النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا مُوسَىٰ بِـَٔايَٰتِنَآ أَنۡ أَخۡرِجۡ قَوۡمَكَ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَذَكِّرۡهُم بِأَيَّىٰمِ ٱللَّهِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّكُلِّ صَبَّارٖ شَكُورٖ} (5)

قوله عز وجل : { ولقد أرسلنا موسى بآياتنا } أي بحُججنا وبراهيننا وقال مجاهد هي التسع الآيات .

{ أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور } يحتمل وجهين :

أحدهما : من الضلالة إلى الهدى . الثاني : من ذل الاستعباد إلى عز المملكة .

{ وذكِّرهم بأيام الله } فيه ثلاثة تأويلات :

أحدها : معناه وعظهم بما سلف من الأيام الماضية لهم ، قاله ابن جرير .

الثاني : بالأيام التي انتقم الله فيها من القرون الأولى ، قاله الربيع وابن زيد .

الثالث : أن معنى أيام الله أن نعم الله عليهم ، قاله مجاهد وقتادة ، وقد رواه أبيّ بن كعب مرفوعاً ، وقد تسمَّى النعم بالأيام ، ومنه قول عمرو بن كلثوم :

وأيام لنا غُرٍّ طِوالٍ *** عصينا الملْك فيها أن نَدِينا{[1632]}

ويحتمل تأويلاً رابعاً : أن يريد الأيام التي كانوا فيها عبيداًَ مستذلين لأنه أنذرهم قبل استعمال النعم عليهم .

{ إنَّ في ذلك لآيات لكُلِّ صبَّارٍ شكورٍ } الصبار : الكثير الصبر ، والشكور : الكثير الشكر ، قال قتادة : هو العبد إذا أعطي شكر ، وإذا ابتلي صبر . وقال الشعبي : الصبر نصف الإيمان ، والشكر نصف ، وقرأ { إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور } .

وتوارى الحسن عن الحجاج تسع سنين ، فلما بلغه موته قال : اللهم قد أمته فأمت سنته وسجد شكراً وقرأ { إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور } .

{[1633]}وإنما خص بالآيات كل صبار شكور ، وإن كان فيه آيات لجميع الناس لأنه يعتبر{[1634]} بها [ ولا يغفل{[1635]} عنها ] .


[1632]:البيت من معلقته التي مطلعها: ألا هبي بصحتك فاصبحينا *** ولا تبقى خمور الأندرينا.
[1633]:سقط من ق.
[1634]:كما قال تعالى: "إنما أنت منذر من يخشاها" وإن كان منذرا للجميع.
[1635]:زيادة اقتضاها السياق وهي من تفسير القرطبي 9/342 وقد أورد هذه العبارة حرفيا حرفيا المؤلف.