{ قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ ْ } ببيانه وإرشاده ، أو بإلهامه وتوفيقه .
{ قُلِ اللَّهُ ْ } وحده { يَهْدِي لِلْحَقِّ ْ } بالأدلة والبراهين ، وبالإلهام والتوفيق ، والإعانة إلى سلوك أقوم طريق .
{ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي ْ } أي : لا يهتدي { إِلَّا أَنْ يُهْدَى ْ } لعدم علمه ، ولضلاله ، وهي شركاؤهم ، التي لا تهدي ولا تهتدي إلا أن تهدى { فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ْ } أي : أيّ شيء جعلكم تحكمون هذا الحكم الباطل ، بصحة عبادة أحد مع الله ، بعد ظهور الحجة والبرهان ، أنه لا يستحق العبادة إلا الله وحده .
فإذا تبين أنه ليس في آلهتهم التي يعبدون مع الله أوصافا معنوية ، ولا أوصافا فعلية ، تقتضي أن تعبد مع الله ، بل هي متصفة بالنقائص الموجبة لبطلان إلهيتها ، فلأي شيء جعلت مع الله آلهة ؟
فالجواب : أن هذا من تزيين الشيطان للإنسان ، أقبح البهتان ، وأضل الضلال ، حتى اعتقد ذلك وألفه ، وظنه حقًا ، وهو لا شيء . ولهذا قال : وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء
( قل : هل من شركائكم من يهدي إلى الحق ? ) . .
فينزل كتاباً ، ويرسل رسولاً ، ويضع نظاماً ، ويشرع شريعة ، وينذر ويوجه إلى الخير ؛ ويكشف عن آيات الله في الكون والنفس ؛ ويوقظ القلوب الغافلة ، ويحرك المدارك المعطلة . كما هو معهود لكم من الله ومن رسوله الذي جاءكم بهذا كله وعرضه عليكم لتهتدوا إلى الحق ? وهذه قضية ليست من سابق مسلماتهم ، ولكن وقائعها حاضرة بين أيديهم . فليقررها لهم الرسول [ ص ] وليأخذهم بها :
ومن هذه تنشأ قضية جديدة ، جوابها مقرر :
( أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع ? أم من لا يهدي إلا أن يهدى ? ) . .
والجواب مقرر . فالذي يهدي الناس إلى الحق أولى بالاتباع ، ممن لا يهتدي هو بنفسه إلا أن يهديه غيره . .
وهذا ينطبق سواء كان المعبودون حجارة أو أشجاراً أو كواكب . أو كانوا من البشر - بما في ذلك عيسى عليه السلام ، فهو ببشريته محتاج إلى هداية اللّه له ، وإن كان هو قد بعث هاديا للناس - ومن عدا عيسى عليه السلام أولى بانطباق هذه الحقيقة عليه :
( فما لكم ? كيف تحكمون ? ) . .
ما الذي وقع لكم وما الذي أصابكم ? وكيف تقدرون الأمور ، فتحيدون عن الحق الواضح المبين ?
{ قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ } أي : أنتم تعلمون أن شركاءكم لا تقدر على هداية ضال ، وإنما يهدي الحيارى والضلال ، ويقلب القلوب من الغي إلى الرشد الله ، الذي لا إله إلا هو .
{ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلا أَنْ يُهْدَى } أي : أَفَيُتَّبَع [ العبد الذي يهدي إلى الحق ويُبَصّر بعد العمى ، أم الذي لا يهدي إلى شيء إلا ]{[14224]} أن يهدى ، لعماه وبكمه ؟ كما قال تعالى إخبارًا عن إبراهيم أنه قال : { يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا } [ مريم : 42 ] ، وقال لقومه : { أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُون } [ الصافات : 95 ، 96 ] إلى غير ذلك من الآيات .
وقوله : { فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } أي : فما بالكم{[14225]} يُذْهَبُ بعقولكم ، كيف سويتم بين الله وبين خَلقه ، وعدلتم هذا بهذا ، وعبدتم هذا وهذا ؟ وهلا أفردتم الرب جل جلاله المالك الحاكم الهادي من الضلالة بالعبادة وحده ، وأخلصتم إليه الدعوة والإنابة .
{ قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق } بنصب الحجج وإرسال الرسل عليهم الصلاة والسلام والتوفيق للنظر والتدبر ، وهدى كما يعدى بإلى لتضمنه معنى الانتهاء يعدى باللام للدلالة على أن المنتهى غاية الهداية وأنها لم تتوجه نحوه على سبيل الاتفاق ولذلك عدي بها ما أسند إلى الله تعالى . { قل الله يهدي للحق أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يُتّبع أمّن لا يهدي إلاّ أن يُهدى } أم الذي لا يهتدي إلا أن يهدى من قولهم : هدي بنفسه إذا اهتدى ، أو لا يهدي غيره إلا أن يهديه الله وهذا حال أشراف شركائهم كالملائكة والمسيح وعزير ، وقرأ ابن كثير وورش عن نافع وابن عامر " يَهدِّي " بفتح الهاء وتشديد الدال . ويعقوب وحفص بالكسر والتشديد والأصل يهتدي فأدغم وفتحت الهاء بحركة التاء أو كسرت لالتقاء الساكنين . وروى أبو بكر " يهدي " باتباع الياء الهاء . وقرأ أبو عمرو بالإدغام المجرد ولم يبال بالتقاء الساكنين لأن المدغم في حكم المتحرك . وعن نافع برواية قالون مثله وقرئ { إلا أن يهدي } للمبالغة { فما لكم كيف تحكمون } بما يقتضي صريح العقل بطلانه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.