إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{أَفَمَن وَعَدۡنَٰهُ وَعۡدًا حَسَنٗا فَهُوَ لَٰقِيهِ كَمَن مَّتَّعۡنَٰهُ مَتَٰعَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا ثُمَّ هُوَ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ مِنَ ٱلۡمُحۡضَرِينَ} (61)

{ أَفَمَن وعدناه وَعْداً حَسَناً } أي وَعداً بالجنَّة فإنَّ حسنَ الوعدِ بحسن الموعودِ { فَهُوَ لاَقِيهِ } أي مدركُه لا محالةَ لاستحالةِ الخُلفِ في وعدِه تعالى ولذلك جِيء بالجملة الاسميةِ المفيدة لتحققِه البتةَ وعُطفت بالفاء المنبئةِ عن معنى السببيةِ { كَمَن مَّتَّعْنَاهُ متاع الحياة الدنيا } الذي هو مشوبٌ بالآلامِ منغصٌ بالأكدارِ مستتبع للتَّحسرِ على الانقطاعِ . ومعنى الفاءِ الأُولى ترتيبُ إنكارِ التَّشابهِ بين أهلِ الدُّنيا وأهلِ الآخرةِ على ما قبلها من ظهورِ التَّفاوتِ بين متاعِ الحياة الدُّنيا وبين ما عندَ الله تعالى ، أي أبعدَ هذا التَّفاوت الظاهرِ يسوَّى بين الفريقينِ . وقولُه تعالى : { ثُمَّ هُوَ يَوْمَ القيامة مِنَ المحضرين } عطفٌ على متَّعناه داخلٌ معه في حيِّز الصِّلةِ مؤكدٌ لإنكارِ التَّشابهِ مقررٌ له كأنَّه قيل : كمن متَّعناه متاعَ الحياةِ الدُّنيا ثم نحضرُه أو أحضرنَاه يومَ القيامةِ النَّارَ أو العذابَ . وإيثارُ الجملة الاسميَّةِ للدلالةِ على التحققِ حتماً ، وفي جعله من جُملة المحضرينَ من التَّهويلِ ما لا يخفى . وثمَّ للتَّراخي في الزَّمانِ أو في الرُّتبةِ . وقرئ ثم هْو بسكونِ الهاءِ تشبيهاً للمنفصلِ بالمتَّصلِ .