لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا مُوسَىٰ بِـَٔايَٰتِنَآ أَنۡ أَخۡرِجۡ قَوۡمَكَ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَذَكِّرۡهُم بِأَيَّىٰمِ ٱللَّهِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّكُلِّ صَبَّارٖ شَكُورٖ} (5)

قوله عز وجل { ولقد أرسلنا موسى بآياتنا } المراد بالآيات المعجزات التي جاء بها موسى عليه الصلاة والسلام ، مثل العصا واليد وفلق البحر وغير ذلك من المعجزات العظيمة الباهرة { أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور } أي أن أخرج قومك بالدعوة من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان { وذكرهم بأيام الله } قال ابن عباس وأبي بن كعب ومجاهد وقتادة : يعني بنعم الله ، وقال مقاتل : بوقائع الله في الأمم السالفة . يقال : فلان عالم بأيام العرب أي بوقائعهم بما أراد بما كان في أيام الله من النعمة والنقمة ، فأخبر بذكر الأيام عن ذلك لأن ذلك كان معلوماً عندهم وعلى هذا يكون المعنى عظهم بالترغيب والترهيب والوعد والوعيد . والترغيب والوعد أن يذكرهم بما أنعم الله عليهم به من النعمة ، وعلى من قبلهم ممن آمن بالرسل فيما مضى من الأيام ، والترهيب والوعيد أن يذكرهم بأس الله ، وشدة انتقامه ممن خالف أمره وكذب رسله ، وقيل : بأيام الله في حق موسى أن يذكر قومه بأيام المحنة والشدة والبلاء حين كانوا تحت أيدي القبط يسومونهم سوء العذاب فخلصهم الله من ذلك ، وجعلهم ملوكاً بعد أن كانوا مملوكين { إن في ذلك لآيات لكل صبّار شكور } الصبّار : الكثير الصبر ، والشكور : الكثير الشكر ، وإنما خص الشكور والصبور بالاعتبار بالآيات وإن كان فيها عبرة للكافة لأنهم هم المنتفعون بها دون غيرهم فلهذا خصهم بالآيات ، فكأنها ليست لغيرهم فهو كقوله { وهدى للمتقين } ولأن الانتفاع بالآيات لا يمكن حصوله إلا لمن يكون صابراً شاكراً أما من لم يكن كذلك فلا ينتفع بها البتة .