تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَمَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَنۢبَتۡنَا بِهِۦ حَدَآئِقَ ذَاتَ بَهۡجَةٖ مَّا كَانَ لَكُمۡ أَن تُنۢبِتُواْ شَجَرَهَآۗ أَءِلَٰهٞ مَّعَ ٱللَّهِۚ بَلۡ هُمۡ قَوۡمٞ يَعۡدِلُونَ} (60)

ثم ذكر تفاصيل ما به يعرف ويتعين أنه الإله المعبود وأن عبادته هي الحق وعبادة [ ما ] سواه هي الباطل فقال : { 60 } { أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ }

أي : أمن خلق السماوات وما فيها من الشمس والقمر والنجوم والملائكة والأرض وما فيها من جبال وبحار وأنهار وأشجار وغير ذلك .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَمَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَنۢبَتۡنَا بِهِۦ حَدَآئِقَ ذَاتَ بَهۡجَةٖ مَّا كَانَ لَكُمۡ أَن تُنۢبِتُواْ شَجَرَهَآۗ أَءِلَٰهٞ مَّعَ ٱللَّهِۚ بَلۡ هُمۡ قَوۡمٞ يَعۡدِلُونَ} (60)

59

ومن ثم يعدل عنه إلى سؤال آخر ، مستمد من واقع هذا الكون حولهم ، ومن مشاهده التي يرونها بأعينهم :

( أم من خلق السماوات والأرض ، وأنزل لكم من السماء ماء ، فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها ? أإله مع الله ? بل هم قوم يعدلون ) . .

والسماوات والأرض حقيقة قائمة لا يملك أحد إنكار وجودها ، ولا يملك كذلك أن يدعي أن هذه الآلهة المدعاة خلقتها . . وهي أصنام أو أوثان ، أو ملائكة وشياطين ، أو شمس أو قمر . . فالبداهة تصرخ في وجه هذا الادعاء . ولم يكن أحد من المشركين يزعم أن هذا الكون قائم بنفسه ، مخلوق بذاته ، كما وجد من يدعي مثل هذا الادعاء المتهافت في القرون الأخيرة ! فكان مجرد التذكير بوجود السماوات والأرض ، والتوجيه إلى التفكير فيمن خلقها ، كفيلا بإلزام الحجة ، ودحض الشرك ، وإفحام المشركين . وما يزال هذا السؤال قائما فإن خلق السماوات والأرض على هذا النحو الذي يبدو فيه القصد ، ويتضح فيه التدبير ، ويظهر فيه التناسق المطلق الذي لا يمكن أن يكون فلتة ولا مصادفة ، ملجئ بذاته إلى الإقرار بوجود الخالق الواحد ، الذي تتضح وحدانيته بآثاره . ناطق بأن هناك تصميما واحدا متناسقا لهذا الكون لا تعدد في طبيعته ولا تعدد في اتجاهه . فلا بد أنه صادر عن إرادة واحدة غير متعددة . إرادة قاصدة لا يفوتها القصد في الكبير ولا في الصغير .

( أم من خلق السماوات والأرض ) . . ( وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها ? ) . .

والماء النازل من السماء حقيقة كذلك مشهودة يستحيل إنكارها ويتعذر تعليلها بغير الإقرار بخالق مدبر ، فطر السماوات والأرض وفق هذا الناموس الذي يسمح بنزول المطر ، بهذا القدر ، الذي توجد به الحياة ، على النحو الذي وجدت به ، فما يمكن أن يقع هذا كله مصادفة ، وأن تتوافق المصادفات بهذا الترتيب الدقيق ، وبهذا التقدير المضبوط . المنظور فيه إلى حاجة الأحياء وبخاصة الإنسان . هذا التخصيص الذي يعبر عنه القرآن الكريم بقوله : ( وأنزل لكم . . . )والقرآن يوجه القلوب والأبصار إلى الآثار المحيية لهذا الماء المنزل للناس وفق حاجة حياتهم ، منظورا فيه إلى وجودهم وحاجاتهم وضروراتهم . يوجه القلوب والأبصار إلى تلك الآثار الحية القائمة حيالهم وهم عنها غافلون :

( فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ) . .

حدائق بهيجة ناضرة حية جميلة مفرحة . . ومنظر الحدائق يبعث في القلب البهجة والنشاط والحيوية . وتأمل هذه البهجة والجمال الناضر الحي الذي يبعثها كفيل بإحياء القلوب . وتدبر آثار الإبداع في الحدائق كفيل بتمجيد الصانع الذي أبدع هذا الجمال العجيب . وإن تلوين زهرة واحدة وتنسيقها ليعجز عنه أعظم رجال الفنون من البشر . وان تموج الألوان وتداخل الخطوط وتنظيم الوريقات في الزهرة الواحدة ليبدو معجزة تتقاصر دونها عبقرية الفن في القديم والحديث . فضلا على معجزة الحياة النامية في الشجر - وهي السر الأكبر الذي يعجز عن فهمه البشر - : ( ما كان لكم أن تنبتوا شجرها )وسر الحياة كان وما يزال مستغلقا على الناس . سواء أكان في النبات أم في الحيوان أم في الأنسان . فما يملك أحد حتى اللحظة أن يقول : كيف جاءت هذه الحياة ، ولا كيف تلبست بتلك الخلائق من نبات أو حيوان أو إنسان . ولا بد من الرجوع فيها إلى مصدر وراء هذا الكون المنظور .

وعندما يصل في هذه الوقفة أمام الحياة النامية في الحدائق البهيجة إلى إثارة التطلع والانتباه وتحريك التأمل والتفكير ، يهجم عليهم بسؤال :

( أإله مع الله ? ) . .

ولا مجال لمثل هذا الادعاء ؛ ولا مفر من الإقرار والإذعان . . وعندئذ يبدو موقف القوم عجيبا ، وهم يسوون آلهتهم المدعاة بالله ، فيعبدونها عبادة الله : ( بل هم قوم يعدلون ) . .

ويعدلون . إما أن يكون معناها يسوون . أي يسوون آلهتهم بالله في العبادة . وإما أن يكون معناها : يحيدون . أي يحيدون عن الحق الواضح المبين . بإشراك أحد مع الله في العبادة ؛ وهو وحده الخالق الذي لم يشاركه أحد في الخلق . وكلا الأمرين تصرف عجيب لا يليق !

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَمَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَنۢبَتۡنَا بِهِۦ حَدَآئِقَ ذَاتَ بَهۡجَةٖ مَّا كَانَ لَكُمۡ أَن تُنۢبِتُواْ شَجَرَهَآۗ أَءِلَٰهٞ مَّعَ ٱللَّهِۚ بَلۡ هُمۡ قَوۡمٞ يَعۡدِلُونَ} (60)

{ أمن } بل أمن . { خلق السماوات والأرض } التي هي أصول الكائنات ومبادئ المنافع . وقرأ أمن بالتخفيف على انه بدل من الله . { وأنزل لكم } لأجلكم . { من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة } عدل به من الغيبة إلى التكلم لتأكيد اختصاص الفعل بذاته ، والتنبيه على أن إنبات الحدائق البهية المختلفة الأنواع المتباعدة الطباع من المواد المتشابهة لا يقدر عليه غيره كما أشار اليه بقوله : { ما كان لكم أن تنبتوا شجرها } شجر الحدائق وهي البساتين من الإحداق وهو الإحاطة . { أإله مع الله } أغيره يقرن به ويجعل له شريكا ، وهو المنفرد بالخلق والتكوين . وقرئ " أإلها " بإضمار فعل مثل أتدعون أو أتشركون وبتوسيط مدة الهمزتين وإخراج الثانية بين بين . { بل هم قوم يعدلون } عن الحق الذي هو التوحيد .