التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأۡكُلُونَ أَمۡوَٰلَ ٱلۡيَتَٰمَىٰ ظُلۡمًا إِنَّمَا يَأۡكُلُونَ فِي بُطُونِهِمۡ نَارٗاۖ وَسَيَصۡلَوۡنَ سَعِيرٗا} (10)

قوله تعالى : ( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا ) . ذهب جمهور العلماء إلى أن هذه الآية قد نزلت في الأوصياء الذين يأكلون ما لا يجوز أكله من مال اليتامى . ولعل الأظهر في الآية أن تدل على العموم ليشمل المراد بها كل من يعتدي على مال اليتيم سواء كان وصيا أو غيره . إذ لا يشترط أن ينحصر أكل مال اليتيم في الأوصياء دون غيرهم فإن كثيرا من الطامعين والعصاة من غير الأوصياء يتطاولون على اليتيم في ماله ليأكلوه دون تورّع أو تقوى .

ولا ينحصر الاعتداء في الأكل ، بل إنه يشمل كل وجوه الأخذ والإتلاف . لكنه قد ذكر الأكل لكونه الغالب في كيفية الاستفادة من المال . وفي الجملة فإن الاعتداء على مال اليتيم بأكله أو استلابه وأخذه بغير حق لا جرم أن يكون ظلما ، والظلم معناه وضع الشيء في غير موضعه ، وهو انحراف وميل عن القسطاس المستقيم وعن شرع الله الحكيم . والآكلون لأموال اليتامى هم من الظلمة الفسّاق الذين ستكتوي جلودهم وأبدانهم بلظى النار الحارقة فضلا عن أكل النار إذ تلج بطونهم فتتأجج فيها تأججا .

ومن لطيف المعنى المنبثق من التعبير بالبطون أن يكون في ذلك بيان لنقص الآكلين وخستهم وما هم عليه من ضعة وابتذال وفساد للطبع . ولا جرم أن يكون ذلك من التشنيع عليهم وإركاسهم في الهوان والحضيض .

وفي ذلك روي عن أبي سعيد الخذري قال : حدّثنا رسول الله ( ص ) عن ليلة أسري به قال : " رأيت قوما لهم مشافر كمشافر الإبل وقد وكّل بهم من يأخذ بمشارفهم ثم يجعل في أفواههم صخرا من نار يخرج من أسافلهم فقلت : يا جبريل من هؤلاء . قال : هم الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما " وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله ( ص ) قال : " اجتنبوا السبع الموبقات " قيل : يا رسول الله وما هن ؟ قال " الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات " وعلى ذلك فإن أكل مال اليتيم لهو من كبائر الإثم والفواحش التي تودي بالآكلين الظالمين في العذاب الشديد .

قوله : ( وسيصلون سعيرا ) من الصلي أو الصلاء وهو حر النار أو الوقود ، أو هو التسخين أو التحمية بالنار سواء كان ذلك بالاقتراب منها أو مباشرتها{[701]} .


[701]:- القاموس المحيط جـ 4 ص 355.