تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأۡكُلُونَ أَمۡوَٰلَ ٱلۡيَتَٰمَىٰ ظُلۡمًا إِنَّمَا يَأۡكُلُونَ فِي بُطُونِهِمۡ نَارٗاۖ وَسَيَصۡلَوۡنَ سَعِيرٗا} (10)

ولما أمرهم بذلك ، زجرهم عن أكل أموال اليتامى ، وتوعد على ذلك أشد العذاب فقال : { إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا } أي : بغير حق . وهذا القيد يخرج به ما تقدم ، من جواز الأكل للفقير بالمعروف ، ومن جواز خلط طعامهم بطعام اليتامى .

فمَنْ أكلها ظلمًا ف { إنما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا } أي : فإن الذي أكلوه نار تتأجج في أجوافهم وهم الذين أدخلوها في بطونهم . { وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا } أي : نارًا محرقة متوقدة . وهذا أعظم وعيد ورد في الذنوب ، يدل على شناعة أكل أموال اليتامى وقبحها ، وأنها موجبة لدخول النار ، فدل ذلك أنها من أكبر الكبائر . نسأل الله العافية .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأۡكُلُونَ أَمۡوَٰلَ ٱلۡيَتَٰمَىٰ ظُلۡمًا إِنَّمَا يَأۡكُلُونَ فِي بُطُونِهِمۡ نَارٗاۖ وَسَيَصۡلَوۡنَ سَعِيرٗا} (10)

1

( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً )

أما اللمسة الثانية ، فهي صورة مفزعة : صورة النار في البطون . . وصورة السعير في نهاية المطاف . . إن هذا المال . . نار . . وإنهم ليأكلون هذه النار . وإن مصيرهم لإلى النار فهي النار تشوي البطون وتشوي الجلود . هي النار من باطن وظاهر . هي النار مجسمة حتى لتكاد تحسها البطون والجلود ، وحتى لتكاد تراها العيون ، وهي تشوي البطون والجلود !

ولقد فعلت هذه النصوص القرآنية ، بإيحاءاتها العنيفة العميقة فعلها في نفوس المسلمين . خلصتها من رواسب الجاهلية . هزتها هزة عنيفة ألقت عنها هذه الرواسب . وأشاعت فيها الخوف والتحرج والتقوى والحذر من المساس - أي مساس - بأموال اليتامى . . كانوا يرون فيها النار التي حدثهم الله عنها في هذه النصوص القوية العميقة الإيحاء . فعادوا يجفلون أن يمسوها ويبالغون في هذا الإجفال !

من طريق عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : لما نزلت : ( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما ) . . الآية . . انطلق من كان عنده يتيم ، فعزل طعامه من طعامه ، وشرابه من شرابه ، فجعل يفضل الشيء ، فيحبس له ، حتى يأكله أو يفسد . فاشتد ذلك عليهم . فذكروا ذلك لرسول الله [ ص ] فأنزل الله : ( ويسألونك عن اليتامى . قل : إصلاح لهم خير ، وإن تخالطوهم فإخوانكم . والله يعلم المفسد من المصلح ، ولو شاء الله لأعنتكم . . )الآية فخلطوا طعامهم بطعامهم ، وشرابهم بشرابهم . .

وكذلك رفع المنهج القرآني هذه الضمائر ، إلى ذلك الأفق الوضيء ؛ وطهرها من غبش الجاهلية ذلك التطهير العجيب . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأۡكُلُونَ أَمۡوَٰلَ ٱلۡيَتَٰمَىٰ ظُلۡمًا إِنَّمَا يَأۡكُلُونَ فِي بُطُونِهِمۡ نَارٗاۖ وَسَيَصۡلَوۡنَ سَعِيرٗا} (10)

ثم أعلمهم أن من أكل مال يتيم ظلما فإنما يأكل في بطنه نارًا ؛ ولهذا قال : { إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا } أي : إذا أكلوا أموال اليتامى بلا سبب ، فإنما يأكلون نارًا تَأجَّج{[6669]} في بطونهم يوم القيامة . وثبت في الصحيحين من حديث سليمان ابن بلال ، عن ثَوْر بن زيد{[6670]} عن سالم أبي الغَيْث ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " اجْتَنبوا السَّبْعَ الموبقات " قيل : يا رسول الله ، وما هن ؟ قال : " الشِّرْكُ بالله ، والسِّحْر ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولِّي يوم الزَّحْفِ ، وقَذْفُ المحصنات المؤمنات الغافلات " .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبيدة{[6671]} أخبرنا أبو عبد الصمد عبد العزيز بن عبد الصمد العمِّى ، حدثنا أبو هاروي{[6672]} العَبْدي عن أبي سعيد الخدري قال : قلنا : يا رسول الله ، ما رأيت

ليلة أسري بك ؟ قال : " انطَلَق بي إلى خَلْقٍ من خَلْقِ الله كثير ، رِجَال ، كل رجل له مِشْفَران كمشفري البعير ، وهو موَكَّل بهم رجال يفكون{[6673]} لحاء{[6674]} أحدهم ، ثم يُجَاءُ بِصَخْرَةٍ من نار فَتُقْذَف في فِي أحدهم حتى يخرج من أسفله ولهم{[6675]} خُوار وصُرَاخ . قلت{[6676]} يا جبريل ، من هؤلاء ؟ قال : هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى ظُلْمًا إنما يأكلون في بطونهم نارا وسَيَصْلَوْن سَعِيرًا " {[6677]} .

وقال السدي : يبعث آكل مال اليتيم يوم القيامة ولهب النار يخرج{[6678]} من فِيهِ ومن مسامعه وأنفه وعينيه ، يعرفه من رآه بأكل مال اليتيم .

وقال أبو بكر ابن مردويه : حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن زيد ، حدثنا أحمد بن عمرو ، حدثنا عقبة بن مكرم ، حدثنا يونس بن بُكَير ، حدثنا زياد بن المنذر ، عن نافع بن الحارث عن أبي برزة ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يبعث يوم القيامة القوم{[6679]} من قبورهم تَأَجَّج أفواههم نارا " قيل : يا رسول الله ، من هم ؟ قال : " ألم تر أن الله قال : { إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا [ إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا ]{[6680]} } الآية .

رواه{[6681]} ابن أبي حاتم ، عن أبي زُرْعة ، عن عُقْبة بن مكرم وأخرجه أبو حاتم بن حبّان في صحيحه ، عن أحمد بن علي بن المثنى ، عن عقبة بن مكرم{[6682]} .

وقال ابن مَردويه : حدثنا عبد الله بن جعفر ، أحمد بن عصام{[6683]} حدثنا أبو عامر العبدي ، حدثنا عبد الله{[6684]} بن جعفر الزهري ، عن عثمان بن محمد ، عن المقبرِيّ ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أُحَرِّجُ مال الضَّعِيفيْن : المرأة واليتيم " {[6685]} أي{[6686]} أوصيكم باجتناب مالهما .

وتقدم في سورة البقرة من طريق عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : لما أنزل الله : { إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا [ إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا ]{[6687]} } انطلق من كان عنده يتيم ، فَعَزَل طعامه من طعامه ، وشرابه من شرابه ، فجعل يفضل الشيء فَيُحْبَس له حتى يأكله أو يفسد{[6688]} فاشتد ذلك عليهم ، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ [ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ]{[6689]} } [ البقرة : 220 ] .


[6669]:في جـ، أ: "تتأجج".
[6670]:في جـ، أ: "يزيد".
[6671]:في أ: "عبد الله".
[6672]:في جـ، ر، أ: "هارون".
[6673]:في أ: "يكفون".
[6674]:في ر: "لحيي".
[6675]:في ر، أ: "وله".
[6676]:في أ: "فقلت".
[6677]:ورواه الطبري في تفسيره (8/27) من طريق معمر عن أبي هارون العبدي به.قال الشيخ أحمد شاكر - رحمه الله: "أبو هارون العبدي هو عمارة بن جوين روى عن أبي سعيد وابن عمر وهو ضعيف، وقالوا: كذاب" قال الدارقطني: "يتلون، خارجي وشيعي" وقال ابن حبان: "كان يروي عن أبي سعيد ما ليس من حديثه لا يحل كتب حديثه إلا على جهة التعجب".
[6678]:في ر: "تخرج".
[6679]:في جـ: "ناس".
[6680]:زيادة من جـ، ر، أ.
[6681]:في جـ، أ: "أخرجه".
[6682]:صحيح ابن حبان برقم (2580) "موارد" من طريق أبي يعلى وهو في مسنده (13/434) وفي إسناده زياد بن المنذر وشيخه نفيع بن الحارث متروكان عند الأئمة.
[6683]:في أ: "عاصم".
[6684]:في ر: "عبيد الله".
[6685]:وفي إسناده أحمد بن عصام الموصلي ضعفه الدارقطني.
[6686]:في أ: "إني".
[6687]:زيادة من جـ، ر، أ، وفي هـ: "الآية".
[6688]:في ر: "أو يفسده".
[6689]:زيادة من جـ، ر، أ.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأۡكُلُونَ أَمۡوَٰلَ ٱلۡيَتَٰمَىٰ ظُلۡمًا إِنَّمَا يَأۡكُلُونَ فِي بُطُونِهِمۡ نَارٗاۖ وَسَيَصۡلَوۡنَ سَعِيرٗا} (10)

{ إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما } ظالمين ، أو على وجه الظلم . { إنما يأكلون في بطونهم } ملء بطونهم . { نارا } ما يجر إلى النار ، ويؤول إليها . وعن أبي بردة رضي الله تعالى عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال : " يبعث الله قوما من قبورهم تتأجج أفواههم نارا " . فقيل : من هم ؟ فقال : " ألم تر أن الله يقول : { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا } { وسيصلون سعيرا } سيدخلون نارا وأي نار " . وقرأ ابن عامر وابن عياش عن عاصم بضم الياء مخففا . وقرئ به مشددا يقال صلى النار قاسى حرها ، وصليته شويته وأصليته وصليته ألقيته فيها ، والسعير فعيل بمعنى مفعول من سعرت النار إذا ألهبتها .