الأولى : قوله تعالى : " إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما " روي أنها نزلت في رجل من غطفان يقال له : مرثد بن زيد ، ولي مال ابن أخيه وهو يتيم صغير فأكله ، فأنزل الله تعالى فيه هذه الآية ، قال مقاتل بن حيان ؛ ولهذا قال الجمهور : إن المراد الأوصياء الذين يأكلون ما لم يبح لهم من مال اليتيم . وقال ابن زيد : نزلت في الكفار الذين كانوا لا يورثون النساء ولا الصغار . وسمي أخذ المال على كل وجوهه أكلا ؛ لما كان المقصود هو الأكل وبه أكثر إتلاف الأشياء . وخص البطون بالذكر لتبيين نقصهم ، والتشنيع عليهم بضد مكارم الأخلاق . وسمى المأكول نارا بما يؤول إليه ، كقوله تعالى : " إني أراني أعصر خمرا " {[4051]} [ يوسف : 36 ] أي عنبا . وقيل : نارا أي حراما ؛ لأن الحرام يوجب النار ، فسماه الله تعالى باسمه . وروى أبو سعيد الخدري قال : حدثنا النبي صلى الله عليه وسلم عن ليلة أسري به قال : ( رأيت قوما لهم مشافر كمشافر الإبل وقد وكل بهم من يأخذ بمشافرهم ، ثم يجعل في أفواههم صخرا من نار يخرج من أسافلهم ، فقلت يا جبريل من هؤلاء ؟ قال : هم الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما ) . فدل الكتاب والسنة على أن أكل مال اليتيم من الكبائر . وقال صلى الله عليه وسلم : ( اجتنبوا السبع الموبقات ) وذكر فيها ( وأكل مال اليتيم ) .
الثانية : قوله تعالى : " وسيصلون سعيرا " وقرأ ابن عامر وعاصم في رواية ابن عباس بضم الياء على اسم ما لم يسم فاعله ، من أصلاه الله حر النار إصلاء . قال الله تعالى : " سأصليه سقر " {[4052]} [ المدثر : 26 ] . وقرأ أبو حيوة بضم الياء وفتح الصاد وتشديد اللام من التصلية لكثرة الفعل مرة بعد أخرى . دليله قوله تعالى : " ثم الجحيم صلوه " {[4053]} [ الحاقة : 31 ] . ومنه قولهم : صليته مرة بعد أخرى . وتصليت : استدفأت بالنار . قال :
وقد تصَّلْيْتُ حرَّ حربهم *** كما تَصَلَّى المقرورُ من قَرَسِ{[4054]}
وقرأ الباقون بفتح الياء من صلي النار يصلاها صلى وصلاة . قال الله تعالى : " لا يصلاها إلا الأشقى " {[4055]} [ الليل : 15 ] . والصلاء هو التسخن بقرب النار أو مباشرتها ، ومنه قول الحارث بن عباد :
لم أكن من جُنَاتِهَا علم الله *** وإني لِحَرِّهَا اليومَ صالِ
والسعير : الجمر المشتعل{[4056]} .
الثالثة : وهذه آية من آيات الوعيد ، ولا حجة فيها لمن يكفر بالذنوب . والذي يعتقده أهل السنة أن ذلك نافذ على بعض العصاة فيصلى ثم يحترق ويموت ، بخلاف أهل النار لا يموتون ولا يحيون ، فكأن هذا جمع بين الكتاب والسنة ، لئلا يقع الخبر فيهما على خلاف مخبره ، ساقط بالمشيئة عن بعضهم ؛ لقوله تعالى : " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء " {[4057]} [ النساء : 48 ] . وهكذا القول في كل ما يرد عليك من هذا المعنى . روى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أما أهل النار الذين هم أهلها فيها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم - أو قال بخطاياهم - فأماتهم الله إماتة حتى إذا كانوا فحما أذن بالشفاعة فجيء بهم ضبائر{[4058]} ضبائر فبثوا على أنهار الجنة ، ثم قيل : يا أهل الجنة أفيضوا عليهم فينبتون كما تنبت الحبة{[4059]} في حميل{[4060]} السيل ) . فقال رجل من القوم كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان يرعى{[4061]} بالبادية .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.