تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱلسَّمَآءِ وَٱلطَّارِقِ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة الطارق وهي مكية

يقول [ الله ] تعالى : { وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱلسَّمَآءِ وَٱلطَّارِقِ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الطارق مكية وآيتها سبع عشرة

جاء في مقدمة هذا الجزء أن سوره تمثل طرقات متوالية على الحس . طرقات عنيفة قوية عالية ، وصيحات بنوم غارقين في النوم . . . تتوالى على حسهم تلك الطرقات والصيحات بإيقاع واحد ، ونذير واحد . " اصحوا . تيقظوا . انظروا . تلفتوا . تفكروا . تدبروا . إن هنالك إلها . وإن هنالك تدبيرا . وإن هنالك تقديرا . وإن هنالك ابتلاء . وإن هنالك تبعة . وإن هنالك حسابا وجزاء . وإن هنالك عذابا شديدا ونعيما كبيرا . . "

وهذه السورة نموذج واضح لهذه الخصائص . ففي إيقاعاتها حدة يشارك فيها نوع المشاهد ، ونوع الإيقاع الموسيقي ، وجرس الألفاظ ، وإيحاء المعاني .

ومن مشاهدها : الطارق . والثاقب . والدافق . والرجع . والصدع .

ومن معانيها : الرقابة على كل نفس : ( إن كل نفس لما عليها حافظ ) . . ونفي القوة والناصر : ( يوم تبلى السرائر فما له من قوة ولا ناصر ) . . والجد الصارم : ( إنه لقول فصل وما هو بالهزل ) . .

والوعيد فيها يحمل الطابع ذاته : ( إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا . فمهل الكافرين أمهلهم رويدا ! ) !

وتكاد تتضمن تلك الموضوعات التي أشير إليها في مقدمة الجزء : " إن هنالك إلها . وإن هنالك تدبيرا . وإن هنالك تقديرا . وإن هنالك ابتلاء . وإن هنالك تبعة . وإن هنالك حسابا وجزاء . . . الخ " .

وبين المشاهد الكونية والحقائق الموضوعية في السورة تناسق مطلق دقيق ملحوظ يتضح من استعراض السورة في سياقها القرآني الجميل . .

( والسماء والطارق . وما أدراك ما الطارق ? النجم الثاقب . إن كل نفس لما عليها حافظ ) . .

هذا القسم يتضمن مشهدا كونيا وحقيقة إيمانية .

وهو يبدأ بذكر السماء والطارق

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَٱلسَّمَآءِ وَٱلطَّارِقِ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة الطارق

وهي مكية .

قال عبد الله ابن الإمام أحمد : حدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن محمد - قال : عبد الله وسمعته أنا منه - حدثنا مروان بن معاوية الفزاري ، عن عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي ، عن عبد الرحمن ابن خالد بن أبي جَبل{[1]} العُدْواني ، عن أبيه : أنه أبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم في مُشرّق ثَقيف وهو قائم على قوس - أو : عصا - حين أتاهم يبتغي عندهم النصر ، فسمعته يقول : " وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ " حتى ختمها - قال : فوعيتها في الجاهلية وأنا مشرك ، ثم قرأتها في الإسلام - قال : فدعتني ثقيف فقالوا : ماذا سمعت{[2]} من هذا الرجل ؟ فقرأتها عليهم ، فقال من معهم من قريش : نحن أعلم بصاحبنا ، لو كنا نعلم ما يقول حقا لاتبعناه{[3]} .

وقال النسائي : حدثنا عمرو بن منصور ، حدثنا أبو نعيم ، عن مسْعَر ، عن محارب بن دِثَار ، عن جابر قال : صلى معاذ المغرب ، فقرأ البقرة والنساء ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أفتان يا معاذ ؟ ما كان يكفيك أن تقرأ بالسماء والطارق ، والشمس وضحاها ، ونحو هذا ؟ " {[4]} .

يقسم{[29949]} تعالى بالسماء وما جعل فيها من الكواكب النيرة ؛ ولهذا قال : { وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ } ثم قال { وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ } ثم فسره بقوله : { النَّجْمُ الثَّاقِبُ }

قال قتادة وغيره : إنما سمي النجم طارقا ؛ لأنه إنما يرى بالليل ويختفي بالنهار . ويؤيده ما جاء في الحديث الصحيح : نهى أن يطرق الرجل أهله طروقا{[29950]} أي : يأتيهم فجأة بالليل . وفي الحديث الآخر المشتمل على الدعاء : " إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن " {[29951]} .

وقوله : { الثَّاقِبُ } قال ابن عباس : المضيء . وقال السدي : يثقب الشياطين إذا أرسل عليها . وقال عكرمة : هو مضيء ومحرق للشيطان .


[1]:زيادة من أ.
[2]:ورواه ابن مردويه وأبو الشيخ كما في الدر (3/270).
[3]:في د: "وأديت".
[4]:في د: "إنهم قالوا".
[29949]:- (5) في أ: "أقسم".
[29950]:- (6) رواه البخاري في صحيحه برقم (5243) من حديث جابر، رضي الله عنه.
[29951]:- (1) رواه الإمام أحمد في المسند (3/419) من حديث عبد الرحمن بن خنبش، رضي الله عنه.
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَٱلسَّمَآءِ وَٱلطَّارِقِ} (1)

مقدمة السورة:

وهي مكية لا خلاف بين المفسرين في ذلك .

أقسم الله تعالى ب { السماء } المعروفة في قول جمهور المتأولين ، وقال قوم : { السماء } هنا ، المطر ، والعرب تسمية سماء ، لما كان من السماء ، وتسمي السحاب سماء ، ومن ذلك قول الشاعر [ جرير ] : [ الوافر ]

إذا نزل السماء بأرض قوم . . . رعيناه وإن كانوا غضابا{[11731]}

وقول النابغة : [ الكامل ]

كالأقحوان غداة غب سمائه{[11732]} . . . { والطارق } الذي يأتي ليلاً ، وهو اسم جنس لكل ما يظهر ويأتي ليلاً ، ومنه نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس من أسفارهم أن يأتي الرجل أهله طروقاً{[11733]} ، ومنه طروق الخيال ، وقال الشاعر : [ البسيط ]

يا نائم الليل مغتراً بأوله . . . إن الحوادث قد تطرقن أسحاراً{[11734]}


[11731]:هذا البيت للشاعر معاوية بن مالك الذي سمي "معود الحكماء" ورواية اللسان "إذا سقط السماء" وهذا يؤكد أن المراد بالسماء المطر، يفخر بقومه –على عادة العرب- بأنهم أعزة، ولعزتهم فإنهم يرعون ماشيتهم حيث يشاءون حتى ولو كان ذلك في أرض قوم عرفوا بالعنف والغضب.
[11732]:هذا صدر بيت قاله النابغة ضمن قصيدة يمدح بها النعمان بن وائل الكلبي، والبيت مع بيت قبله يصف أسنان محبوبته وثغرها، ويشبه هذا الثغر بالأقحوان الذي نزل المطر على أرضه وسقاه فأينع، ثم جفت أعاليه وبقى نديا رطبا، والبيتان هما: تجلو بقادمتي حمامة أيكة بردا أسف لثاته بالأثمد كالأقحوان غداة غب سمائه جفت أعاليه وأسفله ندي والأقحوان نبات من الفصيلة المركبة من جنس " أنتاميس وجنس كرزنتيوم"، وتسميه العامة في مصر "أراولة" ، وفي الشام "الغريب"، وغب: عقب وبعد، وسماؤه: مطره، وهي موضع الاستشهاد، والصورة التشبيهية مركبة من لون أبيض صاف تحيط به الخضرة الداكنة مع جفاف في الأعالي وندى في الأسفل.
[11733]:أخرجه البخاري في العمرة والنكاح، ومسلم في الإمارة، والترمذي والدارمي في الاستئذان، وأحمد في مسنده (1/175، 3/302)، ولفظه كما في مسند الدارمي: (عن جابر ابن عبد الله قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطرق الرجل أهله ليلا، أو يخونهم، أو يلتمس عثراتهم)، قال سفيان – راوي الحديث: قوله (أو يخونهم أو يلتمس عثراتهم) ما أدرى أشيء قاله محارب أو شيء هو في الحديث. ورواية أحمد عن سعد بن أبي وقاص أنه قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يطرق الرجل أهله بعد صلاة العشاء).
[11734]:هذا البيت مشهور متداول، ومع ذلك لم يتفق الرواة على قائله، فالقرطبي ينسبه لابن الرومي، وهو بعيد عن روح ابن الرومي، وغير موجود في ديوانه، واستشهد به الحافظ في كتاب الحيوان ولم ينسبه، وذكره الغزالي في كتابه "الإحياء" ويروى (يا راقد الليل مسرورا بأوله)، وبعده بيت آخر يذكر دائما معه في مجال الاستشهاد هو: لا تفرحن بليل طاب أوله فرب آخر ليل أجج النارا
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱلسَّمَآءِ وَٱلطَّارِقِ} (1)

مقدمة السورة:

روى أحمد بن حنبل عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العشاء الآخرة بالسماء ذات البروج والطارق اه . فسماها أبو هريرة : السماء والطارق لأن الأظهر أن الواو من قوله والسماء والطارق واو العطف ، ولذلك لم يذكر لفظ الآية الأولى منها بل أخذ لها اسما من لفظ الآية كما قال في { السماء ذات البروج } .

وسميت في كتب التفسير وكتب السنة وفي المصاحف { سورة الطارق } لوقوع هذا اللفظ في أولها . وفي تفسير الطبري وأحكام ابن العربي ترجمت { والسماء والطارق } .

وهي سبع عشرة آية .

وهي مكية بالاتفاق نزلت قبل سنة عشر من البعثة . أخرج أحمد بن حنبل عن خالد بن أبي جبل العدواني أنه أبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم في مشرق ثقيف وهو قائم على قوس أو عصا حين أتاهم يبتغي عندهم النصر فسمعته يقول { والسماء والطارق } حتى ختمها قال : فوعيتها في الجاهلية ثم قرأتها في الإسلام الحديث .

وعددها في ترتيب نزول السور السادسة والثلاثين . نزلت بعد سورة { لا أقسم بهذا البلد } وقبل سورة { اقتربت الساعة } .

أغراضها

إثبات إحصاء الأعمال والجزاء على الأعمال .

وإثبات إمكان البعث بنقض ما أحاله المشركون ببيان إمكان إعادة الأجسام .

وأدمج في ذلك التذكير بدقيق صنع الله وحكمته في خلق الإنسان .

والتنويه بشأن القرآن .

وصدق ما ذكر فيه من البعث لأن إخبار القرآن به لما استبعدوه وموهوا على الناس بأن ما فيه غير صدق . وتهديد المشركين الذين ناووا المسلمين .

وتثبيت النبي صلى الله عليه وسلم ووعده بأن الله منتصر له غير بعيد .

افتتاح السورة بالقسم تحقيق لما يقسم عليه وتشويق إليه كما تقدم في سوابقها . ووقع القسم بمخلوقَين عظيمين فيهما دلالة على عظيم قدرة خالقهما هما : السماء ، والنجوم ، أو نجم منها عظيم منها معروف ، أو ما يبدو انقضاضه من الشهب كما سيأتي .

و { الطارق } : وصف مشتق من الطروق ، وهو المجيء ليلاً لأن عادة العرب أن النازل بالحي ليلاً يطرق شيئاً من حجر أو وتد إشعاراً لرب البيت أن نزيلاً نزل به لأن نزوله يقضي بأن يضيفوه ، فأطلق الطروق على النزول ليلاً مجازاً مرسلاً فغلب الطروق على القدوم ليلاً .