فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا مُوسَىٰ بِـَٔايَٰتِنَآ أَنۡ أَخۡرِجۡ قَوۡمَكَ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَذَكِّرۡهُم بِأَيَّىٰمِ ٱللَّهِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّكُلِّ صَبَّارٖ شَكُورٖ} (5)

{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ( 5 ) }

ثم لما بين أن المقصود من بعثة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم هو إخراج الناس من الظلمات إلى النور ؛ أراد أن يبين أن الغرض من إرسال الأنبياء لم يكن إلا ذلك وخص موسى بالذكر لأن أمته أكثر الأمم المتقدمة على هذه الأمة المحمدية فقال : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى } متلبسا { بِآيَاتِنَا } التسع الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والعصا ويده والسنين ونقص من الثمرات ، قاله مجاهد وعطاء وعبيد بن عمير .

{ أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ } المعنى قلنا لموسى أخرج ، لأن الإرسال فيه معنى القول أو بأن أخرج بني إسرائيل بعد ملك فرعون من الكفر أو الجهل الذي قالوا بسببه اجعل لنا إلها كما لهم آلهة إلى الإيمان أو العلم { وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ } أي بوقائعه .

قال ابن السكيت : العرب تقول الأيام في معنى الوقائع ، يقال فلان عالم بأيام العرب أي بوقائعها .

وقال الزجاج : بنعم الله عليهم وبنقم أيام الله التي انتقم فيه من قوم نوح وعاد وثمود ، والمعنى عظهم بالترغيب والترهيب والوعد والوعيد . وأخرج النسائي والبيهقي وغيرهما عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ( ذكرهم بنعم الله وآلائه ) وبه قال ابن عباس .

وقال الربيع بوقائع في القرون الأولى ، ويترجح تفسير أيام الله ببلائه ونعمه وفي تفسير ابن جرير بأيام الله ، أي بأنواع عقوباته الفائضة ونعمه الباطنة التي أفاضها على القرون السالفة واللاحقة فمن أحاط علمه بذلك عظم خوفه ، وفي القاموس وأيام الله نعمه ويوم أيوم شديد ، وآخر يوم في الشهر ، وفي المختار وربما عبروا عن الشدة باليوم .

{ إِنَّ فِي ذَلِكَ } التذكير بأيام الله أو في نفس أيام الله { لآيَاتٍ } أي لدلالات عظيمة دالة على التوحيد وكمال القدرة { لِّكُلِّ صَبَّارٍ } كثير الصبر على المحن والمنح { شَكُورٍ } كثير الشكر للنعم التي أنعم الله بها عليه لأنه إذا سمع بما نزل على من قبله من البلاء وأفيض عليهم من النعماء اعتبر وتنبه لما يجب عليه من الصبر والشكر وقيل المراد بذلك كل مؤمن ، وعبر عنه بالوصفين لأنهما ملاك الإيمان وعنوان المؤمن ، وقدم الصبار على الشكور لكون الشكر عاقبة الصبر .

قال قتادة في الآية : نعم العبد عبد إذا ابتلى صبر ؛ وإذا أعطى شكر ، وإنما خص الصبار والشكور وإن كان فيها عبرة للكافة لأنهم المنتفعون بها دون غيرهم .