تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱسۡتِكۡبَارٗا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَكۡرَ ٱلسَّيِّيِٕۚ وَلَا يَحِيقُ ٱلۡمَكۡرُ ٱلسَّيِّئُ إِلَّا بِأَهۡلِهِۦۚ فَهَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ ٱلۡأَوَّلِينَۚ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَبۡدِيلٗاۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَحۡوِيلًا} (43)

وليس إقسامهم المذكور ، لقصد حسن ، وطلب للحق ، وإلا لوفقوا له ، ولكنه صادر عن استكبار في الأرض على الخلق ، وعلى الحق ، وبهرجة في كلامهم هذا ، يريدون به المكر والخداع ، وأنهم أهل الحق ، الحريصون على طلبه ، فيغتر به المغترون ، ويمشي خلفهم المقتدون .

{ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ } الذي مقصوده مقصود سيئ ، ومآله وما يرمي إليه سيئ باطل { إِلَّا بِأَهْلِهِ } فمكرهم إنما يعود عليهم ، وقد أبان اللّه لعباده في هذه المقالات وتلك الإقسامات ، أنهم كذبة في ذلك مزورون ، فاستبان خزيهم ، وظهرت فضيحتهم ، وتبين قصدهم السيئ ، فعاد مكرهم في نحورهم ، ورد اللّه كيدهم في صدورهم .

فلم يبق لهم إلا انتظار ما يحل بهم من العذاب ، الذي هو سنة اللّه في الأولين ، التي لا تبدل ولا تغير ، أن كل من سار في الظلم والعناد والاستكبار على العباد ، أن يحل به نقمته ، وتسلب عنه نعمته ، فَلْيَتَرَّقب هؤلاء ، ما فعل بأولئك .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱسۡتِكۡبَارٗا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَكۡرَ ٱلسَّيِّيِٕۚ وَلَا يَحِيقُ ٱلۡمَكۡرُ ٱلسَّيِّئُ إِلَّا بِأَهۡلِهِۦۚ فَهَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ ٱلۡأَوَّلِينَۚ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَبۡدِيلٗاۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَحۡوِيلًا} (43)

39

استكباراً في الأرض ومكر السيىء ! . .

وإنه لقبيح بمن كانوا يقسمون هذه الأيمان المشددة أن يكون هذا مسلكهم : استكباراً في الأرض ومكر السيىء . والقرآن يكشفهم هذا الكشف ، ويسجل عليهم هذا المسلك . ثم يضيف إلى هذه المواجهة الأدبية المزرية بهم ، تهديد كل من يسلك هذا المسلك الزري :

ولا يحيق المكر السيىء إلا بأهله . .

فما يصيب مكرهم السيى ء أحداً إلا أنفسهم ؛ وهو يحيط بهم ويحيق ويحبط أعمالهم .

وإذا كان الأمر كذلك فماذا ينتظرون إذن ? إنهم لا ينتظرون إلا أن يحل بهم ما حل بالمكذبين من قبلهم ، وهو معروف لهم . وإلا أن تمضي سنة الله الثابتة في طريقها الذي لا يحيد :

( فلن تجد لسنة الله تبديلاً ، ولن تجد لسنة الله تحويلاً ) . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ٱسۡتِكۡبَارٗا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَكۡرَ ٱلسَّيِّيِٕۚ وَلَا يَحِيقُ ٱلۡمَكۡرُ ٱلسَّيِّئُ إِلَّا بِأَهۡلِهِۦۚ فَهَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ ٱلۡأَوَّلِينَۚ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَبۡدِيلٗاۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَحۡوِيلًا} (43)

ثم بين ذلك بقوله : { اسْتِكْبَارًا فِي الأرْضِ } أي : استكبروا عن اتباع آيات الله ، { وَمَكْرَ السَّيِّئِ } أي : ومكروا بالناس في صدِّهم إياهم عن سبيل الله ، { وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ } [ أي : وما يعود وبال ذلك إلا عليهم{[24633]} أنفسهم دون غيرهم .

قال{[24634]} ابن أبي حاتم : ذكر علي بن الحسين ، حدثنا ابن أبي عمر ، حدثنا سفيان ، عن أبي زكريا الكوفي عن رجل حدثه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إياك ومكر السيئ ، فإنه لا يحيق المكر السيئ إلا بأهله ]{[24635]} ، ولهم من الله طالب " ، {[24636]} ، وقد قال محمد بن كعب القُرَظِي : ثلاث من فعلهن لم ينجُ حتى ينزل به من مكر أو بغي أو نكث ، وتصديقها في كتاب الله : { وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ } . { إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ } [ يونس : 23 ] ، { فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ } [ الفتح : 10 ] .

وقوله : { فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلا سُنَّةَ الأوَّلِينَ } يعني : عقوبة الله لهم على تكذيبهم رسله ومخالفتهم أمره{[24637]} ، { فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا } أي{[24638]} لا تغير ولا تبدل ، بل هي جارية كذلك في كل مكذب ، { وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلا } أي : { وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ } [ الرعد : 11 ] ، ولا يكشف ذلك عنهم ، ويحوله عنهم أحد .


[24633]:- في ت : "على".
[24634]:- في ت : "روى".
[24635]:- (6) زيادة من ت، س، أ.
[24636]:- (7) وهذا مرسل ولم أجد مَنْ أخرجه غير ابن أبي حاتم، وقد روى ابن المبارك في الزهد برقم (725) عن الزهري مرسلا نحوه.
[24637]:- في ت : "على تكذيبهم أمره ومخالفتهم رسله".
[24638]:- في ت : "يعني".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ٱسۡتِكۡبَارٗا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَكۡرَ ٱلسَّيِّيِٕۚ وَلَا يَحِيقُ ٱلۡمَكۡرُ ٱلسَّيِّئُ إِلَّا بِأَهۡلِهِۦۚ فَهَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ ٱلۡأَوَّلِينَۚ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَبۡدِيلٗاۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَحۡوِيلًا} (43)

و { استكباراً } قيل فيه بدل من النفور ، وقيل مفعول من أجله ، أي نفروا من أجل الاستكبار ، وأضاف «المكر » إلى { السَّيِّىء } وهو صفة كما قيل دار الآخرة ، ومسجد الجامع ، وجانب الغربي ، وقرأ الجمهور بكسر الهمزة من «السَّيِّىء » وقرأ حمزة وحده{[9750]} «السَّيِّىء » بسكون الهمزة وهو في الثانية برفع الهمزة كالجماعة ، ولحن هذه القراءة الزجاج ووجهها أبو علي الفارسي بوجوه منها أن يكون أسكن لتوالي الحركات{[9751]} كما قال :

قلت صاحب قوم . . . . {[9752]}

على أن المبرد روى هذا قلت صاح ، وكما امرؤ القيس : [ السريع ]

اليوم أشربْ غير مستحقب . . . إثماً من الله ولا واغل{[9753]}

على أن المبرد قد رواه فاشرب وكما قال جرير : [ البسيط ]

سيروا بني العم فالأهواز منزلكم . . . ونهر تيرى ولن تعرفْكم العَرب{[9754]}

وقرأ ابن مسعود «ومكراً سيئاً » ، قال أبو الفتح : يعضده تنكير ما قبله من قوله { استكباراً }{[9755]} ، و { يحيق } معناه يحيط ويحل وينزل ولا يستعمل إلا في المكروه ، وقوله { إلا بأهله } ، أي أنه لا بد أن يحيق بهم إما في الدنيا وإلا ففي الآخرة فعاقبته الفاسدة لهم ، وإن حاق في الدنيا بغيرهم أحياناً فعاقبة ذلك على أهله ، وقال كعب لابن عباس : إن في التوراة «من حفر حفرة لأخيه وقع فيها » ، فقال ابن عباس : أنا أوجدك هذا في كتاب الله تعالى : { ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله }{[9756]} ، و { ينظرون } معناه ينتظرون ، و «السنة » الطريقة والعادة ، وقوله { فلن تجد لسنة الله تبديلاً } أي لتعذيبه الكفرة المكذبين ، وفي هذا توعد بين .


[9750]:وقرأ بها الأعمش أيضا كما قال أبو حيان في البحر المحيط، أما قول ابن عطية: "وأسكنها حمزة وحده" فإن مقصده: وحده من السبعة.
[9751]:ومنها أنه أجرى الوصل مجرى الوقف، ومنها أنه أجرى المنفصل مجرى المتصل.
[9752]:هذا جزء من بيت قاله أبو نخيلة الراجز، والبيت بتمامه: إذا اعوججن قلت صاحب قوّم بالدّوّ أمثال السفين العوّم وأبو نخيلة اسمه يعمر، وكني(أبا نخيلة) لأن أمه ولدته إلى جانب نخلة، وهو من بني كعب بن سعد، والبيت في اللسان(عوم)، وفي شرح السيرافي(باب ما يحتمل الشعر)، وانظر الخصائص لابن جني. وقد استشهد به سيبويه في الكتاب، (باب الإشباع في الجر والرفع وغير الإشباع والحركة كمال هي)، قال:"ومما يسكن في الشعر وهو بمنزلة الجرة، إلا أن من قال(فخذ) لم يسكن ذلك، قال الراجز: إذا اعوججن قلت البيت، فسألت من ينشده هذا البيت من العرب فزعم أنه يريد: صاحبي".والدّوُّ: الصحراء، وأمثال السفين: الرواحل المحملة التي تقطع الصحراء كما تقطع السفين البحر، والعّم: العائمة. وقد قيل ردا على أبي علي في استشهاده بهذا البيت بأن سيبويه لم يجزه وإنما حكاه، والمبرد رواه بحذف الباء فلا شاهد فيه.
[9753]:قال امرؤ القيس هذا البيت حينما أدرك ثأر أبيه فتحلل من نذره ألا يشرب الخمر حتى يثأر له.واستحقب: اكتسب، وأصل الاستحقاب حمل الشيء على الحقيبة، والواغل: الداخل على القوم في شرابهم ولم يدع إليه، والشاهد تسكين الباء من (أشرب) في حال الرفع والوصل، وقد روي البيت:"فاليوم أسقى"، و"فاليوم فاشرب"، وعلى هاتين الروايتين لا شاهد فيه، وقد ذكر ابن عطية الرواية الثانية وهي رواية أبي العباس المبرد.
[9754]:قال جرير هذا البيت من ثلاثة أبيات قالها يهجو بني العم وأعانوا عليه الفرزدق، وقبله يقول: ما للفرزدق من عز يلوذ به إلا بنو العم في أيديهم الخشب ونهر تيرى: بلد م من نواحي الأهواز، والشاهد فيه تسكين الفاء من(تعرف) بعد(لن)، على أن البيت قد روي بالميم، أي:(فلم تعرفكم العرب)، وعلى هذا فلا شاهد فيه. هذا والزجاج يقول: إن هذه القراءة نوع من اللحن؛ لأن القارئ بها قد حذف الإعراب. وقال المبرد:إن هذا لا يجوز في كلام ولا في شعر؛ لأن حركات الإعراب لا يجوز حذفها؛ لأنها دخلت للفرق بين المعنى. وقد أعظم بعض النحويين(وهو أبو جعفر النحاس) أن يكون الأعمش على جلالته ومحله يقرأ بهذا، قال: إنما كان يقف عليه، فغلط من سمع منه، والدليل على هذا أنه تمام الكلام، وأن الثاني لما لم يكن من تمام الكلام أعرب باتفاق، والحركة في الثاني أثقل منها في الأول لأنها ضمة بين كسرتين.
[9755]:قال أبو الفتح في المحتسب:"يشهد لتنكيره تنكير ما قبله من قول الله سبحانه:{استكبارا في الأرض}، وقراءة العامة أقوى معنى؛ وذلك أن(المكر) فيها معرفة لإضافته إلى المعرفة، وحسُنَ تنكير الاستكبار لأنه أدنى إلى"نفور" مما بعده، وقد يحسن مع القرب فيه ما لا يحسن مع العبد، واعتمد ذلك لقوة معناه بتعريفه، والإخبار عنه بأن مثله لا يخفى لعظمه وشناعته".
[9756]:روى الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(لا تمكر، ولا تعن ماكرا، فإن الله تبارك وتعالى يقول:{ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله}، ولا تبغ، ولا تعن باغيا فإن الله تعالى يقول:{ فمن نكث فإنما ينكث على نفسه}.