{ 101 } { رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ }
لما أتم الله ليوسف ما أتم من التمكين في الأرض والملك ، وأقر عينه بأبويه وإخوته ، وبعد العلم العظيم الذي أعطاه الله إياه ، قال مقرا بنعمة الله شاكرا لها داعيا بالثبات على الإسلام :
{ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ } وذلك أنه كان على خزائن الأرض وتدبيرها ووزيرا كبيرا للملك { وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ } أي : من تأويل أحاديث الكتب المنزلة وتأويل الرؤيا وغير ذلك من العلم { فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا } أي : أدم عليّ الإسلام وثبتني عليه حتى توفاني عليه ، ولم يكن هذا دعاء باستعجال الموت ، { وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ } من الأنبياء الأبرار والأصفياء الأخيار .
وقبل أن يسدل الستار على المشهد الأخير المثير ، نشهد يوسف ينزع نفسه من اللقاء والعناق والفرحة والابتهاج والجاه والسلطان ، والرغد والأمان . . . ليتجه إلى ربه في تسبيح الشاكر الذاكر ! كل دعوته - وهو في أبهة السلطان ، وفي فرحة تحقيق الأحلام - أن يتوفاه ربه مسلما وأن يلحقه بالصالحين :
( رب قد آتيتني من الملك ، وعلمتني من تأويل الأحاديث . فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة . توفني مسلما وألحقني بالصالحين ) . .
آتيتني منه سلطانه ومكانه وجاهه وماله . فذلك من نعمة الدنيا .
( وعلمتني من تأويل الأحاديث ) . .
بإدراك مآلاتها وتعبير رؤاها . فذلك من نعمة العلم .
نعمتك يا ربي أذكرها وأعددها . .
بكلمتك خلقتها وبيدك أمرها ، ولك القدرة عليها وعلى أهلها . .
( أنت وليي في الدنيا والآخرة ) . .
رب إني لا أسألك سلطانا ولا صحة ولا مالا . رب إني أسألك ما هو أبقى وأغنى :
( توفني مسلما وألحقني بالصالحين ) . .
وهكذا يتوارى الجاه والسلطان ، وتتوارى فرحة اللقاء واجتماع الأهل ولمة الإخوان . ويبدو المشهد الأخير مشهد عبد فرد يبتهل إلى ربه أن يحفظ له إسلامه حتى يتوفاه إليه ، وأن يلحقه بالصالحين بين يديه .
{ رب قد آتيتني من الملك } بعض الملك وهو ملك مصر . { وعلّمتني من تأويل الأحاديث } الكتب أو الرؤيا ، ومن أيضا للتبعيض لأنه لم يؤت كل التأويل . { فاطر السماوات والأرض } مبدعهما وانتصابه على أنه صفة المنادى أو منادى برأسه . { أنت وليي } ناصري ومتولي أمري . { في الدنيا والآخرة } أو الذي يتولاني بالنعمة فيهما . { توفني مسلما } اقبضني . { وألحقني بالصالحين } من آبائي أو بعامة الصالحين في الرتبة والكرامة . روي أن يعقوب عليه السلام أقام معه أربعا وعشرين سنة ثم توفي وأوصى أن يدفن بالشام إلى جنب أبيه ، فذهب به ودفنه ثمة ثم عاد وعاش بعده ثلاثا وعشرين سنة ، ثم تاقت نفسه إلى الملك المخلد فتمنى الموت فتوفاه الله طيبا طاهرا ، فتخاصم أهل مصر في مدفنه حتى هموا بالقتال ، فرأوا أن يجعلوه في صندوق من مرمر ويدفنوه في النيل بحيث يمر عليه الماء ، ثم يصل إلى مصر ليكونوا شرعا فيه ، ثم نقله موسى عليها الصلاة والسلام إلى مدفن آبائه وكان عمره مائة وعشرين سنة ، وقد ولد له من راعيل افراثيم وميشا وهو جد يوشع بن نون ، ورحمة امرأة أيوب عليها لصلاة والسلام .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.