تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قَالُواْ يَٰشُعَيۡبُ أَصَلَوٰتُكَ تَأۡمُرُكَ أَن نَّتۡرُكَ مَا يَعۡبُدُ ءَابَآؤُنَآ أَوۡ أَن نَّفۡعَلَ فِيٓ أَمۡوَٰلِنَا مَا نَشَـٰٓؤُاْۖ إِنَّكَ لَأَنتَ ٱلۡحَلِيمُ ٱلرَّشِيدُ} (87)

{ قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا ْ } أي : قالوا ذلك على وجه التهكم بنبيهم ، والاستبعاد لإجابتهم له .

ومعنى كلامهم : أنه لا موجب لنهيك لنا ، إلا أنك تصلي لله ، وتتعبد له ، أفإن كنت كذلك ، أفيوجب لنا أن نترك ما يعبد آباؤنا ، لقول ليس عليه دليل إلا أنه موافق لك ، فكيف نتبعك ، ونترك آباءنا الأقدمين أولي العقول والألباب ؟ !

وكذلك لا يوجب قولك لنا : { أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا ْ } ما قلت لنا ، من وفاء الكيل ، والميزان ، وأداء الحقوق الواجبة فيها ، بل لا نزال نفعل فيها ما شئنا ، لأنها أموالنا ، فليس لك فيها تصرف .

ولهذا قالوا في تهكمهم : { إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ ْ } أي : أئنك أنت الذي ، الحلم والوقار ، لك خلق ، والرشد لك سجية ، فلا يصدر عنك إلا رشد ، ولا تأمر إلا برشد ، ولا تنهى إلا عن غي ، أي : ليس الأمر كذلك .

وقصدهم أنه موصوف بعكس هذين الوصفين : بالسفه والغواية ، أي : أن المعنى : كيف تكون أنت الحليم الرشيد ، وآباؤنا هم السفهاء الغاوون ؟ ! !

وهذا القول الذي أخرجوه بصيغة التهكم ، وأن الأمر بعكسه ، ليس كما ظنوه ، بل الأمر كما قالوه . إن صلاته تأمره أن ينهاهم ، عما كان يعبد آباؤهم الضالون ، وأن يفعلوا في أموالهم ما يشاءون ، فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ، وأي فحشاء ومنكر ، أكبر من عبادة غير الله ، ومن منع حقوق عباد الله ، أو سرقتها بالمكاييل والموازين ، وهو عليه الصلاة والسلام الحليم الرشيد .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَالُواْ يَٰشُعَيۡبُ أَصَلَوٰتُكَ تَأۡمُرُكَ أَن نَّتۡرُكَ مَا يَعۡبُدُ ءَابَآؤُنَآ أَوۡ أَن نَّفۡعَلَ فِيٓ أَمۡوَٰلِنَا مَا نَشَـٰٓؤُاْۖ إِنَّكَ لَأَنتَ ٱلۡحَلِيمُ ٱلرَّشِيدُ} (87)

فجاءوا{[14865]} يهرعون إليه . يقولون له على سبيل التهكم ، قَبَّحهم الله : { أَصَلاتُكَ } {[14866]} ، قال الأعمش : أي : قرآنك{[14867]} { تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا } أي : الأوثان والأصنام ، { أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ } فنترك التطفيف{[14868]} على قولك ، هي أموالنا نفعل فيها ما نريد .

[ قال الحسن ]{[14869]} في قوله : { أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا }{[14870]} إيْ والله ، إن صلاته لتأمرهم أن يتركوا ما كان يعبد آباؤهم .

وقال الثوري في قوله : { أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ } يعنون الزكاة .

وقولهم : { إِنَّكَ لأنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ } قال ابن عباس ، وميمون بن مِهْرَان ، وابن جُرَيْج ، وابن أسلم ، وابن جرير : يقولون ذلك - أعداء الله - على سبيل الاستهزاء ، قبحهم الله ولعنهم عن رحمته ، وقد فَعَلْ .


[14865]:- في ت ، أ : "فجاءه قومه".
[14866]:- في ت : "أصلواتك".
[14867]:- في أ : "قراءتك".
[14868]:- في أ : "الطفيف".
[14869]:- زيادة من ت ، أ.
[14870]:- في ت : "أصلواتك".