تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَوۡمَ يُكۡشَفُ عَن سَاقٖ وَيُدۡعَوۡنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ فَلَا يَسۡتَطِيعُونَ} (42)

{ 42 - 43 } { يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ }

أي : إذا كان يوم القيامة ، وانكشف فيه من القلاقل [ والزلازل ] والأهوال ما لا يدخل تحت الوهم ، وأتى الباري لفصل القضاء بين عباده ومجازاتهم فكشف عن ساقه الكريمة التي لا يشبهها شيء ، ورأى الخلائق من جلال الله وعظمته ما لا يمكن التعبير عنه ، فحينئذ يدعون إلى السجود لله ، فيسجد المؤمنون الذين كانوا يسجدون لله ، طوعًا واختيارًا ، ويذهب الفجار المنافقون ليسجدوا فلا يقدرون على السجود ، وتكون ظهورهم كصياصي البقر ، لا يستطيعون الانحناء .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَوۡمَ يُكۡشَفُ عَن سَاقٖ وَيُدۡعَوۡنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ فَلَا يَسۡتَطِيعُونَ} (42)

35

( يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون . خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة . وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون ) . .

فيقفهم وجها لوجه أمام هذا المشهد كأنه حاضر اللحظة ، وكأنه يتحداهم فيه أن يأتوا بشركائهم المزعومين . وهذا اليوم حقيقة حاضرة في علم الله لا تتقيد في علمه بزمن . واستحضارها للمخاطبين على هذا النحو يجعل وقعها عميقا حيا حاضرا في النفوس على طريقة القرآن الكريم .

والكشف عن الساق كناية - في تعبيرات اللغة العربية المأثورة - عن الشدة والكرب . فهو يوم القيامة الذي يشمر فيه عن الساعد ويكشف فيه عن الساق ، ويشتد الكرب والضيق . . ويدعى هؤلاء المتكبرون إلى السجود فلا يملكون السجود ، إما لأن وقته قد فات ، وإما لأنهم كما وصفهم في موضع آخر يكونون : ( مهطعين مقنعي رؤوسهم )وكأن أجسامهم وأعصابهم مشدودة من الهول على غير إرادة منهم ! وعلى أية حال فهو تعبير يشي بالكرب والعجز والتحدي المخيف . .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَوۡمَ يُكۡشَفُ عَن سَاقٖ وَيُدۡعَوۡنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ فَلَا يَسۡتَطِيعُونَ} (42)

يوم يكشف عن ساق يوم يشتد الأمر ويصعب الخطب وكشف الساق مثل في ذلك وأصله تشمير المخدرات عن سوقهن في الهرب قال حاتم أخو الحرب إن عضت به الحرب عضها وإن شمرت عن ساقها الحرب شمرا أو يوم يكشف عن أصل الأمر وحقيقته بحيث يصير عيانا مستعار من ساق الشجر وساق الإنسان وتنكيره للتهويل أو للتعظيم وقرىء تكشف وتكشف بالتاء على بناء الفاعل أو المفعول والفعل للساعة أو الحال ويدعون إلى السجود توبيخا على تركهم السجود إن كان اليوم يوم القيامة أو يدعون إلى الصلوات لأوقاتها إن كان وقت النزع فلا يستطيعون لذهاب وقته أو زوال القدرة عليه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَوۡمَ يُكۡشَفُ عَن سَاقٖ وَيُدۡعَوۡنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ فَلَا يَسۡتَطِيعُونَ} (42)

وقوله تعالى : { يوم يكشف عن ساق } ، قال مجاهد : هي أول ساعة من يوم القيامة ، وهي أفظعها ، وتظاهر حديث من النبي صلى الله عليه وسلم : «أنه ينادي مناد يوم القيامة ليتبع كل أحد ما كان يعبد » ، قال : «فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس ، ويتبع من كان يعبد القمر القمر ، وكذلك كل عابد لكل معبود ثم تبقى هذه الأمة وغبرات أهل الكتاب{[11257]} ، معهم منافقوهم وكثير من الكفرة ، فيقال لهم : ما شأنكم لم تقفون ، وقد ذهب الناس فيقولون ننتظر ربنا فيجيئهم الله تعالى في غير الصورة التي عرفوه بها ، فيقول : أنا ربكم ، فيقولون : نعوذ بالله منك ، قال فيقول : أتعرفونه بعلامة ترونها فيقولون : نعم ، فيكشف لهم عن ساق ، فيقولون : نعم أنت ربنا ، ويخرون للسجود فيسجد كل مؤمن وتصير أصلاب المنافقين والكفار كصياصي البقر عظماً واحداً ، فلا يستطيعون سجوداً »{[11258]} .

قال القاضي أبو محمد : هكذا هو الحديث وإن اختلفت منه ألفاظ بزيادة ونقصان ، وعلى كل وجه فما ذكر فيه من كشف الساق وما في الآية من ذلك ، فإنما هو عبارة عن شدة الهول وعظم القدرة التي يرى الله تعالى ذلك اليوم حتى يقع العلم أن تلك القدرة إنما هي لله تعالى وحده ، ومن هذا المعنى قول الشاعر في صفة الحرب [ جد طرفة ] : [ مجزوء الكامل ]

كشفت لهم عن ساقها . . . وبدا عن الشر البراح{[11259]}

ومنه قول الراجز : [ الرجز ]

وشمرت عن ساقها فشدوا . . . {[11260]}

وقول الآخر : [ الرجز ]

في سنة قد كشفت عن ساقها . . . حمراء تبري اللحم عن عراقها{[11261]}

وأصل ذلك أنه من أراد الجد في أمر يحاوله فإنه يكشف عن ساقه تشميراً وجداً ، وقد مدح الشعراء بهذا المعنى فمنه قول دريد : [ الطويل ]

كميش الإزار خارج نصف ساقه . . . صبور على الضراء طلاع أنجدِ{[11262]}

وعلى هذا من إرادة الجد والتشمير في طاعة الله تعالى ، قال صلى الله عليه وسلم : «أزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه »{[11263]} . وقرأ جمهور الناس : «يُكشَف عن ساق » بضم الياء على بناء الفعل للمفعول ، وقرأ ابن مسعود : «يَكشِف » بفتح الياء وكسر الشين على معنى يكشف الله ، وقرأ ابن عباس : «تُكشف » بضم التاء على معنى تكشف القيامة والشدة والحال الحاضرة ، وقرأ ابن عباس أيضاً : «تَكشف » بفتح التاء على أن القيامة هي الكاشفة ، وحكى الأخفش عنه أنه قرأ : «نَكشِف » بالنون مفتوحة وكسر الشين ، ورويت عن ابن مسعود . وقوله تعالى : { ويدعون } ظاهره أن ثم دعاء إلى السجود ، وهذا يرده ما قد تقرر في الشرع من أن الآخرة ليست بدار عمل وأنها لا تكليف فيها ، فإذا كان هذا فإنما الداعي ما يرونه من سجود المؤمنين فيريدون هم أن يسجدوا عند ذلك فلا يستطيعونه . وقد ذهب بعض العلماء إلى أنهم يدعون إلى السجود على جهة التوبيخ ، وخرج بعض الناس من قوله : { فلا يستطيعون } أنهم كانوا يستطيعونه قبل ذلك ، وذلك غير لازم . وعقيدة الأشعري : أن الاستطاعة إنما تكون مع التلبس بالفعل لما قبله ، وهذا القدر كاف من هذه المسألة هاهنا .


[11257]:غبر كل شيء: بقيته وآخره، والجمع غبرات.
[11258]:أخرجه البخاري في التوحيد، وفي تفسير سورة ن، ومسلم في الإيمان، وأبو داود في الرقاق، وابن جرير في تفسيره، وأحمد في مسنده (3/17)، وزاد السيوطي في "الدر المنثور" نسبته إلى ابن المنذر وابن مردويه، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، وهو حديث طويل ذكره المؤلف مختصرا- والصياصي: جمع صيصة وهي قرن البقر ونحوه.
[11259]:البيت لجد طرفة، وهو في اللسان، ومعاني القرآن، والقرطبي، والبحر المحيط، وديوان الحماسة، والخصائص، والمحتسب، وجد طرفة هذا اسمه سعد بن مالك، ورواية الفراء في معاني القرآن كما هنا: (البراح)، ولكن في اللسان والقرطبي: (وبدا من الشر الصراح). قال في اللسان: "الساق في اللغة: الأمر الشديد، وكشفه مثل في شدة الأمر، كما يقال للشحيح: "يده مغلولة"، ولا يد ثم ولا غل، وإنما هو مثل في شدة البخل، وكذلك هذا، لا ساق هنا ولا كشف، وأصله أن الإنسان إذا وقع في أمر شديد يقال: شمر عن ساعده وكشف عن ساقه، للاهتمام بذلك الأمر العظيم" ، ثم نقل عن ابن سيدة أن هذا لا يدفع أن الساق إذا أريدت بها الشدة فإنما هي مشبهة بالساق هذه التي تعلو القدم، وأنه إنما قيل ذلك لأن الساق هي الحاملة للجملة، المنهضة لها، فذكرت هنا تشبيها وتشنيعا. هذا والبراح: البين الواضح، والصراح: الخالص الواضح.
[11260]:هذا بيت من الرجز وبعده يقول الراجز: ....................... وجدت الحرب بكم فجدوا وتشمير الإزار والثوب: رفعه، وشمر عن ساقه: خف وجد في الأمر أو أراده وتهيأ له، والشدة: الصلابة، وهي ضد اللين، والمراد هنا: كونوا أقوياء، ومن ذلك قوله تعالى: (اشدد به أزري)، وقوله: (فشدوا الوثاق) والجد: الاجتهاد، وجد به الأمر: اشتد ، فالمعنى: اشتدت الحرب فاجتهدوا فيها.
[11261]:هذا الرجز في اللسان، وأساس البلاغة، والقرطبي، والبحر المحيط، ولم ينسبه أحد منهم، وقبله يقول الشاعر: عجبت من نفسي ومن إشفاقها ومن طرادي الطير عن أرزاقها والشاهد في قوله: "قد كشفت عن ساقها"، والعراق- بضم العين- : العظم بغير لحم، فإن كان عليه لحم فهو عرق بالفتح، فالمعنى: تبري اللحم عن العظم.
[11262]:هذا البيت لدريد بن الصمة، وهو في اللسان/ والشعر والشعراء، والكامل ، والأصمعيات (الأصمعية 28)، وقد قال دريد هذه القصيدة في رثاء أخيه عبد الله، والخبر في العقد الفريد، وفي ديوان المعاني، وكميش الإزار: فعيل بمعنى مفعول، وهو من قولهم: كمش ذيله بمعنى : قلصه، وفي اللسان: "رجل كميش الإزار: مشمره"، ويؤيد هذا المعنى وصفه بعد ذلك بخروج نصف ساقه من الثياب، و "صبور على الأعداء" معناها أنه صبور في الحرب لا يسلم بسهولة ولا يفر، بل يبقى في المعركة مهما طال وقتها حتى ينتصر، ويروى بدلا من "الأعداء": "العزاء" وهي الشدة و "طلاع أنجد": ركاب لصعاب الأمور، أو المتطلع للأمور السامية، والأنجد: جمع نجد، وهو ما ارتفع وغلظ من الأرض، أو هو الطريق في الجبل.
[11263]:أخرجه أبو داود، ومالك في "اللباس" وأحمد في مسنده (3/5، 6/31) ولفظه كما في مسند أحمد: عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، أنه سمع أبا سعيد سئل عن الإزار فقال: على الخبير سقطت، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إزرة المؤمن إلى أنصاف الساقين ، لا جناح أو لا حرج عليه فيما بينه وبين الكعبين، ما كان أسفل من ذلك فهو في النار، لا ينظر الله إلى من جر إزاره بطرا). والإزرة بالكسر: الحالة وهيئة الائتزار، وهذا مثل الركبة والجلسة.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يَوۡمَ يُكۡشَفُ عَن سَاقٖ وَيُدۡعَوۡنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ فَلَا يَسۡتَطِيعُونَ} (42)

يجوز أن يكون { يوم يُكشف } متعلقاً بقوله : { فليأتوا بشركائهم } [ القلم : 41 ] ، أي فليأتوا بالمزعومين يومَ القيامة ، وهذا من حُسن التخلص إلى ذكر أهوال القيامة عليهم .

ويجوز أن يكون استئنافاً متعلقاً بمحذوف تقديره : اذكُرْ يوم يُكشف عن ساق ويُدعون إلى السجود الخ للتذكير بأهوال ذلك اليوم .

وعلى كلا الوجهين في تعلق { يوم } فالمراد باليوم يوم القيامة .

والكشف عن ساق : مثَل لشدة الحال وصعوبة الخطب والهول ، وأصله أن المرء إذا هلع أن يسرع في المشي ويشمر ثيابه فيكشف عن ساقه كما يقال : شمر عن ساعد الجد ، وأيضاً كانوا في الروع والهزيمة تشمر الحرائر عن سوقهن في الهرب أو في العمل فتنكشف سوقهن بحيث يشغلهن هول الأمر عن الاحتراز من إبداء ما لا تبدينه عادةً ، فيقال : كشفت عن ساقها أو شَمَّرت عن ساقها ، أو أبْدت عن ساقها ، قال عبد الله بن قيس الرقيات :

كيف نوْمي على الفراش ولما *** تشملْ الشامَ غارةٌ شَعْواء

تُذهل الشيخ عن بنيه وتبـدي *** عن خِدَام العقيلة العذراء

وفي حديث غزوة أحد قال أنس بن مالك : « انهزم الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم ولقد رأيت عائشة وأم سليم وأنهما لمشمّرتان أرى خَدَم سوقهمَا تنقلان القِرَب على متُونهما ثم تُفْرِغَانها في أفواه القوم ثم ترجعان فتملآنها » الخ ، فإذا قالوا : كشف المرء عن ساقه فهو كناية عن هول أصابه وإن لم يكن كشف ساقه . وإذا قالوا : كشف الأمر عن ساق ، فقد مثلوه بالمرأة المروعة ، وكذلك كشفت الحرب عن ساقها ، كل ذلك تمثيل إذ ليس ثمة ساق قال حاتم :

فتى الحرب عضّت به لحرب الحرب عضها *** وإن شمرت عن سَاقها الحرب شمَّرا

وقال جد طرفة من الحماسة :

كشفتْ لهم عن ساقها *** وبدا من الشر البَواح

وقرأ ابن عباس { يوم تَكشف } بمثناة فوقية وبصيغة البناء للفاعل على تقدير تكشف الشدة عن ساقها أو تكشف القيامة ، وقريب من هذا قولهم : قامت الحرب على ساق .

والمعنى : يوم تبلغ أحوال الناس منتهى الشدة والروْع ، قال ابن عباس : يكشف عن ساق : عن كرب وشدة ، وهي أشد ساعة في يوم القيامة .

وروى عبد بن حميد وغيره عن عكرمة عن ابن عباس أنه سئل عن هذا ، فقال : « إذا خفي عليكم شيء من القرآن فابتغوه في الشعر فإنه ديوان العرب » ، أما سمعتم قول الشاعر :

صبراً عَنَاقُ إنه لشِرْباقْ *** فقد سنّ لي قومُككِ ضربَ الأعناقْ{[434]}

وقامت الحرب بنا على ساق

وقال مجاهد : { يكشف عن ساق } : شدّة الأمر .

وجملة { ويُدْعون } ليس عائداً إلى المشركين مثل ضمير { إِنا بلوناهم } [ القلم : 17 ] إذ لا يساعد قوله : { وقد كانوا يدعون إلى السجود } فإن المشركين لم يكونوا في الدنيا يُدْعَون إلى السجود . فالوجه أن يكون عائداً إلى غير مذكور ، أي ويُدعَى مدعوون فيكون تعريضاً بالمنافقين بأنهم يحشرون مع المسلمين ويمتحن الناس بدعائهم إلى السجود ليتميز المؤمنون الخُلص عن غيرهم تَميز تشريف فلا يستطيع المنافقون السجود فيفتضح كفرهم ، قال القرطبي عن قيس بن السكن عن عبد الله بن مسعود : فمن كان يعبد الله مخلصاً يخِرُّ ساجداً له ويبقى المنافقون لا يستطيعون كأنَّ في ظهورهم السفافيد اه .

فيكون قوله تعالى : { ويدعون إلى السجود } إدماجاً لذكر بعض ما يحصل من أحوال ذلك اليوم .

وفي « صحيح مسلم » من حديث الرؤية وحديث الشفاعة عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " فيُكشف عن ساق فلا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلاّ أذن الله له بالسجود ، ولا يبقى من كان يسجد رياء إلاّ جعل الله ظهره طبقَة واحدة كلما أراد أن يسجد خرّ على قفاه " الحديث ، فيصلح ذلك تفسيراً لهذه الآية .

وقد اتبع فريق من المفسرين هذه الرواية وقالوا : يكشِف الله عن ساقه ، أي عن مثل الرِجْل ليراها الناس ثم قالوا هذا من المتشابه ، على أنه روي عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى : { عن ساقِ } قال يكشف عن نور عظيم يَخرون له سجداً .

ورُويت أخبار أخرى ضعيفة لا جدوى في ذكرها .

و { السجود } الذي يُدعون إليه : سجودُ الضراعة والخضوع لأجل الخلاص من أهوال الموقف .

وعدم استطاعتهم السجود لسلب الله منهم الاستطاعة على السجود ليعلموا أنهم لا رجاء لهم في النجاة .

والذي يدعوهم إلى السجود الملائكة الموكلون بالمحشر بأمر الله تعالى كقوله تعالى : { يَوم يدعو الداعي إلى شيء نكر إلى قوله : { مهطعين إلى الداعي } [ القمر : 68 ] ، أو يدعو بعضهم بعضاً بإلهام من الله تعالى ، وهو نظير الدعوة إلى الشفاعة في الأثر المروي « فيقول بعضهم لبعض : لو استشفعنا إلى ربّنا حتى يريحنا من موقفنا هذا » .


[434]:- شربق مقلوب شبرف أيمزق ويقال: ثوب شرباق كفرطاس.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{يَوۡمَ يُكۡشَفُ عَن سَاقٖ وَيُدۡعَوۡنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ فَلَا يَسۡتَطِيعُونَ} (42)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

يعني عن شدة الآخرة.

{ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون}...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره:"يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ"؛ قال جماعة من الصحابة والتابعين من أهل التأويل: يبدو عن أمر شديد...

حين يكشف الأمر، وتبدو الأعمال، وكشفه: دخول الآخرة وكشف الأمر عنه...

وقال ابن عباس: هي أشدّ ساعة تكون في يوم القيامة.

" وَيُدْعَوْنَ إلى السّجُودِ فَلا يَسْتَطيعُونَ" يقول: ويدعوهم الكشف عن الساق إلى السجود لله تعالى فلا يطيقون ذلك...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{يوم يكشف عن ساق} أي يكشف عن موضع الوعيد بالشدائد والأهوال. والساق الشدة، وسميت الساق ساقا لأن الناس شدتهم في سوقهم؛ إذ بها يحملون الأحمال، فكنى بالساق عن الشدة.

وقيل أيضا: إنهم كانوا إذا ابتلوا بشدة وبلاء كشفوا عن سوقهم، فكنّى بذكره عن الشدة، لا أن يراد بذكر الساق تحقيق الساق، والله أعلم.

{ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون} يحتمل أن يكون هذا على دعاء الحال، ويحتمل أن يكون على دعاء الأمر.

فأما دعاء الحال فهو أن من عادات الخلق أنه إذا اشتد بهم الأمر، وضاق، فزعوا إلى السجود. فجائز أن يكون ما حل بهم من الأحوال والشدائد يدعوهم إلى السجود، فيهمّون بذلك، فلا يستطيعون، فيكون قوله: {ويدعون إلى السجود} أي يدعوهم الحال إلى السجود فهذا دعاء الحال.

وجائز أن يؤمروا بالسجود، ويمتحنوا به...

ثم الأمر بالسجود يحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون على حقيقة الفعل. ويحتمل أن يكون على الاستسلام والخضوع؛ إذ السجود في الحقيقة، هو الخضوع والاستسلام.

وقوله تعالى: {فلا يستطيعون} للأشغال التي حلت بهم والأفزاع التي ابتلوا بها...

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

لما ذكر تعالى أن للمتقين عنده جنات النعيم، بين متى ذلك كائن وواقع، فقال: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ} يعني: يوم القيامة وما يكون فيه من الأهوال والزلازل والبلاء والامتحان والأمور العظام. وقد قال البخاري هاهنا: حدثنا آدم، حدثنا الليث، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يَسَار، عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "يَكشِفُ رَبّنا عن ساقه، فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة، ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة، فيذهب ليسجد فيعود ظهره طَبَقًا واحدًا". وهذا الحديث مخرج في الصحيحين وفي غيرهما من طرق وله ألفاظ، وهو حديث طويل مشهور...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما نفى جميع شبههم التي يمكن أن يتشبثوا بها مع البيان لقدرته على ما يريد من تفتيق الأدلة وتشقيق البراهين الدال على تمام العلم اللازم منه كمال القدرة فأوصلهم من وضوح الأمر إلى حد لم يبق معه إلا العناد، أتبع ذلك تهديدهم بما يثبت ذلك قدرته عليه من يوم الفصل ومعاملتهم فيه بالعدل فقال: {يوم} يجوز أن يكون بياناً ليوم القيامة، وبنى لإضافته إلى الجملة وأن يكون ظرفاً ليأتوا، أو منصوباً بما أخذ من معنى الكلام من نحو 115: سيعلمون ما يلقون من غب هذه المعاملات وإن نالوا في هذه الدار جميع اللذات، في جميع اليوم الذي {يكشف} أي يحصل الكشف فيه، وبني للمفعول لأن المخيف وقوع 116 الكشف الذي هو كناية عن تفاقم الأمور وخروجها عن حد الطوق، لا كونه من معين، مع أن من المعلوم أنه لا فاعل هناك غيره سبحانه {عن ساق} أي يشتد فيه الأمر غاية الاشتداد لأن من اشتد عليه الأمر وجد في فصله شمر عن ساقه لأجله وشمرت حرمه عن سوقهن غير محتشمات هرباً، فهو كناية عن هذا ولذلك نكره تهويلاً له وتعظيماً، نقل هذا التأويل عن ابن عباس رضي الله عنهما وسعيد بن جبير رضي الله عنه وغيرهما، وعن انكشاف جميع الحقائق وظهور الجلائل فيه والدقائق من الأهوال وغيرها كما كشفت هذه الآيات جميع الشبه وتركت السامع لها في مثل ضوء النهار...ولما كان هذا الكشف الذي كشف لهم المعاني في هذا القرآن إنما هو لأجل العبادة التي هي الخضوع الذي يعبر عنه بالسجود وهو آيتها وأمارة ما اشتمل عليه الباطن منها وعلامتها فيأتونها وهم قادرون عليها، ذكرهم يوماً يريدونها فيه فلا يتأتى لهم تنديماً لهم وزيادة تحسير وإظهار تظليل وتخسير لأن ظهورهم وأعضاءهم تكون طبقاً واحداً لا تنثني، فكلما أرادوا أن يسجدوا انقلبوا على أقفائهم، فقال بانياً للمفعول دلالة على إرادتهم للانقياد ورغبتهم فيه من أي داع كان، وهو دال على أن التكليف لا ينقطع إلا بدخول كل من الفريقين داره و {يدعون} أي من داعي الملك الديان {إلى السجود} توبيخاً على تركه الآن وتنديماً وتعنيفاً لا تعبداً وتكليفاً فيريدونه ليضروا أنفسهم مما يرون من المخاوف {فلا} أي فيتسبب عن ذلك أنهم لا {يستطيعون} أي لأنهم غير سالمين لا أعضاء لهم تنقاد به مع شدة معالجتهم لأنفسهم على أن تطوع لهم أعضاؤهم بما تفهمه هذه الصيغة من أن الإنسان منهم إذا أراد الفعل وعالجه بقوة فلم يطقه فإن ظهورهم تكون على حالة لا تنثني معها بل كان فيها السفافيد فيكون لهم في ذلك أشد ندم لتركهم إياه في الدنيا وهم يقدرون عليه وهو إذ ذاك نافع لهم ومعالجتهم فعله أشد معالجة وهم غير قادرين عليه وهو غير نافع لهم وإذا عجزوا مع المعالجة كانوا بدونها أعجز، وذلك أنه يبعث المرء على ما مات عليه ويحشر على ما بعث عليه إن خيراً فخيراً وإن شراً فشر.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

فيقفهم وجها لوجه أمام هذا المشهد كأنه حاضر اللحظة، وكأنه يتحداهم فيه أن يأتوا بشركائهم المزعومين. وهذا اليوم حقيقة حاضرة في علم الله لا تتقيد في علمه بزمن. واستحضارها للمخاطبين على هذا النحو يجعل وقعها عميقا حيا حاضرا في النفوس على طريقة القرآن الكريم.

والكشف عن الساق كناية -في تعبيرات اللغة العربية المأثورة- عن الشدة والكرب. فهو يوم القيامة الذي يشمر فيه عن الساعد ويكشف فيه عن الساق، ويشتد الكرب والضيق.. ويدعى هؤلاء المتكبرون إلى السجود فلا يملكون السجود، إما لأن وقته قد فات، وإما لأنهم كما وصفهم في موضع آخر يكونون: (مهطعين مقنعي رؤوسهم) وكأن أجسامهم وأعصابهم مشدودة من الهول على غير إرادة منهم! وعلى أية حال فهو تعبير يشي بالكرب والعجز والتحدي المخيف..