تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{تَبَارَكَ ٱلَّذِيٓ إِن شَآءَ جَعَلَ لَكَ خَيۡرٗا مِّن ذَٰلِكَ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ وَيَجۡعَل لَّكَ قُصُورَۢا} (10)

ولهذا أخبر أنه قادر على أن يعطيك خيرا كثيرا في الدنيا فقال : { تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ } أي : خيرا مما قالوا ، ثم فسره بقوله : { جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا } مرتفعة مزخرفة ، فقدرته ومشيئته لا تقصر عن ذلك ولكنه تعالى -لما كانت الدنيا عنده في غاية البعد والحقارة- أعطى منها أولياءه ورسله ما اقتضته حكمته منها ، واقتراح أعدائهم بأنهم هلا رزقوا منها رزقا كثيرا جدا ظلم وجراءة .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{تَبَارَكَ ٱلَّذِيٓ إِن شَآءَ جَعَلَ لَكَ خَيۡرٗا مِّن ذَٰلِكَ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ وَيَجۡعَل لَّكَ قُصُورَۢا} (10)

وينهي هذا الجدل ببيان تفاهة ما يقترحون وما يتصورون من أعراض الحياة الدنيا ، التي يحسبونها ذات قيمة ، ويرونها أجدر أن يعطيها الله لرسوله إن كان حقا رسولا ، من كنز يلقى إليه ، أو جنة يأكل منها . فلو شاء الله لأعطاه أكبر مما يقترحون من هذا المتا ع :

( تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك : جنات تجري من تحتها الأنهار ، ويجعل لك قصورا ) .

ولكنه شاء أن يجعل له خيرا من الجنات والقصور . الاتصال بواهب الجنات والقصور . و الشعور برعايته وحياطته ، وتوجيهه وتوفيقه . . وتذوق حلاوة ذلك الاتصال ، الذي لا تقاربه نعمة من النعم ، ولا متاع صغر أو عظم . وشتان شتان لو كانوا يدركون أو يتذوقون !

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{تَبَارَكَ ٱلَّذِيٓ إِن شَآءَ جَعَلَ لَكَ خَيۡرٗا مِّن ذَٰلِكَ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ وَيَجۡعَل لَّكَ قُصُورَۢا} (10)

وقوله تعالى : { تبارك الذي } الآية رجوع بأمور محمد صلى الله عليه وسلم إلى الله تعالى ، أي هذه جهتك لا هؤلاء الضالون في أمرك ، والإشارة في ذلك قال مجاهد هي إلى ما ذكره الكفار من الكنز والجنة في الدنيا ، وقال ابن عباس هي إلى أكله الطعام ومشيه في الأسواق ، وقال الطبري والأول أظهر .

قال القاضي أبو محمد : لأن هذا التأويل الثاني يوهم أن الجنّات والقصور التي في هذه الآية هي في الدنيا وهذا تأويل الثعلبي وغيره ، ويرد ذلك قوله تعالى بعد ذلك { بل كذبوا بالساعة }{[8784]} [ الفرقان : 11 ] والكل محتمل ، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحفص ونافع وأبي عمرو وحمزة والكسائي «ويجعلْ » بالجزم على العطف على موضع الجواب في قوله { جعل } لأن التقدير «تبارك الذي إن يشأ يجعل » .

وقرأ أبو بكر عن عاصم أيضاً وابن كثر وابن عامر «ويجعلُ » بالرفع والاستئناف ، وهي قراءة مجاهد ، ووجوه العطف على المعنى في قوله { جعل } لأن جواب الشرط هو موضِع الاستئناف ، ألا ترى أن الجمل من الابتداء والخبر قد تقع موقع جواب الشرط ، وقرأ عبد الله بن موسى وطلحة بن سليمان «ويجعلَ » بالنصب وهو على تقدير «أن » في صدر الكلام ، قال أبو الفتح هي على جواب الجزاء بالواو وهي قراءة ضعيفة ، وأدغم الأعرج { ويجعل لك } وروي ذلك عن ابن محيصن ، و «القصور » البيوت المبنية بالجدرات قاله مجاهد وغيره ، وكانت العرب تسمي ما كان من الشعر والصوف والقصب{[8785]} بيتاً ، وتسمي ما كان بالجدرات قصراً لأنه قصر عن الداخلين{[8786]} والمستأذنين .


[8784]:قيل: لا يرده لأن المعنى به متمكن، وهو عطف على ما حكي عنهم، يقول: بل أتي بأعجب من ذلك كله وهو تكذيبهم بالساعة. وقد قال ابن عطية: والكل محتمل.
[8785]:القصب: كل نبات كانت ساقه أنابيب وكعوبا، ونبات مائي من الفصيلة النجيلية له سوق طوال (الغاب البلدي).
[8786]:في القرطبي: "لأن من فيه مقصور عن أن يوصل إليه".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{تَبَارَكَ ٱلَّذِيٓ إِن شَآءَ جَعَلَ لَكَ خَيۡرٗا مِّن ذَٰلِكَ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ وَيَجۡعَل لَّكَ قُصُورَۢا} (10)

ابتدئت السورة بتعظيم الله وثنائه على أن أنزل الفرقان على رسوله ، وأعقب ذلك بما تلقى به المشركون هذه المزية من الجحود والإنكار الناشىء عن تمسكهم بما اتخذوه من آلهة من صفاتهم ما ينافي الإلهية ، ثم طعنوا في القرآن والذي جاء به بما هو كفران للنعمة ومن جاء بها .

فلما أريد الإعراض عن باطلهم والإقبال على خطاب الرسول بتثبيته وتثبيت المؤمنين أعيد اللفظ الذي ابتدئت به السورة على طريقة وصل الكلام بقوله : { تبارك الذي إن شاء جعل لك خيراً من ذلك } .

وهذه الجملة استئناف واقع موقع الجواب عن قولهم { أو تكون له جنة } [ الفرقان : 8 ] الخ ، أي إن شاء جعل لك خيراً من الذي اقترحوه ، أي أفضل منه ، أي إن شاء عجله لك في الدنيا ، فالإشارة إلى المذكور من قولهم ، فيجوز أن يكون المراد بالجنات والقصور جناتتٍ في الدنيا وقصوراً فيها ، أي خيراً من الذي اقترحوه دليلاً على صدقك في زعمهم بأن تكون عدة جنات وفيها قصور . وبهذا فسر جمهور المفسرين . وعلى هذا التأويل تكون ( إن ) الشرطية واقعة موقع ( لو ) ، أي أنه لم يشأ ولو شاءه لفعله ولكن الحكمة اقتضت عدم البسط للرسول في هذه الدنيا ولكن المشركين لا يدركون المطالب العالية .

وقال ابن عطية : يحتمل أن يكون المراد بالجنات والقصور ليست التي في الدنيا ، أي هي جنات الخلد وقصور الجنة فيكون وعداً من الله لرسوله .

واقتران هذا الوعد بشرط المشيئة جار على ما تقتضيه العظمة الإلهية وإلا فسياق الوعد يقتضي الجزم بحصوله ، فالله شاء ذلك لا محالة ، بأن يقال : تبارك الذي جعل لك خيراً من ذلك . فموقع { إن شاء } اعتراض .

وأصل المعنى : تبارك الذي جعل لك خيراً من ذلك جنات إلى آخره . ويساعد هذا قراءة ابن كثير وابن عامر وأبي بكر عن عاصم { ويجعلُ لك قصوراً } برفع { يجعلُ } على الاستئناف دون إعمال حرف الشرط ، وقراءة الأكثر بالجزم عطفاً على فعل الشرط وفعل الشرط محقق الحصول بالقرينة ، وهذا المحمل أشد تبكيتاً للمشركين وقطعاً لمجادلتهم ، وقرينة ذلك قوله بعده : { بل كذبوا بالساعة وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا } [ الفرقان : 11 ] ، وهو ضد ومقابل لما أعده لرسوله والمؤمنين .

والقصور : المباني العظيمة الواسعة على وجه الأرض وتقدم في قوله : { تتخذون من سهولها قصوراً } في سورة الأعراف ( 74 ) ، وقوله : { وقصر مشيد } في سورة الحج ( 45 ) .