تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَلَا تَعۡلَمُ نَفۡسٞ مَّآ أُخۡفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعۡيُنٖ جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (17)

وأما جزاؤهم ، فقال : { فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ } يدخل فيه جميع نفوس الخلق ، لكونها نكرة في سياق النفي . أي : فلا يعلم أحد { مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ } من الخير الكثير ، والنعيم الغزير ، والفرح والسرور ، واللذة والحبور ، كما قال تعالى على لسان رسوله : " أعددت لعبادي الصالحين ، ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر "

فكما صلوا في الليل ، ودعوا ، وأخفوا العمل ، جازاهم من جنس عملهم ، فأخفى أجرهم ، ولهذا قال : { جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَلَا تَعۡلَمُ نَفۡسٞ مَّآ أُخۡفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعۡيُنٖ جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (17)

وقوله : { فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } أي : فلا يعلم أحد عظمة ما أخفى الله لهم في الجنات من النعيم المقيم ، واللذات التي لم يطلع على مثلها أحد ، لَمَّا أخفوا أعمالهم{[23105]} أخفى الله لهم من الثواب ، جزاء وفاقا ؛فإن الجزاء من جنس العمل .

قال الحسن [ البصري ] :{[23106]} أخفى قوم عملهم فأخفى الله لهم ما لم تر عين ، ولم يخطر{[23107]} على قلب بشر . رواه ابن أبي حاتم .

قال البخاري : قوله : { فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ } الآية : حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا سفيان ، عن أبي الزِّنَاد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " قال الله تعالى : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر " . قال أبو هريرة : فاقرؤوا إن شئتم : { فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ } .

قال : وحدثنا سفيان ، حدثنا أبو الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة قال : قال الله مثله{[23108]} . قيل لسفيان : روايةً ؟ قال : فَأيُّ شيء ؟ .

ورواه مسلم والترمذي من حديث سفيان بن عيينة ، به{[23109]} . وقال الترمذي : حسن صحيح .

ثم قال البخاري : حدثنا إسحاق بن نصر ، حدثنا أبو أسامة ، عن الأعمش ، حدثنا{[23110]} أبو صالح ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : " يقول الله تعالى : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، ذُخْرًا منْ بَله ما أطلعْتم عليه " ، ثم قرأ : { فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } .

قال أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، قرأ أبو هريرة : " قُرَّات أَعْيُنٍ " . انفرد به البخاري من هذا الوجه . {[23111]}

وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا مَعْمَر ، عن همام بن مُنَبِّه قال : هذا ما حدثنا أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله تعالى قال : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر " .

أخرجاه في الصحيحين من رواية عبد الرزاق{[23112]} . ورواه الترمذي في التفسير ، وابن جرير ، من حديث عبد الرحيم بن سليمان ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثله . ثم قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح . {[23113]}

وقال حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أبي رافع ، عن أبي هريرة{[23114]} ، رضي الله عنه ، قال حماد : أحسبه عن النبي{[23115]} صلى الله عليه وسلم قال : «من يدخل الجنة ينعم لا يبأس ، لا تبلى ثيابه ، ولا يفنى شبابه ، في الجنة ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر » .

رواه مسلم من حديث حماد بن سلمة ، به . {[23116]}

وروى{[23117]} الإمام أحمد : حدثنا هارون ، حدثنا ابن وهب ، حدثني أبو صخر ، أن أبا حازم حدَّثه قال : سمعت{[23118]} سهل بن سعد الساعدي ، رضي الله عنه ، يقول : شهدت من رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسا وصف فيه الجنة ، حتى انتهى ، ثم قال في آخر حديثه : «فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر » ، ثم قرأ هذه الآية : { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ [ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا ] } {[23119]} ، إلى قوله : { يَعْمَلُون } .

وأخرجه مسلم في صحيحه عن هارون بن معروف ، وهارون بن سعيد ، كلاهما عن ابن وهب ، به . {[23120]}

وقال ابن جرير : حدثني العباس بن أبي طالب ، حدثنا معلى بن أسد ، حدثنا سلام بن أبي مطيع ، عن قتادة ، عن عقبة بن عبد الغافر ، عن أبي سعيد الخدري ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يروي عن ربه ، عز وجل ، قال : «أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر » . لم يخرجوه . {[23121]}

وقال{[23122]} مسلم أيضا في صحيحه : حدثنا ابن أبي عمر وغيره ، حدثنا سفيان ، حدثنا مُطَرّف بن طَريف وعبد الملك بن سعيد ، سمعا الشعبي يخبر عن المغيرة بن شعبة قال : سمعته على المنبر - يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم - قال : «سأل موسى ، عليه السلام{[23123]} ربه عز وجل : ما أدنى أهل الجنة منزلة ؟ قال : هو رجل يجيء بعدما أدخل أهل الجنة الجنة ، فيقال له : ادخل الجنة . فيقول : أي رب ، كيف وقد نزل الناس منازلهم ، وأخذوا أخذاتهم ؟ فيقال له : أترضى أن يكون لك مثل مُلك مَلِكٍ من ملوك الدنيا ؟ فيقول : رضيت رب . فيقول : لك ذلك ، ومثله ، ومثله ، ومثله ، ومثله ، فَقَال في الخامسة : رضيت رب . فيقول : هذا لك وعشرة أمثاله{[23124]} ولك ما اشتهت نفسك ولَذَّت عينك . فيقول : رضيت رب . قال : رب ، فأعلاهم منزلة ؟ قال : أولئك الذين أرَدتُ ، غَرَسْتُ كرامتهم بيدي ، وختمت عليها ، فلم تر عين ، ولم تسمع{[23125]} أذن ، ولم يخطر على قلب بشر » ، قال : ومصداقه من كتاب الله : { فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } .

ورواه الترمذي عن ابن أبي عمر ، وقال : حسن صحيح ، قال : ورواه بعضهم عن الشعبي ، عن المغيرة ولم يرفعه ، والمرفوع أصح . {[23126]}

قال ابن أبي حاتم : حدثنا جعفر بن منير المدائني ، حدثنا أبو بدر شجاعُ بن الوليد ، حدثنا زياد بن خَيْثَمة ، عن محمد بن جُحَادة ، عن عامر{[23127]} بن عبد الواحد قال : بلغني أن الرجل من أهل الجنة يمكث في مكانه سبعين سنة ، ثم يلتفت فإذا هو بامرأة أحسن مما كان فيه ، فتقول له : قد أنَى لك أن يكون لنا منك نصيب ؟ فيقول : من أنت ؟ فتقول : أنا من المزيد . فيمكث معها سبعين سنة ، ثم يلتفت فإذا هو بامرأة أحسن مما كان فيه ، فتقول له : قد أنى لك أن يكون لنا منك نصيب ، فيقول : من أنت ؟ فتقول : أنا التي{[23128]} قال الله : { فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ } .

وقال ابن لَهِيعَة : حدثني عطاء بن دينار ، عن سعيد بن جُبَيْر قال : تدخل عليهم الملائكة في مقدار كل يوم من أيام الدنيا ثلاث مرات ، معهم التحف من الله من جنات عدن ما ليس في جناتهم ، وذلك قوله : { فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ } ، ويُخْبَرون أن الله عنهم{[23129]} راض .

وقال ابن جرير : حدثنا سهل بن موسى الرازي ، حدثنا الوليد بن مسلم ، عن صفوان بن عمرو ، عن أبي اليمان الهوزني - أو غيره - قال : الجنة مائة درجة ، أوَّلها درجة فضة وأرضها فضة ، ومساكنها فضة ، [ وآنيتها فضة ]{[23130]} وترابها المسك . والثانية ذهب ، وأرضها ذهب ، ومساكنها ذهب ، وآنيتها ذهب ، وترابها المسك . والثالثة لؤلؤ ، وأرضها لؤلؤ ، ومساكنها اللؤلؤ ، وآنيتها اللؤلؤ ، وترابها المسك . وسبع وتسعون بعد ذلك ، ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر . ثم تلا هذه الآية : { فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } {[23131]}

وقال ابن جرير : حدثني يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا معتمر بن سليمان ، عن الحكم بن أبان ، عن الغِطْرِيف ، عن جابر بن زيد ، عن ابن عباس{[23132]} عن النبي صلى الله عليه وسلم ، عن الروح الأمين قال : " يؤتى بحسنات العبد وسيئاته ، ينقص بعضها من بعض ، فإن بقيت حسنة [ واحدة ] {[23133]} وسع الله له في الجنة " ، قال : فدخلت على " يزداد " فَحَدَّث بمثل هذا الحديث ، قال : فقلت : فأين ذهبت الحسنة ؟ قال : { أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ } [ الأحقاف : 16 ] . قلت : قوله تعالى : { فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ } ، قال : العبد يعمل سرًّا أسرَّه إلى الله ، لم² يُعلم به الناس ، فأسَرَّ الله له يوم القيامة قُرَّة أعين{[23134]} .


[23105]:- في ت، ف، أ: "أعمالهم كذلك".
[23106]:- زيادة من أ.
[23107]:- في ت: "ولا يخطر".
[23108]:- في ف، أ: "تعالى".
[23109]:- صحيح البخاري برقم (4779) وصحيح مسلم برقم (2824) وسنن الترمذي برقم (3197).
[23110]:- في ف، أ: "عن".
[23111]:- صحيح البخاري برقم (4780) وفي البخاري "رواية أبي معاوية" بعد الحديث المتقدم.
[23112]:- المسند (2/313) وصحيح البخاري برقم (8498) من طريق عبد الله عن معمر به، ولم أجده في الصحيحين من رواية عبد الرزاق.
[23113]:- سنن الترمذي برقم (3292) وتفسير الطبري (21/66).
[23114]:- في ت: "وروى مسلم عن أبي هريرة".
[23115]:- في ت: "رسول الله".
[23116]:- صحيح مسلم برقم (2836).
[23117]:- في أ: "وقال".
[23118]:- في ت: "وروى مسلم أيضا عن".
[23119]:- زيادة من ت، ف، أ.
[23120]:- المسند (5/334) وصحيح مسلم برقم (2825).
[23121]:- تفسير الطبري (21/67).
[23122]:- في ت: "وروى".
[23123]:- في ت: "صلى الله عليه وسلم".
[23124]:- في ف، أ: "وعشرة أمثاله معه".
[23125]:- في ف "تستمع".
[23126]:- صحيح مسلم برقم (189) وسنن الترمذي برقم (3198)
[23127]:- في ت: "وروى ابن أبي حاتم عن عباس".
[23128]:- في أ: "أنا من الذين".
[23129]:- في ت: "عليهم".
[23130]:- زيادة من ت، ف، أ، والطبري.
[23131]:- تفسير الطبري (21/66).
[23132]:- في ت: "وروى ابن جرير بإسناده عن ابن عباس"
[23133]:- زيادة من ت، ف، أ، والطبري.
[23134]:- تفسير الطبري (21/67).
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَلَا تَعۡلَمُ نَفۡسٞ مَّآ أُخۡفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعۡيُنٖ جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (17)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مّآ أُخْفِيَ لَهُم مّن قُرّةِ أَعْيُنٍ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } .

يقول تعالى ذكره : فلا تعلم نفس ذي نفسٍ ما أخفى الله لهؤلاء الذين وصف جلّ ثناؤه صفتهم في هاتين الاَيتين ، مما تقرّ به أعينهم في جنانه يوم القيامة جَزَاءً بِمَا كانُوا يَعْمَلُونَ يقول : ثوابا لهم على أعمالهم التي كانوا في الدنيا يعملون . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عبيد المحاربي ، قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة ، قال : قال عبد الله : إن في التوراة مكتوبا : لقد أعدّ الله للذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع ما لم تر عين ، ولم يخطر على قلب بشر ، ولم تسمع أذن ، وما لم يسمعه ملك مقرّب . قال : ونحن نقرؤها : فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرّةِ أعْيُنٍ .

حدثنا خلاد ، قال : أخبرنا النضر بن شميل ، قال : أخبرنا إسرائيل ، قال : أخبرنا أبو إسحاق ، عن عُبيدة بن ربيعة ، عن ابن مسعود ، قال : مكتوب في التوراة على الله للذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، في القرآن فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ منْ قُرّةِ أعْيُن جَزَاءً بِمَا كانُوا يَعْمَلُونَ .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله قال : خبىء لهم ما لا عين رأت ، ولا أُذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر . قال سفيان : فيما علمت على غير وجه الشكّ .

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق قال : سمعت أبا عبيدة ، قال : قال عبد الله ، قال ، يعني الله : أعددت لعبادي الصالحين ما لم تر عين ، ولم تسمع أذن ، ولم يخطر على قلب ناظر فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ منْ قُرّةِ أعْيُنِ جَزَاءً بِما كانُوا يَعْمَلونَ .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن صلت ، عن قيس بن الربيع ، عن أبي إسحاق ، عن عبيدة بن ربيعة الحارثي ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : إن في التوراة للذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع من الكرامة ، ما لم تر عين ، ولم يخطر على قلب بشر ، ولم تسمع أذن ، وإنه لفي القرآن فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرّةِ أعْيُن .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا الأشجعي ، عن ابن أبجر ، قال : سمعت الشعبيّ يقول : سمعت المغيرة بن شعبة يقول على المنبر : إن موسى صلى الله عليه وسلم سأل عن أبخس أهل الجنة فيها حظا ، فقيل له : رجل يُؤتى به وقد دخل أهل الجنة الجنة ، قال : فيقال له : ادخل ، فيقول : أين وقد أخذ الناس أَخَذاتهم ؟ فيقال : اعدد أربعة ملوك من ملوك الدنيا ، فيكون لك مثل الذي كان لهم ، ولك أخرى شهوة نفسك ، فيقول : أشتهي كذا وكذا ، وأشتهي كذا ويقال : لك أخرى ، لك لذّة عينك ، فيقول : ألذّ كذا وكذا ، فيقال : لك عشرة أضعاف مثل ذلك ، وسأله عن أعظم أهل الجنة فيها حظا ، فقال : ذاك شيء ختمت عليه يوم خلقت السموات والأرض . قال الشعبي : فإنه في القرآن : فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرّةِ أعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كانُوا يَعْملونَ .

حدثني أحمد بن محمد الطّوسي ، قال : حدثنا الحميدي ، قال : حدثنا ابن عُيينة وحدثني به القرقساني ، عن ابن عيينة ، عن مطرف بن طريف ، وابن أبجر ، سمعنا الشعبيّ يقول : سمعت المغيرة بن شعبة على المنبر يرفعه إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم : «إنّ مُوسَى سألَ رَبّهُ : أيْ رَبّ ، أيّ أهْلِ الجَنّةِ أدْنَى مَنْزِلةً ؟ قال : رَجُلُ يَجيءُ بَعْدَ ما دَخَلَ أهْلُ الجَنّةِ الجَنّةَ ، فَيُقالُ لَهُ : ادْخُلْ ، فَيَقُولُ : كَيْفَ أدْخُلُ وَقَدْ نَزَلُوا مَنازِلَهُمْ ؟ فَيُقالُ لَهُ : أتَرْضَى أنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ ما كانَ لِمَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدّنْيا ؟ ، فَيَقُولُ : بَخ أيْ رَبّ قَدْ رَضِيتُ فَيُقالُ لَهُ : إنّ لَكَ هَذَا وَمِثْلَهُ وَمِثْلهُ ومِثْلَهُ ، فَيَقُولُ : رَضِيتُ أيْ رَبّ رَضِيتُ ، فَيُقالُ لَهُ : إنّ لَكَ هَذَا وَعَشْرَةَ أمْثالِهِ مَعَهُ ، فيَقُول : رَضِيتُ أيْ رَبّ ، فَيُقالُ لَهُ : فإنّ لَكَ مَعَ هَذَا ما اشْتَهَتْ نَفْسُكَ ، وَلَذّتْ عَيْنُكَ قالَ : فَقالَ مُوسَى : أيْ رَبّ ، وأيّ أهْل الجَنّةَ أرْفَعُ مَنْزِلَةً ؟ قالَ : إيّاها أرَدْتُ ، وسأُحَدّثُكَ عَنْهُمْ غَرَسْتُ لَهُمْ كَرَامَتِي بِيَدِي ، وَخَتَمْتُ عَلَيْها ، فَلا عَيْنٌ رأتْ ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلا خَطَرَ عَلى قَلْبِ بَشَرٍ . قالَ : وَمِصْدَاق ذلكَ فِي كِتابِ اللّهِ فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفيَ لَهُمْ مِنْ قُرّةِ أعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كانُوا يَعْمَلُونَ .

حدثنا محمد بن منصور الطوسيّ ، قال : حدثنا إسحاق بن سليمان ، قال : حدثنا عمرو بن أبي قَيْس ، عن ابن أبي ليلَى ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس ، في قوله : وكانَ عَرْشُهُ على المَاءِ وكان عرش الله على الماء ، ثم اتخذ لنفسه جنة ، ثم اتخذ دونها أخرى ، ثم أطبقها بلؤلؤة واحدة قال : ومن دونهما جنتان قال : وهي التي لا تعلم نفس ، أو قال : هما التي لا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرّة أعين جزاء بما كانوا يعملون . قال : وهي التي لا تعلم الخلائق ما فيها ، أو ما فيهما يأتيهم كلّ يوم منها أو منهما تحفة .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يعقوب ، عن عنبسة ، عن سالم الأفطس ، عن سعيد بن جُبَير ، بنحوه .

حدثنا سهل بن موسى الرازيّ ، قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، عن صفوان بن عمرو ، عن أبي اليمان الهَوْزنيّ أو غيره ، قال : الجنة مئة درجة ، أوّلها درجة فضة ، أرضها فضة ، ومساكنها فضة ، وآنيتها فضة ، وترابها المِسك . والثانية ذهب ، وأرضها ذهب ، ومساكنها ذهب ، وآنيتها ذهب ، وترابها المسك . والثالثة لؤلؤ ، وأرضها لؤلؤ ، ومساكنها لؤلؤ ، وآنيتها لؤلؤ ، وترابها المسك . وسبع وتسعون بعد ذلك ما لا عينٌ رأته ، ولا أذن سمعته ، ولا خطر على قلب بشر ، وتلا هذه الاَية فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرّةِ أعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كانُوا يَعْمَلُونَ .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا المحاربي وعبد الرحيم ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «قالَ اللّهُ : أعْدَدْتُ لِعِبادِي الصّالِحِينَ ما لا عَيْنٌ رأتْ ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلا خَطَرَ عَلى قَلْبِ بَشَرٍ ، وَاقْرَءُوا إنْ شِئْتُمْ ، قالَ اللّهُ فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرّةِ أعْيُنٍ ، جَزَاءً بِمَا كانُوا يَعْمَلُونَ » .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا أبو معاوية وابن نمير ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أعْدَدْتُ لعِبادِي الصّالِحِينَ ، ما لا عَيْنٌ رأتْ ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلا خَطَرَ عَلى قَلْبِ بَشَرٍ » قال أبو هريرة : ومن بله ما أطلعكم عليه ، اقرَءوا إن شئتم : فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرّةِ أعْيُنٍ ، جَزَاءً بِمَا كانُوا يَعْمَلُونَ قال أبو هريرة : نقرؤها : «قُرّاتِ أعيُنٍ » .

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا معتمر بن سليمان ، عن الحكم بن أبان ، عن الغطريف ، عن جابر بن زيد ، عن ابن عباس ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، عن الروح الأمين ، قال : «يُؤْتَى بِحَسَناتِ العَبْدِ وَسَيّئاتِهِ ، فَيَنْقُصُ بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ ، فإنْ بَقِيَتْ حَسَنَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَسّعَ اللّهُ لَهُ فِي الجَنّةِ » قال : فدخلت على يزداد ، فحدّث بمثل هذا قال : قلت : فأين ذهبت الحسنة ؟ قال : أُولَئِكَ الّذِينَ نَتَقَبّلُ عَنْهُمْ أحْسَنَ ما عَمِلُوا ، وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيّئاتِهِمْ فِي أصحابِ الجَنّةِ وَعْدَ الصّدْقِ الّذِي كانُوا يُوعَدُونَ ، قلت : قوله فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرّةِ أعْيُنٍ قال : العبد يعمل سرّا أسرّه إلى الله لم يعلم به الناس ، فأسرّ الله له يوم القيامة قرّة عين .

حدثني العباس بن أبي طالب ، قال : حدثنا معلى بن أسد ، قال : حدثنا سلام بن أبي مطيع ، عن قتادة ، عن عقبة بن عبد الغافر ، عن أبي سعيد الخدري ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يروي عن ربه ، قال : «أعْدَدْتُ لِعِبادِيَ الصّالِحينَ ما لا عَيْنٌ رأتْ ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلا خَطَرَ عَلى قَلْبِ بَشَرٍ » .

حدثني أبو السائب ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثني أبو صخر ، أن أبا حازم حدثه ، قال : سمعت سهل بن سعد يقول : شهدت من رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسا وصف فيه الجنة حتى انتهى ، ثم قال في آخر حديثه : «فيهَا ما لا عَيْنٌ رأتْ ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلا خَطَرَ عَلى قَلْبِ بَشَرٍ » ثم قرأ هذه الاَية : تَتَجافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ . . . إلى قوله جَزَاءً بِمَا كانُوا يَعْمَلُونَ .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن عوف ، عن الحسن ، قال : بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «قالَ رَبّكُمْ : أعْدَدْتُ لعِبادِي الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ ما لا عَيْنٌ رأتْ ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلا خَطَرَ عَلى قَلْبِ بَشَرٍ » .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يروي ذلك عن ربه ، «قالَ رَبّكُمْ : أعْدَدْتُ لِعِبادِي الصّالِحِينَ ما لا عَيْنٌ رأتْ ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلا خَطَرَ عَلى قَلْبِ بَشَرٍ » .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا سهل بن يوسف ، عن عمرو ، عن الحسن فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرّةِ أعْيُنٍ قال : أخفوا عملاً في الدنيا ، فأثابهم الله بأعمالهم .

حدثني القاسم بن بشر ، قال : حدثنا سليمان بن حرب ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أبي رافع ، عن أبي هريرة ، قال حماد : أحسبه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «مَنْ يَدْحُلِ الجَنّةَ يَنْعَمْ وَلا يَبْؤُسْ ، لا تَبْلَى ثِيابُهُ ، وَلا يَفْنَى شَبابُهُ ، في الجَنّةِ ما لا عَيْنٌ رأتْ ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلا خَطَرَ عَلى قَلْبِ بَشَرٍ » .

واختلفت القرّاء في قراءة قوله : فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهمْ مِنْ قُرّةِ أعْيُنٍ فقرأ ذلك بعض المدنيين والبصريين ، وبعض الكوفيين : أُخْفِيَ بضم الألف وفتح الياء بمعنى فُعِل . وقرأ بعض الكوفيين : «أُخْفِي لَهُمْ » بضم الألف وإرسال الياء ، بمعنى أفعل ، أخفي لهم أنا .

والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان مشهورتان ، متقاربتا المعنى ، لأن الله إذا أخفاه فهو مخفى ، وإذا أخفى فليس له مخف غيره ، و «ما » في قوله فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ فإنها إذا جعلت بمعنى الذي كانت نصبا بوقوع تعلم عليها كيف قرأ القارىء أخفى ، وإذا وجهت إلى معنى أيّ كانت رفعا إذا قرىء أخفى بنصب الياء وضم الألف ، لأنه لم يسمّ فاعله ، وإذا قرىء أُخْفِي بإرسال الياء كانت نصبا بوقوع أخفي عليها .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَلَا تَعۡلَمُ نَفۡسٞ مَّآ أُخۡفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعۡيُنٖ جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (17)

{ فلا تعلم نفس ما أخفي لهم } لا ملك مقرب ولا نبي مرسل . { من قرة أعين } مما تقربه عيونهم . وعنه صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى : " أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، بله ما أطلعتهم عليه ، أقرؤوا فلا تعلم نفس ما أخفي لهم " . وقرأ حمزة ويعقوب { أخفي لهم } على أنه مضارع أخفيت ، وقروء نخفي وأخفي الفاعل للكل هو الله ، وقرأت { أعين } لاختلاف أنواعها والعلم بمعنى المعرفة و { ما } موصولة أو استفهامية معلق عنها الفعل . { جزاء بما كانوا يعملون } أي جزوا جزاء أو أخفي للجزاء فإن إخفاءه لعلو شأنه . وقيل هذا القوم أخفوا أعمالهم فأخفى الله ثوابهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَلَا تَعۡلَمُ نَفۡسٞ مَّآ أُخۡفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعۡيُنٖ جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (17)

ثم ذكر تعالى وعدهم من النعيم بما لم تعلمه نفس ولا بشر ولا ملك ، وقرأ حمزة واحده «أخفي » بسكون الياء كأنه قال أخفي أنا وهي قراءة الأعمش ، وروي عنه «ما أخفيت لهم من قرة أعين » ، وقرأ عبد الله «ما نُخفي لهم » بالنون مضمومة ، وروى المفضل عن الأعمش «ما يُخفَى لهم » بالياء المضمومة وفتح الفاء ، وقرأ محمد بن كعب «ما أَخفى » بفتح الهمزة ، أي ما أخفى الله ، وقرأ جمهور الناس «أُخفيَ » بفتح الياء على بناء الفعل للمفعول ، و { ما } يحتمل أن تكون بمعنى الذي ، فعلى القراءة الأولى فثم ضمير محذوف تقديره أخفيه ، وعلى قراءة الجمهور فالضمير الذي لم يسم فاعله يجري في العودة على الذي ، ويحتمل أن تكون استفهاماً ، فعلى القراءة الأولى فهي في موضع نصب ب «أخفي » وعلى القراءة الثانية هي في موضع رفع بالابتداء ، و { قرة أعين } ما تلذه وتشتيهه وهي مأخوذة من القر{[9429]} كما أن سخنة العين مأخوذة من السخانة ، وأصل هذا فيما يزعمون أن دمع الفرح بارد ودمع الحزن سخن ، وفي معنى هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل :

«أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر » واقرؤوا إن شئتم : { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين }{[9430]} .

وقال ابن مسعود : «في التوراة مكتوب على الله للذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولاخطر على قلب بشر » . وقرأ ابن مسعود وأبو هريرة وأبو الدرداء «قرات » على الجمع ، وقوله { جزاء بما كانوا يعملون } أي بتكسبهم .


[9429]:القر: البرد، أوجبوا الفتح مع الحر للمشاكلة، والقر: البرد، (عن اللسان).
[9430]:رواه الشيخان: البخاري ومسلم، ورواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح، ورواه ابن جرير الطبري في التفسير، وذكره الإمام السيوطي في (الدر المنثور)، وزاد نسبته لابن أبي شيبة، وأحمد ، وهناد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري، وابن مردويه، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَلَا تَعۡلَمُ نَفۡسٞ مَّآ أُخۡفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعۡيُنٖ جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (17)

عظم الله جزاءهم إذ قال : { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين } ، أي : لا تبلغ نفس من أهل الدنيا معرفة ما أعد الله لهم ، قال النبي صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى : « أعددت لعبادي الصالحين ما لاَ عينٌ رأت ولا أذن سمعتْ ولا خَطر على قلب بشر » فدلّ على أن المراد ب { نفس } في هذه الآية أصحاب النفوس البشرية .

فإن مدركات العقول منتهية إلى ما تدركه الأبصار من المرئيات من الجمال والزينة ، وما تدركه الأسماع من محاسن الأقوال ومحامدها ومحاسن النغمات ، وإلى ما تبلغ إليه المتخيلات من هيئات يركِّبها الخيال من مجموع ما يعهده من المرئيات والمسمُوعات مثل الأنهار من عسل أو خمر أو لبن ، ومثل القصور والقباب من اللؤلؤ ، ومثل الأشجار من زبرجد ، والأزهار من ياقوت ، وتراب من مسك وعنبر ، فكل ذلك قليل في جانب ما أعدّ لهم في الجنة من هذه الموصوفات ولا تبلغه صفات الواصفين لأن منتهى الصفة محصور فيما تنتهي إليه دلالات اللغات مما يخطر على قلوب البشر فلذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم « ولا خطر على قلب بشر » وهذا كقولهم في تعظيم شيء : هذا لا يعلمه إلا الله . قال الشاعر :

فلم يدر إلا الله ما هيجت لنا *** عشية آناء الديار وشامها

وعُبر عن تلك النعم ب { مَا أُخفِيَ } لأنها مغيبة لا تدرك إلا في عالم الخلود .

وقرة الأعين : كناية عن المسرة كما تقدم في قوله تعالى : { وقرِّي عيناً } في سورة مريم ( 26 ) .

وقرأ الجمهور { أُخفيَ } بفتح الياء بصيغة الماضي المبني للمجهول . وقرأ حمزة ويعقوب { أُخْفِي } بصيغة المضارع المفتتح بهمزة المتكلم والياء ساكنة ، و { جزاء } منصوب على الحال من { ما أخفي لهم } وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم أنه جزاء على هذه الأعمال الصالحات في حديث أغرّ رواه الترمذي عن معاذ بن جبل قال : « قلت يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار . قال : لقد سألتَ عن عظيم وإنه ليسير على من يَسَّره الله عليه : تَعبُدُ الله لا تشركُ به شيئاً وتقيمُ الصلاة وتؤتي الزكاة وتصومُ رمضان وتحجُّ البيت » ثم قال : « ألا أدلك على أبواب الخير : الصومُ جُنة والصدقة تطفىء الخطايا كما يُطفىء الماء النارَ وصلاة الرجل في جوف الليل ثم تلا { تتجافى جنوبهم عن المضاجع } حتى بلغ { يعملون . . . } » الحديث .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{فَلَا تَعۡلَمُ نَفۡسٞ مَّآ أُخۡفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعۡيُنٖ جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (17)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

ثم أخبر بما أعد لهم، فقال عز وجل: {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم} في جنات عدن مما لم تر عين، ولم تسمع أذن، ولم يخطر على قلب قائل {من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون} به.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: فلا تعلم نفس ذي نفسٍ ما أخفى الله لهؤلاء الذين وصف جلّ ثناؤه صفتهم في هاتين الآيتين، مما تقرّ به أعينهم في جنانه يوم القيامة "جَزَاءً بِمَا كانُوا يَعْمَلُونَ "يقول: ثوابا لهم على أعمالهم التي كانوا في الدنيا يعملون.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (قال ربكم: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر) [البخاري 3244].

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

إنما تَقَرُّ عينُكَ برؤية مَنْ تحبه، أو ما تحبه؛ فطالبْ قلبكَ وراع حالك، فيحصل اليومَ سرورُك، وكذلك غداً.. وعلى ذلك تحشر.

تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :

عن ابن سيرين قال: ما أخفي لهم من قرة أعين: هو النظر إلى الله تعالى.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

لا تعلم النفوس -كلهنّ ولا نفس واحدة منهنّ لا ملك مقرب ولا نبيّ مرسل- أيّ نوع عظيم من الثواب ادخر الله لأولئك وأخفاه من جميع خلائقه، لا يعلمه إلا هو مما تقر به عيونهم، ولا مزيد على هذه العدة ولا مطمح وراءها.

{جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} فحسم أطماع المتمنين.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

{قرة أعين}... مأخوذة من القر كما أن سخنة العين مأخوذة من السخانة، وأصل هذا فيما يزعمون أن دمع الفرح بارد، ودمع الحزن سخن.

{جزاء بما كانوا يعملون} أي بتكسبهم.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

مما تقر العين عنده ولا تلتفت إلى غيره.

جزاء بحكم الوعد.

مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي 710 هـ :

وفيه دليل على أن المراد الصلاة في جوف الليل ليكون الجزاء وفاقاً.

البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :

{ولا تعلم نفس}: نكرة في سياق النفي، فيعم جميع الأنفس مما ادّخر الله تعالى لأولئك، وأخفاه من جميع خلائقه مما تقر به أعينهم، لا يعلمه إلا هو، وهذه عدة عظيمة لا تبلغ الأفهام كنهها، بل ولا تفاصيلها.

{جزاء بما كانوا يعملون} وهو تعالى الموفق للعمل الصالح.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما ذكر جزاء المستكبرين، فتشوفت النفس إلى جزاء المتواضعين، أشار إلى جزائهم بفاء السبب، إشارة إلى أنه هو الذي وفقهم لهذه الأعمال برحمته، وجعلها سبباً إلى دخول جنته، ولو شاء لكان غير ذلك. فقال: {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم}...سكن حمزة الياء على أنه للمتكلم سبحانه لفتاً لأسلوب العظمة إلى أسلوب الملاطفة، والسر مناسبته لحال الأعمال. ولما كانت العين لا تقر فتهجع إلا عند الأمن والسرور قال: {من قرة أعين} أي من شيء نفيس سارّ تقر به أعينهم لأجل ما أقلعوها عن قرارها بالنوم؛ ثم صرح بما أفهمته فاء السبب فقال: {جزاء} أي أخفاها لهم لجزائهم {بما كانوا} أي بما هو لهم كالجبلة {يعملون}.

روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :

{مّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ} أي مما تقر به أعين، وفي إضافة القرة إلى الأعين على الإطلاق لا إلى أعينهم تنبيه على أن ما أخفي لهم في غاية الحسن والكمال.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

هذه الصورة المشرفة الوضيئة الحساسة الشفيفة ترافقها صورة للجزاء الرفيع الخاص الفريد. الجزاء الذي تتجلى فيه ظلال الرعاية الخاصة، والإعزاز الذاتي، والإكرام الإلهي والحفاوة الربانية بهذه النفوس (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون).. تعبير عجيب يشي بحفاوة الله -سبحانه- بالقوم؛ وتوليه بذاته العلية إعداد المذخور لهم عنده من الحفاوة والكرامة مما تقر به العيون. هذا المذخور الذي لا يطلع عليه أحد سواه. والذي يظل عنده خاصة مستورا حتى يكشف لأصحابه عنه يوم لقائه! عند لقياه! وإنها لصورة وضيئة لهذا اللقاء الحبيب الكريم في حضرة الله. يا لله! كم ذا يفيض الله على عباده من كرمه! وكم ذا يغمرهم سبحانه بفضله! ومن هم -كائنا ما كان عملهم وعبادتهم وطاعتهم وتطلعهم- حتى يتولى الله جل جلاله إعداد ما يدخره لهم من جزاء، في عناية ورعاية وود واحتفال؟ لولا أنه فضل الله الكريم المنان؟!

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

أساس القيمة عند الله، في ما يتفاضل به الناس لديه، ويتقربون إلى مواقع رضاه، وهو العمل المرتكز على قاعدة الإيمان، لأنه ليس بين الله وبين أحدٍ من خلقه قرابة أو علاقة إلا بالعمل حتى الأنبياء، فإنهم كانوا قريبين إلى الله من ناحية إيمانهم وعملهم، لا من ناحية شخصيتهم الذاتية. وهذا هو الذي أراد الله أن يقرّره في الآيات التالية في الخط الفاصل بين المؤمنين والفاسقين.