فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا مُوسَىٰ بِـَٔايَٰتِنَآ أَنۡ أَخۡرِجۡ قَوۡمَكَ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَذَكِّرۡهُم بِأَيَّىٰمِ ٱللَّهِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّكُلِّ صَبَّارٖ شَكُورٖ} (5)

ثم لما بيّن أن المقصود من بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم هو إخراج الناس من الظلمات إلى النور أراد أن يبين أن الغرض من إرسال الأنبياء لم يكن إلاّ ذلك ، وخصّ موسى بالذكر لأن أمته أكثر الأمم المتقدّمة على هذه الأمة المحمدية فقال : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا موسى بئاياتنا } أي : متلبساً بها ، والمراد بالآيات : المعجزات التي لموسى ، ومعنى { أَنْ أَخْرِجْ } أي : أخرج ، لأن الإرسال فيه معنى القول ، ويجوز أن يكون التقدير بأن أخرج ، والمراد بقومه بنو إسرائيل بعد ملك فرعون . { مِنَ الظلمات } من الكفر أو من الجهل الذي قالوا بسببه : { اجعل لَّنَا إلها كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ } [ الأعراف : 138 ] . { إِلَى النور } إلى الإيمان ، أو إلى العلم { وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ الله } أي : بوقائعه . قال ابن السكيت : العرب تقول الأيام ، في معنى الوقائع ، يقال : فلان عالم بأيام العرب ، أي : بوقائعها . وقال الزجاج : أي ذكرهم بنعم الله عليهم وبنقم أيام الله التي انتقم فيها من قوم نوح وعاد وثمود ، والمعنى : عظهم بالترغيب والترهيب والوعد والوعيد { إِنَّ فِي ذَلِكَ } أي : في التذكير بأيام الله ، أو في نفس أيام الله { لآيَاتٍ } لدلالات عظيمة دالة على التوحيد وكمال القدرة { لّكُلّ صَبَّارٍ } أي : كثير الصبر على المحن والمنح { شَكُورٍ } كثير الشكر للنعم التي أنعم الله بها عليه ؛ وقيل : المراد بذلك كل مؤمن ، وعبَّر عنه بالوصفين المذكورين ؛ لأنهما ملاك الإيمان ، وقدّم الصبار على الشكور ؛ لكون الشكر عاقبة الصبر .

/خ5