نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا مُوسَىٰ بِـَٔايَٰتِنَآ أَنۡ أَخۡرِجۡ قَوۡمَكَ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَذَكِّرۡهُم بِأَيَّىٰمِ ٱللَّهِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّكُلِّ صَبَّارٖ شَكُورٖ} (5)

ولما ذكر سبحانه الرسل بما ذكره ، توقع السامع تفصيل شيء من أخبارهم ، فابتدأ بذكر من كتابه{[44580]} أجل كتاب بعد القرآن هدى للناس دليلاً{[44581]} على أنه يفعل ما يشاء من الإضلال والهداية ، وتسلية للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وتثبيتاً وتصبيراً على أذى قومه ، وإرشاداً{[44582]} إلى ما{[44583]} فيه الصلاح في مكالمتهم ، فقال مصدراً بحرف التوقع : { ولقد أرسلنا } أي بعظمتنا { موسى بآياتنا } أي البينات{[44584]} ؛ ثم فسر الإرسال بقوله : { أن أخرج قومك } أي الذين{[44585]} فيهم قوة على مغالبة{[44586]} الأمور { من الظلمات } أي أنواع الجهل { إلى النور * } بتلك الآيات { وذكرهم } أي تذكيراً عظيماً { بأيام الله } أي الذي له الجلال والإكرام من وقائعه{[44587]} في الأمم السالفة وغير ذلك من المنح لأوليائه والمحن{[44588]} لأعدائه كما أرسلناك لذلك{[44589]} { إن في ذلك } أي{[44590]} التذكير العظيم { لآيات } على وحدانية الله وعظمته { لكل صبار } أي بليغ الصبرعلى بلاء الله ، قال في العوارف{[44591]} : وقال أبو الحسن بن سالم : هم{[44592]} ثلاثة : متصبر ، وصابر ، وصبار{[44593]} ، فالمتصبر من صبر في الله{[44594]} ، فمرة يصبر ومرة{[44595]} يجزع ، والصابر من يصبر في الله ولله{[44596]} ولا يجزع ولكن يتوقع منه الشكوى ، وقد يمكن منه الجزع ، فأما الصبار فذلك الذي صبّره{[44597]} الله{[44598]} في الله{[44599]} ولله وبالله ، {[44600]} فهذا لو وقع{[44601]} عليه جميع البلايا لا يجزع ولا يتغير من جهة الوجوب{[44602]} والحقيقة ، لا من جهة الرسم{[44603]} والخليقة ، وإشارته في هذا ظهور حكم العلم فيه مع ظهور صفة{[44604]} الطبيعة . { شكور * } أي عظيم الشكر لنعمائه ، فإن أيامه عند أوليائه لا تخلو من نعمة أو نقمة ، وفي صيغة المبالغة إشارة إلى أن عادته{[44605]} تعالى جرت{[44606]} بأنه إنما ينصر{[44607]} أولياءه بعد طول الامتحان بعظيم البلاء ليتبين الصادق من الكاذب

{ حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله }[ البقرة :214 ] { حتى إذا استيئس الرسل }[ يوسف :110 ] ، { الم أحسب الناس أن يتركوا{[44608]} }[ العنكبوت :2 ] وذلك أنه لا شيء أشق على النفوس من مفارقة المألوف لا سيما إن كان ديناً ولا سيما إن كان قد{[44609]} درج عليه الأسلاف{[44610]} ، فلا يقوم بالدعاء إلى الدين إلا من بلغ الذروة{[44611]} في الصبر .


[44580]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: كابه.
[44581]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: دليل.
[44582]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: لما.
[44583]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: لما.
[44584]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: بالبينات.
[44585]:في ظ: الذي.
[44586]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: مقابلة.
[44587]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: وفايته.
[44588]:في ظ: المنح.
[44589]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: كذلك.
[44590]:العبارة من هنا إلى "الطبيعة شكور" ساقطة من م.
[44591]:من ظ ومد، وفي الأصل: العواريه- كذا، وهذا يأتي في مقدمة الكتب التي ألفها الشيخ شهاب الدين السهروردي.
[44592]:في ظ: هو.
[44593]:زيد من ظ ومد.
[44594]:زيد في ظ: ولله.
[44595]:في ظ: من.
[44596]:زيد من ظ ومد.
[44597]:من ظ ومد، وفي الأصل: يصبره.
[44598]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[44599]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[44600]:من مد، وفي الأصل: وهذا وقع، وفي ظ: وهذا لو وقع- كذا.
[44601]:من مد، وفي الأصل: وهذا وقع، وفي ظ: وهذا لو وقع- كذا.
[44602]:تكرر ما بين الرقمين في الأصل و ظ.
[44603]:تكرر ما بين الرقمين في الأصل و ظ.
[44604]:من مد، وفي الأصل: صنعة، وفي ظ: ضد.
[44605]:في مد: إعادته.
[44606]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: أجرت.
[44607]:في ظ ومد: تنصر.
[44608]:سورة 29 آية 2.
[44609]:زيد من ظ و م ومد.
[44610]:زيد من ظ و م ومد.
[44611]:في ظ: الذرة.