأ منهم أن امشوا } [ ص ، 6 ] . { وذكرهم بأيام الله } قال ابن عباس : بنعم الله . وقال مقاتل : بوقائع الله في الأمم السالفة ، يقال : فلان عالم بأيام العرب ، أي : بوقائعهم ، وفي المثل من سرّ يوماً يره . قال الرازي : معناه من رأى في يوم سروره بمصرع غيره رآه غيره في يوم آخر بمصرع نفسه ، وقال تعالى : { وتلك الأيام نداولها بين الناس } [ آل عمران ، 140 ] والمعنى : عظهم بالترغيب ، والترهيب ، والوعد والوعيد ، والترغيب والوعد أن يذكرهم ما أنعم الله عليهم وعلى من قبلهم ممن آمنوا بالرسل فيما سلف من الأيام ، والترهيب والوعيد أن يذكرهم بأمر الله وعذابه وانتقامه ممن كذب الرسل فيما سلف من الأيام مثل ما نزل بعاد وثمود وغيرهم من العذاب ليرغبوا في الوعد ، فيصدّقوا ويحذروا من الوعيد ، فيتركوا التكذيب ، وقيل : بأيام الله في حق موسى أن يذكر قومه بأيام المحنة والبلاء حين كانوا تحت أيدي القبط يسومونهم سوء العذاب ، فخلصهم الله من ذلك وجعلهم ملوكاً بعد أن كانوا مملوكين { إنّ في ذلك } ، أي : التذكير العظيم { لآيات } على وحدانية الله تعالى وعظمته { لكل صبار } ، أي : كثير الصبر على الطاعة وعن المعصية { شكور } ، أي : كثير الشكر للنعم ، وإنما خص الصبور والشكور بالاعتبار بالآيات ، وإن كان فيها عبرة للكل ؛ لأنهم المنتفعون بها دون غيرهم فلهذا خصهم بالآيات ، فكأنها ليست لغيرهم فهو كقوله تعالى : { هدى للمتقين } [ البقرة ، 3 ] فإنّ الانتفاع لا يمكن حصوله إلا لمن يكون صابراً شاكراً أما من لا يكون كذلك فلا ينتفع بها البتة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.