تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَفَمَن وَعَدۡنَٰهُ وَعۡدًا حَسَنٗا فَهُوَ لَٰقِيهِ كَمَن مَّتَّعۡنَٰهُ مَتَٰعَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا ثُمَّ هُوَ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ مِنَ ٱلۡمُحۡضَرِينَ} (61)

ولهذا نبه العقول على الموازنة بين عاقبة مؤثر الدنيا ومؤثر الآخرة ، فقال : { أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ }

أي : هل يستوي مؤمن ساع للآخرة سعيها ، قد عمل على وعد ربه له ، بالثواب الحسن ، الذي هو الجنة ، وما فيها من النعيم العظيم ، فهو لاقيه من غير شك ولا ارتياب ، لأنه وعد من كريم صادق الوعد ، لا يخلف الميعاد ، لعبد قام بمرضاته وجانب سخطه ، { كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } فهو يأخذ فيها ويعطي ، ويأكل ويشرب ، ويتمتع كما تتمتع البهائم ، قد اشتغل بدنياه عن آخرته ، ولم يرفع بهدى الله رأسا ، ولم ينقد للمرسلين ، فهو لا يزال كذلك ، لا يتزود من دنياه إلا الخسار والهلاك .

{ ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ } للحساب ، وقد علم أنه لم يقدم خيرا لنفسه ، وإنما قدم جميع ما يضره ، وانتقل إلى دار الجزاء بالأعمال ، فما ظنكم إلى ما يصير إليه ؟ وما تحسبون ما يصنع به ؟ فليختر العاقل لنفسه ، ما هو أولى بالاختيار ، وأحق الأمرين بالإيثار .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَفَمَن وَعَدۡنَٰهُ وَعۡدًا حَسَنٗا فَهُوَ لَٰقِيهِ كَمَن مَّتَّعۡنَٰهُ مَتَٰعَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا ثُمَّ هُوَ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ مِنَ ٱلۡمُحۡضَرِينَ} (61)

وقوله : { أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ } : يقول : أفمن هو مؤمن مصدق بما وعده الله على صالح أعماله من الثواب الذي هو صائر إليه لا محالة ، كمَنْ هو كافر مكذب بلقاء الله ووعده ووعيده ، فهو ممتع في الحياة الدنيا أيامًا قلائل ، { ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ } قال مجاهد ، وقتادة : من المعذبين .

ثم قد قيل : إنها نزلت في رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي أبي جهل . وقيل : في حمزة وعلي وأبي جهل ، وكلاهما عن مجاهد . والظاهر أنها عامة ، وهذا كقوله تعالى إخبارا عن ذلك المؤمن حين أشرف على صاحبه ، وهو في الدرجات وذاك في الدركات : { وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ } [ الصافات : 57 ] ، وقال تعالى : { وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ } [ الصافات : 158 ] .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَفَمَن وَعَدۡنَٰهُ وَعۡدًا حَسَنٗا فَهُوَ لَٰقِيهِ كَمَن مَّتَّعۡنَٰهُ مَتَٰعَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا ثُمَّ هُوَ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ مِنَ ٱلۡمُحۡضَرِينَ} (61)

القول في تأويل قوله تعالى : { أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاَقِيهِ كَمَن مّتّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدّنْيَا ثُمّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ } .

يقول تعالى ذكره : أفمن وعدناه من خلقنا على طاعته إيانا الجنة ، فآمن بما وعدناه وصدّق وأطاعنا ، فاستحقّ بطاعته إيانا أن ننجز له ما وعدناه ، فهو لاق ما وعد ، وصائر إليه كمن متّعناه في الحياة الدنيا متاعها ، فتمتع به ، ونسي العمل بما وعدنا أهل الطاعة ، وترك طلبه ، وآثر لذّة عاجلة على آجله ، ثم هو يوم القيامة إذا ورد على الله من المحضرين ، يعني من المُشْهَدِين عذابَ الله ، وأليمَ عقابه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، قوله أفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْدا حَسَنا فَهُوَ لاقِيهِ قال : هو المؤمن سمع كتاب الله فصدّق به وآمن بما وعد الله فيه كمَنْ مَتّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدّنْيا هو هذا الكافر ، ليس والله كالمؤمن ثُمّ هُوَ يَوْمَ القِيامَةِ مِنَ المُحْضَرِينَ : أي في عذاب الله .

حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال ابن عمرو في حديثه : قوله مِنَ المُحْضَرِينَ قال : أحضروها . وقال الحارث في حديثه ثُمّ هُوَ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنَ المُحْضرِين أهلَ النار ، أُحْضِروها .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ثُمّ هُوَ يَوْمَ القِيامَةِ مِنَ المُحْضَرِينَ قال : أهل النار ، أُحْضِروها .

واختلف أهل التأويل فيمن نزلت فيه هذه الاَية ، فقال بعضهم : نزلت في النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وفي أبي جهل بن هشام . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا أبو النعمان الحكم بن عبد الله العجلي ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبان بن تغلب عن مجاهد أفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْدا حَسَنا فَهُوَ لاقِيهِ ، كمَنْ مَتّعْناهُ مَتاعَ الحَياةِ الدّنْيا ، ثُمّ هُوَ يَوْمَ القِيامَةِ مِنَ المُحْضَرِينَ قال : نزلت في النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وفي أبي جهل بن هشام .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج أفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْدا حَسَنا فَهُوَ لاقِيهِ قال : النبيّ صلى الله عليه وسلم .

وقال آخرون : نزلت في حمزة وعليّ رضي الله عنهما ، وأبي جهل لعنه الله . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا بَدَل بن المُحَبّر التغلَبيّ ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبان بن تغلب ، عن مجاهد أفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْدا حَسَنا فَهُوَ لاقِيهِ كمَنْ مَتّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدّنْيا ، ثمّ هُوَ يَوْمَ القِيامَةِ مِنَ المُحْضَرِينَ قال : نزلت في حمزة وعليّ بن أبي طالب ، وأبي جهل .

قال : حدثنا عبد الصمد ، قال : حدثنا شعبة عن أبان بن تغلب ، عن مجاهد ، قال : نزلت في حمزة وأبي جهل .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَفَمَن وَعَدۡنَٰهُ وَعۡدًا حَسَنٗا فَهُوَ لَٰقِيهِ كَمَن مَّتَّعۡنَٰهُ مَتَٰعَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا ثُمَّ هُوَ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ مِنَ ٱلۡمُحۡضَرِينَ} (61)

{ أفمن وعدناه وعدا حسنا } وعدا بالجنة فإن حسن الوعد بحسن الموعود . { فهو لاقيه } مدركه لا محالة لامتناع الخلف في وعده ، ولذلك عطفه بالفاء المعطية معنى السببية . { كمن متعناه متاع الحياة الدنيا } الذي هو مشوب بالآلام مكدر بالمتاعب مستعقب بالتحسر على الانقطاع . { ثم هو يوم القيامة من المحضرين } للحساب أو العذاب ، و { ثم } للتراخي في الزمان أو الرتبة ، وقرأ نافع وابن عامر في رواية والكسائي { ثم هو } بسكون الهاء تشبيها للمنفصل بالمتصل ، وهذه الآية كالنتيجة للتي قبلها ولذلك رتبت عليها بالفاء .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَفَمَن وَعَدۡنَٰهُ وَعۡدًا حَسَنٗا فَهُوَ لَٰقِيهِ كَمَن مَّتَّعۡنَٰهُ مَتَٰعَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا ثُمَّ هُوَ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ مِنَ ٱلۡمُحۡضَرِينَ} (61)

ثم زادهم توبيخاً بقوله { أفمن وعدناه وعداً حسناً } الآية ، وقوله { أفمن وعدناه } يعم معناها جميع العالم لكن اختلف الناس فيمن نزلت ، فقال مجاهد : الذي وعد الوعد الحسن هو محمد عليه السلام وضده أبو جهل ، وقال مجاهد أيضاً : نزلت في حمزة وأبي جهل ، وقيل في علي وأبي جهل ، وقال قتادة : نزلت عامة في المؤمن والكافر كما معناها عام .

قال القاضي أبو محمد : ونزولها عام بين الاتساق بما قبله من توبيخ قريش ، و { من المحضرين } ، معناه في عذاب الله قاله مجاهد وقتادة ، ولفظة { محضرين } مشيرة إلى سوق بجبر ، وقرأ طلحة «أمن وعدناه » بغير فاء ، وقرأ مسروق «أفمن وعدناه نعمة منا فهو لاقيها » .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَفَمَن وَعَدۡنَٰهُ وَعۡدًا حَسَنٗا فَهُوَ لَٰقِيهِ كَمَن مَّتَّعۡنَٰهُ مَتَٰعَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا ثُمَّ هُوَ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ مِنَ ٱلۡمُحۡضَرِينَ} (61)

أحسب أن موقع فاء التفريع هنا أن مما أومأ إليه قوله { وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا } [ القصص : 60 ] ما كان المشركون يتبجحون به على المسلمين من وفرة الأموال ونعيم الترف في حين كان معظم المسلمين فقراء ضعفاء قال تعالى { وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فاكهين } [ المطففين : 31 ] أي منعمين ، وقال { وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلاً } [ المزمل : 11 ] فيظهر من آيات القرآن أن المشركين كان من دأبهم التفاخر بما هم فيه من النعمة قال تعالى { واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين } [ هود : 116 ] وقال { وارجعوا إلى ما أترفتم فيه } [ الأنبياء : 13 ] فلما أنبأهم الله بأن ما هم فيه من الترف إن هو إلا متاع قليل ، قابل ذلك بالنعيم الفائق الخالد الذي أعد للمؤمنين ، وهي تفيد مع ذلك تحقيق معنى الجملة التي قبلها لأن الثانية زادت الأولى بياناً بأن ما أوتوه زائل زوالاً معوضاً بضد المتاع والزينة وذلك قوله { ثم هو يوم القيامة من المحضرين } .

فما صدق { من } الأولى هم الذين وعدهم الله الوعد الحسن وهم المؤمنون ، وما صدق { من } الثانية جمع هم الكافرون . والاستفهام مستعمل في إنكار المشابهة والمماثلة التي أفادها كاف التشبيه فالمعنى أن الفريقين ليسوا سواء إذ لا يستوي أهل نعيم عاجل زائل وأهل نعيم آجل خالد .

وجملة { فهو لاقيه } معترضة لبيان أنه وعد محقق ، والفاء للتسبب .

وجملة { ثم هو } الخ عطف على جملة { متعناه متاع الحياة الدنيا } فهي من تمام صلة الموصول . و { ثم } للتراخي الرتبي لبيان أن رتبة مضمونها في الخسارة أعظم من مضمون التي قبلها ، أي لم تقتصر خسارتهم على حرمانهم من نعيم الآخرة بل تجاوزت إلى التعويض بالعذاب الأليم .

ومعنى { من المحضرين } أنه من المحضرين للجزاء على ما دل عليه التوبيخ في { أفلا تعقلون } [ القصص : 60 ] . والمقابلة في قوله { أفمن وعدناه وعداً حسناً } المقتضية أن الفريق المعين موعودون بضد الحسن ، فحذف متعلق { المحضرين } اختصاراً كما حذف في قوله { ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين } [ الصافات : 57 ] وقوله { فكذبوه فإنهم لمحضرون إلا عباد الله المخلصين } [ الصافات : 127 - 128 ] .