تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَمۡ لَهُمۡ شُرَكَـٰٓؤُاْ شَرَعُواْ لَهُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا لَمۡ يَأۡذَنۢ بِهِ ٱللَّهُۚ وَلَوۡلَا كَلِمَةُ ٱلۡفَصۡلِ لَقُضِيَ بَيۡنَهُمۡۗ وَإِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (21)

{ 21-23 } { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

يخبر تعالى أن المشركين اتخذوا شركاء يوالونهم ويشتركون هم وإياهم في الكفر وأعماله ، من شياطين الإنس ، الدعاة إلى الكفر { شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ } من الشرك والبدع ، وتحريم ما أحل الله ، وتحليل ما حرم الله ونحو ذلك مما اقتضته أهواؤهم .

مع أن الدين لا يكون إلا ما شرعه الله تعالى ، ليدين به العباد ويتقربوا به إليه ، فالأصل الحجر على كل أحد أن يشرع شيئا ما جاء عن الله وعن رسوله ، فكيف بهؤلاء الفسقة المشتركين هم وأباؤهم على الكفر .

{ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ } أي : لولا الأجل المسمى الذي ضربه الله فاصلا بين الطوائف المختلفة ، وأنه سيؤخرهم إليه ، لقضي بينهم في الوقت الحاضر بسعادة المحق وإهلاك المبطل ، لأن المقتضي للإهلاك موجود ، ولكن أمامهم العذاب الأليم في الآخرة ، هؤلاء وكل ظالم .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَمۡ لَهُمۡ شُرَكَـٰٓؤُاْ شَرَعُواْ لَهُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا لَمۡ يَأۡذَنۢ بِهِ ٱللَّهُۚ وَلَوۡلَا كَلِمَةُ ٱلۡفَصۡلِ لَقُضِيَ بَيۡنَهُمۡۗ وَإِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (21)

وقوله : { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ } أي : هم لا يتبعون ما شرع الله لك من الدين القويم ، بل يتبعون ما شرع لهم شياطينهم من الجن والإنس ، من تحريم ما حرموا عليهم ، من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام ، وتحليل الميتة والدم والقمار ، إلى نحو ذلك من الضلالات والجهالة{[25809]} الباطلة ، التي كانوا قد اخترعوها في جاهليتهم ، من التحليل والتحريم ، والعبادات الباطلة ، والأقوال الفاسدة .

وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " رأيت عمرو بن لُحَيّ بن قَمَعَة يَجُر قُصْبَه في النار " {[25810]} لأنه أول من سيب السوائب . وكان هذا الرجل أحد ملوك خزاعة ، وهو أول من فعل هذه الأشياء ، وهو الذي حَمَل قريشا على عبادة الأصنام ، لعنه الله وقبحه ؛ ولهذا قال تعالى : { وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ } أي : لعوجلوا بالعقوبة ، لولا ما تقدم من الإنظار إلى يوم المعاد ، { وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي : شديد موجع{[25811]} في جهنم وبئس المصير .


[25809]:- (5) في أ: "الجهالات".
[25810]:- (6) انظر تخريج هذا الحديث عند تفسير الآية: 103 من سورة المائدة.
[25811]:- (7) في ت، أ: "وجيع".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَمۡ لَهُمۡ شُرَكَـٰٓؤُاْ شَرَعُواْ لَهُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا لَمۡ يَأۡذَنۢ بِهِ ٱللَّهُۚ وَلَوۡلَا كَلِمَةُ ٱلۡفَصۡلِ لَقُضِيَ بَيۡنَهُمۡۗ وَإِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (21)

{ أم لهم شركاء } بل ألهم شركاء ، والهمزة للتقرير والتقريع وشركاؤهم شياطينهم . { شرعوا لهم } بالتزيين . { من الذين ما لم يأذن به الله } كالشرك وإنكار البعث والعمل للدنيا . وقيل شركاؤهم أوثانهم وإضافتها إليهم لأنهم متخذوها شركاء ، وإسناد الشرع إليها لأنها سبب ضلالتهم وافتتانهم بما تدينوا به ، أو صور من سنة لهم . { ولولا كلمة الفصل } أي القضاء السابق بتأجيل الجزاء ، أو العدة بأن الفصل يكون يوم القيامة . { لقضي بينهم } بين الكافرين والمؤمنين ، أو المشركين وشركائهم . { وإن الظالمين لهم عذاب أليم } وقرئ " أن " بالفتح عطفا على كلمة { الفصل } أي { ولولا كلمة الفصل } وتقدير عذاب الظالمين في الآخرة لقضي بينهم في الدنيا ، فإن العذاب الأليم غالب في عذاب الآخرة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَمۡ لَهُمۡ شُرَكَـٰٓؤُاْ شَرَعُواْ لَهُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا لَمۡ يَأۡذَنۢ بِهِ ٱللَّهُۚ وَلَوۡلَا كَلِمَةُ ٱلۡفَصۡلِ لَقُضِيَ بَيۡنَهُمۡۗ وَإِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (21)

{ أم } هذه هي منقطعة لا معادلة ، وهي بتقدير بل وألف الاستفهام . والشركاء في هذه الآية : يحتمل أن يكون المراد بهم الشياطين والمغوين من أسلافهم ، ويكون الضمير في { لهم } للكفار المعاصرين لمحمد صلى الله عليه وسلم ، أي شرع الشركاء لهم ما لم يأذن به الله ، فالاشتراك ها هنا هو في الكفر والغواية ، وليس بشركة الإشراك بالله ، ويحتمل أن يكون المراد ب «الشركاء » : الأصنام والأوثان على معنى : أم لهم أصنام جعلوها شركاء لله في ألوهيته ، ويكون الضمير : في : { شرعوا } لهؤلاء المعاصرين من الكفار ولآبائهم . والضمير في : { لهم } للأصنام الشركاء ، أي شرع هؤلاء الكفار لأصنامهم وأوثانهم ما لم يأذن به الله ، و : { شرعوا } معناه : أثبتوا ونهجوا ورسموا . و { الدين } هنا العوائد{[10128]} والأحكام والسيرة ، ويدخل في ذلك أيضاً المعتقدات ، لأنهم في جميع ذلك وضعوا أوضاعاً ، فأما في المعتقدات فقولهم إن الأصنام آلهة ، وقولهم إنهم يعبدون الأصنام زلفى وغير ذلك ، وأما في الأحكام فكالبحيرة والوصيلة والحامي وغير ذلك من السوائب ونحوها ، والإذن في هذه الآية الأمر . و { كلمة الفصل } : هي ما سبق من قضاء الله تعالى بأنه يؤخر عقابهم إلى الآخرة والقضاء بينهم : هو عذابهم في الدنيا ومجازاتهم .

وقرأ جمهور الناس : «وإن الظالمين » بكسر الهمزة على القطع والاستئناف . وقرأ مسلم بن جندب «وأن الظالمين » بفتح الهمزة ، وهي في موضع رفع عطف على : { كلمة } المعنى : وأن الظالمين لهم في الآخرة عذاب .


[10128]:العوائد: جمع عادة، وهي كل ما اعتاد الناس وألفوه فأصبحوا يفعلونه بغير جهد.