تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ ظَالِمِيٓ أَنفُسِهِمۡ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمۡۖ قَالُواْ كُنَّا مُسۡتَضۡعَفِينَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ قَالُوٓاْ أَلَمۡ تَكُنۡ أَرۡضُ ٱللَّهِ وَٰسِعَةٗ فَتُهَاجِرُواْ فِيهَاۚ فَأُوْلَـٰٓئِكَ مَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَسَآءَتۡ مَصِيرًا} (97)

{ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا * إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا * فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا }

هذا الوعيد الشديد لمن ترك الهجرة مع قدرته عليها حتى مات ، فإن الملائكة الذين يقبضون روحه يوبخونه بهذا التوبيخ العظيم ، ويقولون لهم : { فِيمَ كُنْتُمْ } أي : على أي حال كنتم ؟ وبأي شيء تميزتم عن المشركين ؟ بل كثرتم سوادهم ، وربما ظاهرتموهم على المؤمنين ، وفاتكم الخير الكثير ، والجهاد مع رسوله ، والكون مع المسلمين ، ومعاونتهم على أعدائهم .

{ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْض } أي : ضعفاء مقهورين مظلومين ، ليس لنا قدرة على الهجرة . وهم غير صادقين في ذلك لأن الله وبخهم وتوعدهم ، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها ، واستثنى المستضعفين حقيقة .

ولهذا قالت لهم الملائكة : { أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا } وهذا استفهام تقرير ، أي : قد تقرر عند كل أحد أن أرض الله واسعة ، فحيثما كان العبد في محل لا يتمكن فيه من إظهار دينه ، فإن له متسعًا وفسحة من الأرض يتمكن فيها من عبادة الله ، كما قال تعالى : { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ } قال الله عن هؤلاء الذين لا عذر لهم : { فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا } وهذا كما تقدم ، فيه ذكر بيان السبب الموجِب ، فقد يترتب عليه مقتضاه ، مع اجتماع شروطه وانتفاء موانعه ، وقد يمنع من ذلك مانع .

وفي الآية دليل على أن الهجرة من أكبر الواجبات ، وتركها من المحرمات ، بل من الكبائر ، وفي الآية دليل على أن كل مَن توفي فقد استكمل واستوفى ما قدر له من الرزق والأجل والعمل ، وذلك مأخوذ من لفظ " التوفي " فإنه يدل على ذلك ، لأنه لو بقي عليه شيء من ذلك لم يكن متوفيًا .

وفيه الإيمان بالملائكة ومدحهم ، لأن الله ساق ذلك الخطاب لهم على وجه التقرير والاستحسان منهم ، وموافقته لمحله .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ ظَالِمِيٓ أَنفُسِهِمۡ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمۡۖ قَالُواْ كُنَّا مُسۡتَضۡعَفِينَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ قَالُوٓاْ أَلَمۡ تَكُنۡ أَرۡضُ ٱللَّهِ وَٰسِعَةٗ فَتُهَاجِرُواْ فِيهَاۚ فَأُوْلَـٰٓئِكَ مَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَسَآءَتۡ مَصِيرًا} (97)

95

بعد ذلك يتحدث عن فريق من القاعدين ؛ أولئك الذين يظلون قاعدين في دار الكفر لا يهاجرون ؛ تمسك بهم أموالهم ومصالحهم ، أو يمسك بهم ضعفهم عن مواجهة متاعب الهجرة وآلام الطريق - وهم قادرون لو أرادوا واعتزموا التضحية - أن يهاجروا . . حتى يحين أجلهم ؛ وتأتي الملائكة لتتوفاهم . يتحدث عنهم فيصورهم صورة زرية منكرة ؛ تستنهض كل قاعد منهم للفرار بدينه وعقيدته ، وبمصيره عند ربه ؛ من هذا الموقف الذي يرسمه لهم :

( إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم . . قالوا : فيم كنتم ؟ قالوا : كنا مستضعفين في الأرض . قالوا : ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ؟ فأولئك مأواهم جهنم ، وساءت مصيرا . إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان ، لا يستطيعون حيلة ، ولا يهتدون سبيلا . فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم ، وكان الله عفوا غفورًا ) . .

لقد كان هذا النص يواجه حالة واقعة في الجزيرة العربية - في مكة وغيرها - بعد هجرة رسول الله [ ص ] وقيام الدولة المسلمة . فقد كان هناك مسلمون لم يهاجروا . حبستهم أموالهم ومصالحهم - حيث لم يكن المشركون يدعون مهاجرا يحمل معه شيئا من ماله - أو حبسهم إشفاقهم وخوفهم من مشاق الهجرة - حيث لم يكن المشركون يدعون مسلما يهاجر حتى يمنعوه ويرصدوا له في الطريق . . وجماعة حبسهم عجزهم الحقيقي ، من الشيوخ والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة للهرب ولا يجدون سبيلا للهجرة . .

وقد اشتد أذى المشركين لهؤلاء الباقين من أفراد المسلمين ؛ بعد عجزهم عن إدراك الرسول [ ص ] وصاحبه ، ومنعهما من الهجرة . وبعد قيام الدولة المسلمة . وبعد تعرض الدولة المسلمة لتجارة قريش في بدر ، وانتصار المسلمين ذلك الانتصار الحاسم . فأخذ المشركون يسومون هذه البقية المتخلفة ألوانا من العذاب والنكال ، ويفتنونهم عن دينهم في غيظ شديد .

وقد فتن بعضهم عن دينهم فعلا ؛ واضطر بعضهم إلى إظهار الكفر تقية ، ومشاركة المشركين عبادتهم . . وكانت هذه التقية جائزة لهم يوم أن لم تكن لهم دولة يهاجرون إليها - متى استطاعوا - فأما بعد قيام الدولة ، ووجود دار الإسلام فإن الخضوع للفتنة ، أو الالتجاء للتقية ، وفي الوسع الهجرة والجهر بالإسلام ، والحياة في دار الإسلام . . أمر غير مقبول .

وهكذا نزلت هذه النصوص ؛ تسمي هؤلاء القاعدين محافظة على أموالهم ومصالحهم ، أو إشفاقا من مشاق الهجرة ومتاعب الطريق . . حتى يحين أجلهم . . تسميهم : ( ظالمي أنفسهم ) . . بما أنهم حرموها الحياة في دار الإسلام ، تلك الحياة الرفيعة النظيفة الكريمة الحرة الطليقة . وألزموها الحياة في دار الكفر تلك الحياة الذليلة الخانسة الضعيفة المضطهدة ، وتوعدهم ( جهنم وساءت مصيرًا ) . . مما يدل على أنها تعني الذين فتنواعن دينهم بالفعل هناك !

ولكن التعبير القرآني - على أسلوب القرآن - يعبر في صورة ، ويصور في مشهد حي نابض بالحركة والحوار : ( إن الذين توفاهم الملائكة . . ظالمي أنفسهم . . قالوا : فيم كنتم ؟ قالوا : كنا مستضعفين في الأرض ! قالوا : ألم تكن أرض الله واسعة ، فتهاجروا فيها ؟ ! ) . .

إن القرآن يعالج نفوسا بشرية ؛ ويهدف الى استجاشة عناصر الخير والمروءة والعزة فيها ؛ وإلى مطاردة عوامل الضعف والشح والحرص والثقلة . . لذلك يرسم هذا المشهد . . إنه يصور حقيقة . ولكنه يستخدم هذه الحقيقة في موضعها أحسن استخدام ، في علاج النفس البشرية . .

ومشهد الاحتضار بذاته مشهد ترتجف له النفس البشرية ، وتتحفز لتصور ما فيه . وإظهار الملائكة في المشهد يزيد النفس ارتجافا وتحفزا وحساسية .

وهم - القاعدون - ظلموا أنفسهم . وقد حضرت الملائكة لتتوفاهم وهذا حالهم . . ظالمي أنفسهم . وهذا وحده كفيل بتحريك النفس وارتجافها . إذ يكفي أن يتصور المرء نفسه والملائكة تتوفاه وهو ظالم لنفسه ؛ وليس أمامه من فرصة أخرى لإنصاف نفسه ، فهذه هي اللحظة الأخيرة .

ولكن الملائكة لا يتوفونهم - ظالمي أنفسهم - في صمت . بل يقلبون ماضيهم ، ويستنكرون أمرهم ! ويسألونهم : فيم أضاعوا أيامهم ولياليهم ؟ وماذا كان شغلهم وهمهم في الدنيا :

( قالوا : فيم كنتم ؟ ) . .

فإن ما كانوا فيه ضياع في ضياع ؛ كأن لم يكن لهم شغل إلا هذا الضياع !

ويجيب هؤلاء المحتضرون ، في لحظة الاحتضار ، على هذا الاستنكار ، جوابا كله مذلة ، ويحسبونه معذرة على ما فيه من مذلة .

( قالوا : كنا مستضعفين في الأرض ) . .

كنا مستضعفين . يستضعفنا الأقوياء . كنا أذلاء في الأرض لا نملك من أمرنا شيئا .

وعلى كل ما في هذا الرد من مهانة تدعو إلى الزراية ؛ وتنفر كل نفس من أن يكون هذا موقفها في لحظة الاحتضار ، بعد أن يكون هذا موقفها طوال الحياة . . فإن الملائكة لا يتركون هؤلاء المستضعفين الظالمي أنفسهم . بل يجبهونهم بالحقيقة الواقعة ؛ ويؤنبونهم على عدم المحاولة ، والفرصة قائمة : ( قالوا : ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ؟ ! ) . .

إنه لم يكن العجز الحقيقي هو الذي يحملهم - إذن - على قبول الذل والهوان والاستضعاف ، والفتنة عن الإيمان . . إنما كان هناك شيء آخر . . حرصهم على أموالهم ومصالحهم وأنفسهم يمسكهم في دار الكفر ، وهناك دار الإسلام . ويمسكهم في الضيق وهناك أرض الله الواسعة . والهجرة إليها مستطاعة ؛ مع احتمال الآلام والتضحيات .

وهنا ينهي المشهد المؤثر ، بذكر النهاية المخيفة :

( فأولئك مأواهم جهنم ، وساءت مصيرًا ) . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ ظَالِمِيٓ أَنفُسِهِمۡ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمۡۖ قَالُواْ كُنَّا مُسۡتَضۡعَفِينَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ قَالُوٓاْ أَلَمۡ تَكُنۡ أَرۡضُ ٱللَّهِ وَٰسِعَةٗ فَتُهَاجِرُواْ فِيهَاۚ فَأُوْلَـٰٓئِكَ مَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَسَآءَتۡ مَصِيرًا} (97)

قال البخاري : حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ ، حدثنا حَيْوَة وغيره قالا حدثنا محمد بن عبد الرحمن أبو الأسود قال : قطع على{[8134]} أهل المدينة بعْثٌ ، فاكتتبت فيه ، فلقيتُ عكرمة مولى ابن عباس فأخبرته ، فنهاني عن ذلك أشد النهي ، ثم قال : أخبرني ابن عباس أن ناسا من المسلمين كانوا مع المشركين ، يكثرون سواد المشركين على رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي السهم فَيُرمى{[8135]} به ، فيصيب أحدهم فيقتله ، أو يضرب عنقه فيقتل ، فأنزل الله [ عز وجل ]{[8136]} { إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ } رواه الليث عن أبي الأسود{[8137]} .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن منصور الرَّمَادِي ، حدثنا أبو أحمد - يعني الزبيري – حدثنا محمد بن شَرِيك المكي ، حدثنا عمرو بن دينار ، عن عكرمة عن ابن عباس قال : كان قوم من أهل مكة أسلموا ، وكانوا يستخفون بالإسلام ، فأخرجهم المشركون يوم بدر معهم ، فأصيب بعضهم بفعل بعض{[8138]} قال المسلمون : كان أصحابنا هؤلاء مسلمين{[8139]} وأكرهوا ، فاستَغْفَروا لهم ، فنزلت : { إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ [ قَالُوا فِيمَ كُنْتُم } إلى آخر ]{[8140]} الآية ، قال : فكتب إلى من بقي من المسلمين بهذه الآية : لا عذر لهم . قال : فخرجوا فلحقهم المشركون فأعطوهم الفتنة ، فنزلت هذه{[8141]} الآية : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ } الآية{[8142]} [ البقرة : 8 ] .

وقال عكرمة : نزلت هذه الآية في شباب من قريش ، كانوا تكلموا بالإسلام بمكة ، منهم : علي بن أمية بن خَلَف ، وأبو قيس بن الوليد بن المغيرة ، وأبو العاص بن منبه{[8143]} بن الحجاج ، والحارث بن زَمْعة .

وقال الضحاك : نزلت في ناس{[8144]} من المنافقين ، تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ، وخرجوا مع المشركين يوم بدر ، فأصيبوا فيمن أصيب فنزلت هذه{[8145]} الآية الكريمة عامة في كل من أقام بين ظهراني المشركين وهو قادر على الهجرة ، وليس متمكنا من إقامة الدين ، فهو ظالم لنفسه مرتكب حراما بالإجماع ، وبنص هذه الآية حيث يقول تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ } أي : بترك الهجرة { قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ } أي : لم مكثتم هاهنا وتركتم الهجرة ؟ { قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأرْضِ } أي : لا نقدر على الخروج من البلد ، ولا الذهاب في الأرض { قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً [ فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ]{[8146]} } .

وقال أبو داود : حدثنا محمد بن داود بن سفيان ، حدثني يحيى بن حسان ، أخبرنا سليمان بن موسى أبو داود ، حدثنا جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب ، حدثني خبيب{[8147]} بن سليمان ، عن أبيه سليمان بن سمرة ، عن سمرة بن جندب : أما بعد ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله " {[8148]} .

وقال السدي : لما أسر العباس وَعقِيل ونَوْفَل ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس : " افد نفسك وابن أخيك " قال : يا رسول الله ، ألم نصل قبلتك ، ونشهد شهادتك ؟ قال : " يا عباس ، إنكم خاصمتم فخُصمتم " . ثم تلا عليه هذه الآية : { أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً [ فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ]{[8149]} } رواه ابن أبي حاتم .


[8134]:في أ: "من".
[8135]:في د، ر أ: "يرمى".
[8136]:زيادة من ر.
[8137]:صحيح البخاري برقم (4596).
[8138]:في ر، أ: "بنبل".
[8139]:في ر: "مسلمون".
[8140]:زيادة من ر، أ.
[8141]:في أ: "فيهم".
[8142]:ورواه الطبراني في تفسيره (9/102) حدثنا أحمد بن منصور الرمادي به.
[8143]:في د: "ابن منصور".
[8144]:في د، ر: "أناس".
[8145]:في أ: "فهذه".
[8146]:زيادة من د، ر، أ، وفي هـ: "الآية".
[8147]:في ر، أ: "حبيب".
[8148]:سنن أبي داود برقم (2787).
[8149]:زيادة من ر، أ، وفي هـ: "الآية".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ ظَالِمِيٓ أَنفُسِهِمۡ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمۡۖ قَالُواْ كُنَّا مُسۡتَضۡعَفِينَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ قَالُوٓاْ أَلَمۡ تَكُنۡ أَرۡضُ ٱللَّهِ وَٰسِعَةٗ فَتُهَاجِرُواْ فِيهَاۚ فَأُوْلَـٰٓئِكَ مَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَسَآءَتۡ مَصِيرًا} (97)

المراد بهذه الآية إلى قوله { مصيراً } جماعة من أهل مكة كانوا قد أسلموا وأظهروا للنبي صلى الله عليه وسلم الإيمان به ، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم أقاموا مع قومهم ، وفتن منهم جماعة فافتتنوا ، فما كان أمر بدر خرج منهم قوم مع الكفار فقتلوا ببدر ، فنزلت الآية فيهم ، قال ابن عباس رضي الله عنهما ، كان قوم ن أهل مكة قد أسلموا وكانوا يستخفون بإسلامهم ، فأخرجهم المشركون يوم بدر فأصيب بعضهم ، فقال المسلمون كان أصحابنا هؤلاء مسلمين{[4225]} وأكرهوا ، فاستغفروا لهم ، فنزلت { إن الذين توفاهم الملائكة } الآية .

قال : فكتب إلى من بقي بمكة من المسلمين بهذه الآية ، أن لا عذر لهم ، فخرجوا فلحقهم المشركون فأعطوهم الفتنة ، فنزلت فيهم هذه الآية الأخرى ، { ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله }{[4226]} الآية فكتب إليهم المسلمون بذلك فخرجوا ويئسوا من كل خير . ثم نزلت فيهم { ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم }{[4227]} فكتبوا إليهم بذلك ، أن الله قد جعل لكم مخرجاً فخرجوا فلحقهم المشركون فقاتلوهم حتى نجا من نجا وقتل من قتل{[4228]} ، وقال عكرمة : نزلت هذه الآية في خمسة قتلوا ببدر ، وهم قيس بن الفاكه بن المغيرة ، والحارث بن زمعة بن الأسود بن أسد ، وقيس بن الوليد بن المغيرة ، وأبو العاصي بن منبه بن الحجاج ، وعلي بن أمية بن خلف{[4229]} ، قال النقاش : في أناس سواهم أسلموا ثم خرجوا إلى بدر ، فلما رأوا قلة المسلمين قالوا : غر هؤلاء دينهم .

قال القاضي أبو محمد - رحمه الله - : وكان العباس ممن خرج مع الكفار لكنه نجا وأسر ، وكان من المطعمين في نفير بدر ، قال السدي : لما أسر العباس وعقيل ونوفل ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس : «افد نفسك وابن أخيك ، فقال له العباس : يا رسول الله ، ألم نصل قبلتك ونشهد شهادتك ؟ قال يا عباس : إنكم خاصمتم فخصمتم » ثم تلا عليه هذه الآية { ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها }{[4230]} قال السدي : فيوم نزلت هذه الآية كان من أسلم ولم يهاجر فهو كافر حتى يهاجر ، إلا من لا يستطيع حيلة ولا يهتدي سبيلاً .

قال القاضي أبو محمد - رحمه الله - : وفي هذا الذي قاله السدي نظر ، والذي يجري مع الأصول أن من مات من أولئك بعد أن قبل الفتنة وارتد فهو كافر ومأواه جهنم على جهة الخلود ، وهذا هو ظاهر أمر تلك الجماعة وإن فرضنا فيهم من مات مؤمناً وأكره على الخروج ، أو مات بمكة فإنما هو عاص في ترك الهجرة ، مأواه جهنم على جهة العصيان دون خلود ، لكن لما لم يتعين أحد أنه مات على الإيمان لم يسغ ذكرهم في الصحابة ، ولم يعتد بما كان عرف منهم قبل ، ولا حجة للمعتزلة في شيء من أمر هؤلاء على تكفيرهم بالمعاصي ، وأما العباس فقد ذكر ابن عبد البر رحمه الله أنه أسلم قبل بدر ، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم بدر من لقي العباس فلا يقتله ، فإنما أخرج كرهاً .

قال القاضي أبو محمد عبد الحق - رحمه الله - وذكر أنه إنما أسلم مأسوراً حين ذكر له النبي صلى الله عليه وسلم أمر المال الذي ترك عند أم الفضل ، وذكر أنه أسلم في عام خيبر ، وكان يكتب إلى رسول الله بأخبار المشركين ، وكان يحب أن يهاجر ، فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن امكث بمكة فمقامك بها أنفع لنا .

قال القاضي أبو محمد : لكن عامله رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أسر على ظاهر أمره .

وقوله تعالى : { توفاهم } يحتمل أن يكون فعلاً ماضياً لم يستند بعلامة تأنيث ، إذ تأنيث لفظ { الملائكة } غير حقيقي ، ويحتمل أن يكون فعلاً مستقبلاً على معنى تتوفاهم ، فحذفت إحدى التاءين ويكون في العبارة إشارة إلى ما يأتي من هذا المعنى في المستقبل بعد نزول الآية . وقرأ إبراهيم «تُوفاهم » بضم التاء ، قال أبو الفتح : كأنه يدفعون إلى الملائكة ويحتسبون عليهم{[4231]} . و «تَوفاهم » بفتح التاء معناه : تقبض أرواحهم ، وحكى ابن فورك عن الحسن أن المعنى : تحشرهم إلى النار و { ظالمي أنفسهم } نصب على الحال أي ظالميها بترك الهجرة ، قال الزجّاج : حذفت النون من «ظالمين » تخفيفاً ، كقوله تعالى : { بالغ الكعبة }{[4232]} ، وقول الملائكة { فيم كنتم } ؟ تقرير وتوبيخ ، وقول هؤلاء { كنا مستضعفين في الأرض } اعتذار غير صحيح ، إذ كانوا يستطيعون الحيل ويهتدون السبيل ثم وقفتهم الملائكة على ذنبهم بقولهم { ألم تكن أرض الله واسعة } والأرض في قول هؤلاء هي أرض مكة خاصة ، و { ارض الله } هي الأرض بالإطلاق ، والمراد فتهاجروا فيها إلى موضع الأمن ، وهذه المقالة إنما هي بعد توفي الملائكة لأرواح هؤلاء . وهي دالة على أنهم ماتوا مسلمين ، وإلا فلو ماتوا كافرين لم يقل لهم شيء من هذا ، وإنما أضرب على ذكرهم في الصحابة لشدة ما واقعوه ، ولعدم تعين أحد منهم بالإيمان ، ولاحتمال ردته ، وتوعدهم الله تعالى بأن { مأواهم جهنم } .


[4225]:- جاءت هذه الجملة في بعض النسخ كالآتي: "كأن أصحابنا هؤلاء مسلمون".
[4226]:- من الآية (10) من سورة (العنكبوت).
[4227]:- الآية (110) من سورة (النحل).
[4228]:- أخرجه ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في سننه عن ابن عباس (الدر المنثور) 1/205
[4229]:- أخرجه عبد بن حميد، وابن أبي حاتم، وابن جرير- عن عكرمة- (الدر المنثور).
[4230]:- أخرجه ابن جرير، وابن أبي حاتم- عن السدي. (الدر المنثور).
[4231]:- قال في البحر: "والمعنى: أن الله يوفي الملائكة أنفسهم فيتوفونها، أي يمكنهم من استيفائها فيستوفونها". 3/ 334.
[4232]:- من قوله تعالى في الآية (95) من سورة (المائدة): {يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة}.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ ظَالِمِيٓ أَنفُسِهِمۡ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمۡۖ قَالُواْ كُنَّا مُسۡتَضۡعَفِينَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ قَالُوٓاْ أَلَمۡ تَكُنۡ أَرۡضُ ٱللَّهِ وَٰسِعَةٗ فَتُهَاجِرُواْ فِيهَاۚ فَأُوْلَـٰٓئِكَ مَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَسَآءَتۡ مَصِيرًا} (97)

ِفلمّا جاء ذكر القاعدين عن الجهاد من المؤمنين بعذر وبدونه ، في الآية السالفة ، كان حال القاعدين عن إظهار إسلامهم من الذين عزموا عليه بمكة ، أو اتّبعوه ثمّ صدّهم أهل مكة عنه وفتنوهم حتّى أرجعوهم إلى عبادة الأصنام بعذر وبدونه ، بحيث يخطر ببال السامع أن يتساءل عن مصيرهم إن هم استمرّوا على ذلك حتّى ماتوا ، فجاءت هذه الآية مجيبة عمّا يجيش بنفوس السّامعين من التساؤل عن مصير أولئك ، فكان موقعها استئنافاً بيانياً لسائل متردّد ، ولذلك فصلت ، ولذلك صدّرت بحرف التأكيد ، فإنّ حالهم يوجب شكّاً في أن يكونوا ملحقين بالكفّار ، كيف وهم قد ظهر ميلهم إلى الإسلام . ومنهم من دخل فيه بالفعل ثم صدّ عنه أو فتن لأجله .

والموصول هنا في قوّة المعرّف بلام الجنس ، وليس المراد شخصاً أو طائفة بل جنس من مات ظالماً نفسه ، ولِما في الصلة من الإشعار بعلّة الحكم وهو قوله : { فأولئك مأواهم جهنّم } ، أي لأنّهم ظلموا أنفسهم .

ومعنى { توفّاهم } تُميتهم وتقبض أرواحهم ، فالمعنى : أنّ الذين يموتون ظالمي أنفسهم ، فعدل عن يموتون أو يتُوفَّوْن إلى تَوفّاهم الملائكةُ ليكون وسيلة لبيان شناعة فتنتهم عند الموت .

و« الملائكة » جمع أريد به الجنس ، فاستوى في إفادة معنى الجنس جمعُه ، كما هنا ، ومُفرده كما في قوله تعالى : { قل يتوفّاكم مَلَك الموتِ الذي وكّل بكم } [ السجدة : 11 ] فيجوز أن يكون ملك الموت الذي يقبض أرواحَ الناس واحِداً ، بقوة منه تصل إلى كلّ هالك ، ويجوز أن يكون لكلّ هالك ملَك يقبض روحه ، وهذا أوضح ، ويؤيّده قوله تعالى : { إنّ الذين توفّاهم الملائكة } إلى قوله : { قالوا فيم كُنتم } .

و { تَوفّاهم } فعل مضي يقال : توفّاه الله ، وتَوفّاه ملك الموت ، وإنّما لم يقرن بعلامة تأنيث فاعل الفعل ، لأنّ تأنيث صيغ جموع التكسير تأنيث لفظي لا حقيقي فيجوز لَحاق تَاءِ التأنيث لفعلها ، تقول : غَزَتْ العربُ ، وغَزَى العربُ .

وظلم النفس أن يفعل أحد فِعلا يؤول إلى مضرّته ، فهو ظالم لنفسه ، لأنّه فعل بنفسه ما ليس من شأن العقلاء أن يفعلوه لوخامة عقباه . والظلم هو الشيء الذي لا يحقّ فعله ولا تَرضى به النفوس السليمة والشرائعُ ، واشتهر إطلاق ظلم النفس في القرآن على الكفر وعلى المعصية .

وقد اختُلف في المراد به في هذه الآية ، فقال ابن عباس : المراد به الكفر ، وأنّها نزلت في قوم من أهل مكة كانوا قد أسلموا حين كان الرسول صلى الله عليه وسلم بمكة ، فلمّا هاجر أقاموا مع قومهم بمكة ففتنوهم فارتدّوا ، وخرجوا يوم بدر مع المشركين فكثَّروا سواد المشركين ، فقُتلوا ببدر كافرين ، فقال المسلمون : كان أصحابنا هؤلاء مسلمين ولكنّهم أكرهوا على الكفر والخروج ، فنزلت هذه الآية فيهم . رواه البخاري عن ابن عباس ، قالوا : وكان منهم أبو قيس بن الفاكِه ، والحارث بن زمْعة ، وأبو قيس بن الوليد بن المغيرة ، وعلي بن أمية بن خلف ، والعاص بن منبه بن الحجاج ؛ فهؤلاء قتلوا .

وكان العباس بن عبد المطلب ، وعَقيلٌ ونوفلٌ ابنا أبي طالب فيمن خرج معهم ، ولكن هؤلاء الثلاثة أسِروا وفَدَوْا أنفسهم وأسلموا بعد ذلك ، وهذا أصحّ الأقوال في هذه الأية .

وقيل : أريد بالظلم عدم الهجرة إذ كان قوم من أهل مكة أسلموا وتقاعسوا عن الهجرة . قال السديّ : كان من أسلم ولم يهاجر يعتبر كافراً حتّى يهاجر ، يعني ولو أظهر إسلامه وترك حال الشرك . وقال غيره : بل كانت الهجرة واجبة ولا يكفّر تاركها . فعلى قول السدّي فالظلم مراد به أيضاً الكفر لأنّه معتبر من الكفر في نظر الشرع ، أي أنّ الشرع لم يكتف بالإيمان إذا لم يهاجر صاحبه مع التمكّن من ذلك ، وهذا بعيد فقد قال تعالى : { والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتّى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر } [ الأنفال : 72 ] الآية ؛ فأوجب على المسلمين نصرهم في الدين إن استنصروهم ، وهذه حالة تخالف حالة الكفّار . وعلى قول غيره : فالظلم المعصية العظيمة ، والوعيد الذي في هذه الآية صالح للأمرين ، على أنّ المسلمين لم يعُدّوا الذين لم يهاجروا قبل فتح مكة في عداد الصحابة . قال ابن عطية : لأنّهم لم يتعيّن الذين ماتوا منهم على الإسلام والذين ماتوا على الكفر فلم يعتدّوا بما عرفوا منهم قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم .

وجملة : { قالوا فيمَ كنتم } خبر ( إنّ ) . والمعنى : قالوا لهم قول توبيخ وتهديد بالوعيد وتمهيد لدحض معذرتهم في قولهم : { كنّا مسْتضعفين في الأرض } ، فقالوا لهم { ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها } .

ويجوز أن يكون جملة : { قالوا فيم كنتم } موضع بدل الاشتمال من جملة { توفّاهم } ، فإنّ توفّي الملائكة إيّاهم المحكي هنا يشتمل على قولهم لهم { فيم كنتم } .

وأمّا جملة { قالوا كنّا مستضعفين في الأرض } فهي مفصولة عن العاطف جرياً على طريقة المقاولة في المحاورة ، على ما بيّناه عند قوله تعالى : { قالوا أتجْعل فيها من يفسد فيها } في سورة البقرة . وكذلك جملة : { قالوا ألم تكن أرض الله واسعة } . ويكون خبر ( إنّ ) قوله : { فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً } على أن يكون دخول الفاء في الخبر لكون اسم إنّ موصولاً فإنّه يعامل معاملة أسماء الشروط كثيراً ، وقد تقدّمت نظائره . والإتيان بالفاء هنا أولى لطول الفصل بين اسم ( إنّ ) وخبرها بالمقاولة ، بحيث صار الخبر كالنتيجة لتلك المقاولة كما يدلّ عليه أيضاً اسم الإشارة .

والاستفهام في قوله : { فيم كنتم } مستعْمل للتقرير والتوبيخ .

و ( في ) للظرفية المجازية . و ( ما ) استفهام عن حالة كما دلّ عليه ( في ) . وقد علم المسؤول أنّ الحالة المسؤولون أنّ الحالة المسؤول عنها حالة بقائهم على الكفر أو عدم الهجرة .

فقالوا معتذرين { كنّا مستضعفين في الأرض } .

والمستضعف : المعدود ضعيفاً فلا يعبأ بما يصنع به فليس هو في عزّة تُمَكِّنه من إظهار إسلامه ، فلذلك يضطّر إلى كتمان إسلامه . والأرض هي مكة . أرادوا : كنّا مكرهين على الكفر ما أقمنا في مكة ، وهذا جواب صادق إذ لا مطمع في الكذب في عالم الحقيقة وقد حسبوا ذلك عذراً يبيح البقاء على الشرك ، أو يبيح التخلّف عن الهجرة ، على اختلاف التفسيرين ، فلذلك ردّ الملائكة عليهم بقولهم : { ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها } ، أي تخرجوا من الأرض التي تستضعفون فيها ، فبذلك تظهرون الإيمان ، أو فقد اتّسعت الأرض فلا تعدمون أرضاً تستطيعون الإقامة فيها . وظاهر الآية أنّ الخروج إلى كلّ بلد غير بلد الفتنة يعدّ هجرة ، لكن دلّ قوله : { مهاجراً إلى الله ورسوله } [ النساء : 100 ] أنّ المقصود الهجرة إلى المدينة وهي التي كانت واجبة ، وأمّا هجرة المؤمنين إلى الحبشة فقد كانت قبل وجوب الهجرة ؛ لأنّ النبي وفريقاً من المؤمنين ، كانوا بعدُ بمكة ، وكانت بإذن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا ردّ مفحم لهم .

والمهاجرة : الخروج من الوطن وترك القوم ، مفاعلةٌ من هَجَر إذا ترك ، وإنّما اشتقّ للخروج عن الوطن اسم المهاجرة لأنها في الغالب تكون عن كراهية بين الراحل والمقيمين ، فكلّ فريق يطلب ترك الآخر ، ثم شاع إطلاقها على مفارقة الوطن بدون هذا القيد .

والفاء في قوله : { فأولئك مأواهم جهنّم } [ النساء : 97 ] تفريع على ما حكى من توبيخ الملائكة إيّاهم وتهديدهم .

وجيء باسم الإشارة في قوله : { فأولئك مأواهم جهنم } للتنبيه على أنّهم أحرياء بالحكم الوارد بعد اسم الإشارة من أجْل الصفات المذكورة قبله ، لأنّهم كانوا قادرين على التخلّص من فتنة الشرك بالخروج من أرضه .