تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{بِئۡسَمَا ٱشۡتَرَوۡاْ بِهِۦٓ أَنفُسَهُمۡ أَن يَكۡفُرُواْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بَغۡيًا أَن يُنَزِّلَ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۖ فَبَآءُو بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٖۚ وَلِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٞ مُّهِينٞ} (90)

{ وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ * بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ }

أي : ولما جاءهم كتاب من عند الله على يد أفضل الخلق وخاتم الأنبياء ، المشتمل على تصديق ما معهم من التوراة ، وقد علموا به ، وتيقنوه حتى إنهم كانوا إذا وقع{[93]}  بينهم وبين المشركين في الجاهلية حروب ، استنصروا بهذا النبي ، وتوعدوهم بخروجه ، وأنهم يقاتلون المشركين معه ، فلما جاءهم هذا الكتاب والنبي الذي عرفوا ، كفروا به ، بغيا وحسدا ، أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده ، فلعنهم الله ، وغضب عليهم غضبا بعد غضب ، لكثرة كفرهم وتوالى شكهم وشركهم .

{ وللكافرين عذاب مهين } أي : مؤلم موجع ، وهو صلي الجحيم ، وفوت النعيم المقيم ، فبئس الحال حالهم ، وبئس ما استعاضوا واستبدلوا من الإيمان بالله وكتبه ورسله ، الكفر به ، وبكتبه ، وبرسله ، مع علمهم وتيقنهم ، فيكون أعظم لعذابهم .


[93]:- في ب: على أنهم إذا كان وقع.

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{بِئۡسَمَا ٱشۡتَرَوۡاْ بِهِۦٓ أَنفُسَهُمۡ أَن يَكۡفُرُواْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بَغۡيًا أَن يُنَزِّلَ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۖ فَبَآءُو بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٖۚ وَلِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٞ مُّهِينٞ} (90)

قال مجاهد : { بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ } يهودُ شَرَوُا الحقَّ بالباطل ، وكتمانَ مَا جاءَ به مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم بأن يبينوه .

وقال السدي : { بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ } يقول : باعوا به أنفسهم ، يعني : بئسما اعتاضوا لأنفسهم ورضوا به [ وعدلوا إليه من الكفر بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم إلى تصديقه ومؤازرته ونصرته ]{[2161]} .

وإنما حملهم على ذلك البغي والحسد والكراهية { أَنْ يُنزلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ } ولا حسد أعظم من هذا .

قال ابن إسحاق عن محمد ، عن عكرمة أو سعيد ، عن ابن عباس : { بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنزلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنزلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ } أي : إن الله جعله من غيرهم { فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ } قال ابن عباس : فالغضب على الغضب ، فغضبه عليهم فيما كانوا ضيعوا من التوراة وهي معهم ، وغضب بكفرهم بهذا النبي الذي أحدث الله إليهم .

قلت : ومعنى { بَاءُوا } استوجبوا ، واستحقوا ، واستقروا بغضب على غضب . وقال أبو العالية : غضب الله عليهم بكفرهم بالإنجيل وعيسى ، ثم غضب عليهم بكفرهم بمحمد ، وبالقرآن {[2162]} عليهما السلام ، [ وعن عكرمة وقتادة مثله ]{[2163]} .

قال السدي : أما الغضب الأول فهو حين غضب عليهم في العِجْل ، وأما الغضب الثاني فغضب عليهم حين كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم

[ وعن ابن عباس مثله ]{[2164]} .

وقوله : { وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ } لما كان كفرهم سببه البغي والحسد ، ومنشأ ذلك التكبر ، قوبلوا بالإهانة والصغار في الدنيا والآخرة ، كما قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } [ غافر : 60 ] ، [ أي : صاغرين حقيرين ذليلين راغمين ]{[2165]} .

وقد قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى ، حدثنا ابن عَجْلان ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الناس ، يعلوهم كل شيء من الصغار حتى يدخلوا سجنًا في جهنم ، يقال له : بُولَس فيعلوهم نار الأنيار يسقون{[2166]} من طينة الخبال : عصارة أهل النار " {[2167]} .


[2161]:زيادة من جـ، ط، ب، أ، و.
[2162]:في جـ، ط، ب، أ، و: "بكفرهم بمحمد والقرآن".
[2163]:زيادة من جـ، ط، ب، أ، و.
[2164]:زيادة من جـ، ط، ب، أ، و.
[2165]:زيادة من جـ، ط، ب، أ، و.
[2166]:في جـ، ط: "ويسقون".
[2167]:المسند (2/179).