تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱلۡيَوۡمَ نَخۡتِمُ عَلَىٰٓ أَفۡوَٰهِهِمۡ وَتُكَلِّمُنَآ أَيۡدِيهِمۡ وَتَشۡهَدُ أَرۡجُلُهُم بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (65)

قال الله تعالى في بيان وصفهم الفظيع في دار الشقاء : { الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ } بأن نجعلهم خرسا فلا يتكلمون ، فلا يقدرون على إنكار ما عملوه من الكفر والتكذيب . { وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } أي : تشهد عليهم أعضاؤهم بما عملوه ، وينطقها الذي أنطق كل شيء .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱلۡيَوۡمَ نَخۡتِمُ عَلَىٰٓ أَفۡوَٰهِهِمۡ وَتُكَلِّمُنَآ أَيۡدِيهِمۡ وَتَشۡهَدُ أَرۡجُلُهُم بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (65)

30

ولا يقف المشهد عند هذا الموقف المؤذي ويطويه . بل يستطرد العرض فإذا مشهد جديد عجيب :

( اليوم نختم على أفواههم ، وتكلمنا أيديهم ، وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون ) . .

وهكذا يخذل بعضهم بعضاً ، وتشهد عليهم جوارحهم ، وتتفكك شخصيتهم مزقاً وآحاداً يكذب بعضها بعضاً . وتعود كل جارحة إلى ربها مفردة ، ويثوب كل عضو إلى بارئه مستسلماً .

إنه مشهد عجيب رهيب تذهل من تصوره القلوب !

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ٱلۡيَوۡمَ نَخۡتِمُ عَلَىٰٓ أَفۡوَٰهِهِمۡ وَتُكَلِّمُنَآ أَيۡدِيهِمۡ وَتَشۡهَدُ أَرۡجُلُهُم بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (65)

{ اليوم نختم على أفواههم } نمنعها عن الكلام . { وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون } بظهور آثار المعاصي عليها ودلالتها على أفعالها ، أو إنطاق الله إياها وفي الحديث " إنهم يجحدون ويخاصمون فيختم على أفواههم وتتكلم أيديهم وأرجلهم " .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ٱلۡيَوۡمَ نَخۡتِمُ عَلَىٰٓ أَفۡوَٰهِهِمۡ وَتُكَلِّمُنَآ أَيۡدِيهِمۡ وَتَشۡهَدُ أَرۡجُلُهُم بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (65)

الجملة مستأنفة استئنافاً ابتدائياً وقوله : { اليَوْمَ } ظرف متعلق ب { نَخْتِمُ } .

والقول في لفظ { اليوم } كالقول في نظائره الثلاثة المتقدمة ، وهو تنويه بذكره بحصول هذا الحال العجيب فيه ، وهو انتقال النطق من موضعه المعتاد إلى الأيدي والأرجل .

وضمائر الغيبة في { أفواههم أيديهم أرجلهم يكسبون عائدة على الذين خوطبوا بقوله : { هذه جهنَّمُ التي كُنتم تُوعَدُون } [ يس : 63 ] على طريقة الالتفات . وأصل النظم : اليوم نختم على أفواهكم وتكلمنا أيديكم وتشهد أرجلكم بما كنتم تكسبون . ومواجهتهم بهذا الإِعلام تأييس لهم بأنهم لا ينفعهم إنكار ما أُطلعوا عليه من صحائف أعمالهم كما قال تعالى : { إقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً } [ الإسراء : 14 ] .

وقد طوي في هذه الآية ما ورد تفصيله في آي آخر فقد قال تعالى : { ويوم نحشرهم جميعاً ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين } [ الأنعام : 2223 ] وقال : { وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون فكفى بالله شهيداً بيننا وبينكم إن كنا عن عبادتكم لغافلين } [ يونس : 2829 ] .

وفي « صحيح مسلم » عن أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يخاطب العبد ربّه يقول : يا رب ألم تُجرني من الظلم ؟ فيقول : بلى ، فيقول : إني لا أجيز على نفسي إلا شاهداً مني ، فيقول الله : كفى بنفسك اليوم عليك شهيداً ، فيُخْتم على فيه . فيقال لأركانه : انطقي ، فتنطق بأعماله ثم يخلّى بينه وبين الكلام فيقول : بعداً لكنَّ وسُحْقاً فعنكُنّ كنتُ أناضل " وإنما طُوِي ذكر الداعي إلى خطابهم بهذا الكلام لأنه لم يتعلق به غرض هنا فاقتصر على المقصود .

وقد يخيل تعارض بين هذه الآية وبين قوله : { يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون } [ النور : 24 ] . ولا تعارض لأن آية يس في أحوال المشركين وآية سورة النور في أحوال المنافقين . والمراد بتكلم الأيدي تكلمها بالشهادة ، والمراد بشهادة الأرجل نطقها بالشهادة ، ففي كلتا الجملتين احتباك . والتقدير : وتكلمنا أيديهم فتشهد وتكلمنا أرجلهم فتشهد .

ويتعلق { بِمَا كانُوا يَكْسِبون } بكل من فعلي { تكلمنا وتشهد } على وجه التنازع . وما يكسبونه : هو الشرك وفروعه . وتكذيبهم الرسول صلى الله عليه وسلم وما ألحقوا به من الأذى .