{ اللَّهُ الصَّمَدُ } أي : المقصود في جميع الحوائج . فأهل العالم العلوي والسفلي مفتقرون إليه غاية الافتقار ، يسألونه حوائجهم ، ويرغبون إليه في مهماتهم ؛ لأنه الكامل في أوصافه ، العليم الذي قد كمل في علمه ، الحليم الذي قد كمل في حلمه ، الرحيم الذي [ كمل في رحمته الذي ] وسعت رحمته كل شيء ، وهكذا سائر أوصافه .
ومعنى أن الله أحد : أنه الصمد . وأنه لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد . . ولكن القرآن يذكر هذه التفريعات لزيادة التقرير والإيضاح :
( الله الصمد ) . . ومعنى الصمد اللغوي : السيد المقصود الذي لا يقضى أمر إلا بإذنه . والله - سبحانه - هو السيد الذي لا سيد غيره ، فهو أحد في ألوهيته والكل له عبيد . وهو المقصود وحده بالحاجات ، المجيب وحده لأصحاب الحاجات . وهو الذي يقضي في كل أمر بإذنه ، ولا يقضي أحد معه . . وهذه الصفة متحققة ابتداء من كونه الفرد الأحد .
وقوله : { اللَّهُ الصَّمَدُ } قال عكرمة ، عن ابن عباس : يعني الذي يصمد الخلائق إليه في حوائجهم ومسائلهم .
قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : هو السيد الذي قد كمل في سؤدده ، والشريف الذي قد كمل في شرفه ، والعظيم الذي قد كمل في عظمته ، والحليم الذي قد كمل في حلمه ، والعليم الذي قد كمل في علمه ، والحكيم الذي قد كمل في حكمته{[30789]} ، وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسؤدد ، وهو الله سبحانه ، هذه صفته لا تنبغي إلا له ، ليس له كفء ، وليس كمثله شيء ، سبحان الله الواحد القهار .
وقال الأعمش ، عن شقيق {[30790]} عن أبي وائل : { الصَّمَدُ } السيد الذي قد انتهى سؤدده ، ورواه عاصم ، بن أبي وائل ، عن ابن مسعود ، مثله .
وقال مالك ، عن زيد بن أسلم : { الصَّمَدُ } : السيد . وقال الحسن ، وقتادة : هو الباقي بعد خلقه . وقال الحسن أيضا : { الصَّمَدُ } الحي القيوم الذي لا زوال له . وقال عكرمة : { الصَّمَدُ } الذي لم يخرج منه شيء ولا يطعم .
وقال الربيع بن أنس : هو الذي لم يلد ولم يولد . كأنه جعل ما بعده تفسيرًا له ، وهو قوله : { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } وهو تفسير جيد . وقد تقدم الحديث من رواية ابن جرير ، عن أبي بن كعب في ذلك ، وهو صريح فيه .
وقال ابن مسعود ، وابن عباس ، وسعيد بن المسيب ، ومجاهد ، وعبد الله بن بُريدة ، وعكرمة أيضا ، وسعيد بن جبير ، وعطاء بن أبي رباح ، وعطية العوفي ، والضحاك ، والسدي : { الصَّمَدُ } الذي لا جوف له .
قال سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد : { الصَّمَدُ } المصمت الذي لا جوف له .
وقال الشعبي : هو الذي لا يأكل الطعام ، ولا يشرب الشراب .
وقال عبد الله بن بُرَيدة {[30791]} أيضًا : { الصَّمَدُ } نور يتلألأ .
روى ذلك كلَّه وحكاه ابن أبي حاتم ، والبيهقي ، والطبراني ، وكذا أبو جعفر بن جرير ساق أكثر ذلك بأسانيده ، وقال :
حدثني العباس بن أبي طالب ، حدثنا محمد بن عمرو بن رومي ، عن عبيد الله بن سعيد قائد الأعمش ، حدثني صالح بن حيان ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه قال : -لا أعلم إلا قد رفعه- ، قال : { الصَّمَدُ } الذي لا جوف له .
وهذا غريب جدًا ، والصحيح أنه موقوف على عبد الله بن بريدة .
وقد قال الحافظ أبو القاسم الطبراني في كتاب السنة له ، بعد إيراده كثيرًا من هذه الأقوال في تفسير " الصمد " : وكل هذه صحيحة ، وهي صفات ربنا ، عز وجل ، وهو الذي يُصمَد إليه في الحوائج ، وهو الذي قد انتهى سؤدده ، وهو الصمد الذي لا جوف له ، ولا يأكل ولا يشرب ، وهو الباقي بعد خلقه . وقال البيهقي نحو ذلك [ أيضا ]{[30792]} . {[30793]}
{ الله الصمد } السيد المصمود إليه في الحوائج ، من صمد إليه إذا قصد ، وهو الموصوف به على الإطلاق ، فإنه يستغني عن غيره مطلقا ، وكل ما عداه محتاج إليه في جميع جهاته وتعريفه لعلمهم بصمديته بخلاف أحديته ، وتكرير لفظة الله للإشعار بأن من لم يتصف به لم يستحق الألوهية ، وإخلاء الجملة عن العاطف ؛ لأنها كالنتيجة للأولى أو الدليل عليها .
و{ الصمد } في كلام العرب السيد الذي يصمد إليه في الأمور ، ويستقل بها ، وأنشدوا : [ الطويل ]
ألا بكر الناعي بخير بني أسد بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد{[4]}
وبهذا تفسر هذه الآية ؛ لأن الله جلت قدرته هو موجود الموجودات ، وإليه تصمد ، وبه قوامها ، ولا َغِنَّي بنفسه إلا هو تبارك وتعالى . وقال كثير من المفسرين : { الصمد } الذي لا جوف له ، كأنه بمعنى المصمت ، وقال الشعبي : هو الذي لا يأكل ولا يشرب ، وفي هذا التفسير كله نظر ؛ لأن الجسم في غاية البعد عن صفات الله تعالى . فما الذي تعطينا هذه العبارات ، و { الله الصمد } ابتداء وخبر ، وقيل : { الصمد } نعت ، والخبر فيما بعد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.