تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِذَا رَءَاكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَٰذَا ٱلَّذِي يَذۡكُرُ ءَالِهَتَكُمۡ وَهُم بِذِكۡرِ ٱلرَّحۡمَٰنِ هُمۡ كَٰفِرُونَ} (36)

وهذا من شدة كفرهم ، فإن المشركين إذا رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، استهزأوا به وقالوا : { أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ ْ } أي : هذا المحتقر بزعمهم ، الذي يسب آلهتكم ويذمها ، ويقع فيها ، أي : فلا تبالوا به ، ولا تحتفلوا به .

هذا استهزاؤهم واحتقارهم له ، بما هو من كماله ، فإنه الأكمل الأفضل الذي من فضائله ومكارمه ، إخلاص العبادة لله ، وذم كل ما يعبد من دونه وتنقصه ، وذكر محله ومكانته ، ولكن محل الازدراء والاستهزاء ، هؤلاء الكفار ، الذين جمعوا كل خلق ذميم ، ولو لم يكن إلا كفرهم بالرب وجحدهم لرسله فصاروا بذلك ، من أخس الخلق وأرذلهم ، ومع هذا ، فذكرهم للرحمن ، الذي هو أعلى حالاتهم ، كافرون بها ، لأنهم لا يذكرونه ولا يؤمنون به إلا وهم مشركون فذكرهم كفر وشرك ، فكيف بأحوالهم بعد ذلك ؟ ولهذا قال : { وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ ْ } وفي ذكر اسمه { الرَّحْمَنِ ْ } هنا ، بيان لقباحة حالهم ، وأنهم كيف قابلوا الرحمن - مسدي النعم كلها ، ودافع النقم الذي ما بالعباد من نعمة إلا منه ، ولا يدفع السوء إلا إياه - بالكفر والشرك .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَإِذَا رَءَاكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَٰذَا ٱلَّذِي يَذۡكُرُ ءَالِهَتَكُمۡ وَهُم بِذِكۡرِ ٱلرَّحۡمَٰنِ هُمۡ كَٰفِرُونَ} (36)

36

وإذا رآك الذين كفروا إن يتخذوك إلا هزوا . أهذا الذي يذكر آلهتكم ؛ وهم بذكر الرحمن هم كافرون .

إن هؤلاء الكفار يكفرون بالرحمن ، خالق الكون ومدبره ، ليستنكرون على الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] أن يذكر آلهتهم الأصنام بالسوء ، بينما هم يكفرون بالرحمن دون أن يتحرجوا أو يتلوموا . . وهو أمر عجيب جد عجيب !

وإنهم ليلقون رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] بالهزء ، يستكثرون عليه أن ينال من أصنامهم تلك : ( أهذا الذي يذكر آلهتكم ? )ولا يستكثرون على أنفسهم - وهم عبيد من عبيد الله - أن يكفروا به ، ويعرضوا عما أنزل لهم من قرآن . . وهي مفارقة عجيبة تكشف عن مدى الفساد الذي أصاب فطرتهم وتقديرهم للأمور !

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَإِذَا رَءَاكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَٰذَا ٱلَّذِي يَذۡكُرُ ءَالِهَتَكُمۡ وَهُم بِذِكۡرِ ٱلرَّحۡمَٰنِ هُمۡ كَٰفِرُونَ} (36)

روي أن أبا سفيان بن حرب وأبا جهل بن هشام رأيا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في المسجد فاستهزآ به فنزلت الآية{[8222]} بسببهما ، وظاهر الآية أن كفار قريش وعظماءهم يعمهم هذا المعنى من أنهم ينكرون أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في أمر آلهتهم وذكره لهم بفساد ، و { إن } بمعنى ما وفي الكلام حذف تقديره يقولون { أهذا الذي } وقوله { يذكر } لفظة تعم المدح والذم لكن قرينة المقال أبداً تدل على المراد من الذكر وتم ما حكي عنهم في قوله تعالى : { آلهتكم } ، ثم رد عليهم بأن قرن بإنكارهم ذكر الأصنام كفرهم بذكر الله أي فهم أحق وهم المخطئون . وقوله تعالى : { بذكر } أي بما يجب ان يذكر به ولا إله إلا الله منه .

وقوله { بذكر الرحمن } روي أن الآية نزلت حين أنكروا هذه اللفظة وقالوا ما نعرف الرحمن إلا في اليمامة ، وظاهر الكلام أن الرحمن قصد به العبارة عن الله تعالى كما لو قال { وهم بذكر } الله وهذا التأويل أغرق في ضلالهم وخطاهم .


[8222]:أخرجه ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه، قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم على أبي سفيان وأبي جهل وهما يتحدثان، فلما رآه أبو جهل ضحك وقال لأبي سفيان: هذا نبي بني عبد مناف، فغضب أبو سفيان فقال: ما تنكرون أن يكون لبني عبد مناف نبي، فسمعها النبي صلى الله عليه وسلم فرجع إلى أبي جهل فوقع به وخوفه، وقال: ما أراك منتهيا حتى يصيبك ما أصاب عمك، وقال لأبي سفيان: أما إنك لم تقل ما قلت إلا حمية، فنزلت هذه الآية : {وإذا رآك الذين كفروا إن يتخذونك إلا هزوا} الآية. (الدر المنثور).