تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا مُوسَىٰ بِـَٔايَٰتِنَآ أَنۡ أَخۡرِجۡ قَوۡمَكَ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَذَكِّرۡهُم بِأَيَّىٰمِ ٱللَّهِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّكُلِّ صَبَّارٖ شَكُورٖ} (5)

الآية 5 : وقوله تعالى : { ولقد أرسلنا موسى بآياتنا } تحتمل آياته حججه وبراهينه التي أرسل بها على وحدانيته وألوهيته ، وتحتمل آياته التي بعثها إلى موسى ليقيمها على رسالته ؛ إن شئت قلت : آياته حججه ، وإن شئت سميتها أعلاما .

والآيات والأعلام والحجج ، كله واحد ، فتكون أعلام وحدانية الله وألوهيته أو أعلام رسالته .

وقال قائلون : { بآيتنا } أي بديننا ، أي أرسلنا موسى بديننا ليدعوهم إليه { أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور } وعلى ذلك بعثٌ جميع الرسل والأنبياء ؛ بٌعثوا ليٌخرجوا قومهم من الظلمات إلى النور ، وقد ذكرنا هذا في غير مرضع .

وقوله تعالى : { وذكرهم بأيام الله } التذكير هو العظة ؛ أي عظهم بأيام الله . قال قائلون : أيام الله نعمه . وقال{[9423]} قتادة : أمره أن يذكرهم بنعم الله التي أنعمها عليهم [ أي قل : إن{[9424]} لله عليكم أياما من النعم كأيام القوم ؛ كم من خير قد أعطاه الله لكم ! وكم من سوء قد صرفه الله عنكم ! وكم من غم قد فرجه الله عنكم ! فاللهم ربنا لك الحمد .

وقال قائلون : أيام الله وقائعه ، أي ذكرهم بوقائع الله في الأمم السالفة كيف أهلكهم لما كذبوا الرسل . هذا يٌحتمل : [ في ذكرهم ]{[9425]} بنعم الله التي كانت على المصدقين بتصديقهم ، وهو ما أنجى المصدقين من التعذيب والإهلاك إهلاك تعذيب ، أو ذكر المكذبين منهم بالوقائع التي كانت على أولئك بالتكذيب ، وهو الإهلاك .

ويشبه أن يكون قوله : { بأيام الله } الأيام المعروفة نفسها : أمره أن يذكرهم بها لأن الأيام التي تأتي بأرزاقهم ، وتمضي بأعمالهم وأعمارهم ، إن كان خيرا فخير ، وإن كان شرا فشر ، وتفنى أعمارهم وآجالهم ، وفي ما يأتي بأرزاقهم نعم من الله عليهم ، وفي ذهاب أعمارهم وآجالهم إظهار سلطان الله وقدرته ، فأمره أن يذكرهم/267- ب/ بذلك ، والله أعلم .

هذا يشبه أن يكون أمر موسى أن يذكر بني إسرائيل ما كان عليهم من فرعون من أنواع التعذيب ثم الإنجاء من بعد .

يقول ، والله أعلم : ذكرهم الأيام الماضية وما تلاها{[9426]} ، وهذا أشبه ، وأقرب ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور } قد ذكرنا أن الصبر ، هو كف النفس عن معاصي الله عز وجل وعن جميع مناهيه ، والشكر ، هو الرغبة في طاعته . أخبر أن في ما ذكر آيات لمن كف هو نفسه{[9427]} عن المعاصي ورغب في طاعته ، لا لمن تطاول على الرسل ، وتكبر عليهم ، وترك إجابتهم ، ولم يرغب في ما دٌعي{[9428]} إليه ، ليس لأمثال هؤلاء عبرة وآية ، [ لكن ]{[9429]} لمن ذكرنا .

ويشبه أن يكون الصبار والشكور كناية عن المؤمن لأن كل مؤمن آمن بالله ، ووحده ، اعتقد الكف عن جميع [ معاصيه ]{[9430]} والرغبة في كل طاعته ، وإن كان يقع أحيانا في معصيته . فكأنه قال جل جلاله : { إن في ذلك لآيات } للمؤمنين على ما ذكر في غيره من الآيات ؛ من ذلك قوله جل جلاله : { إن في ذلك لآية للمؤمنين } [ الحجر : 77 والعنكبوت : 47 ] وقوله{[9431]} { للموقنين } [ الذاريات : 20 ] وقوله :

{ للمتقين } [ البقرة : 66 و . . . . . . . ] [ ونحو ذلك ] ( 10 ){[9432]} والله أعلم .


[9423]:الواو ساقطة من الأصل وم.
[9424]:في الأصل وم: فإن.
[9425]:في الأصل وم: يذكرهم.
[9426]:في الأصل وم: يتلوها.
[9427]:أدرج قبلها في الأصل: في.
[9428]:في الأصل وم: دعواهم.
[9429]:ساقطة من الأصل وم.
[9430]:ساقطة من الأصل وم.
[9431]:في الأصل وم: و.
[9432]:في الأصل وم: ونحوه.