تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱتَّقُواْ فِتۡنَةٗ لَّا تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمۡ خَآصَّةٗۖ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ} (25)

وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً بل تصيب فاعل الظلم وغيره ، وذلك إذا ظهر الظلم فلم يغير ، فإن عقوبته تعم الفاعل وغيره ، وتقوى{[340]} هذه الفتنة بالنهي عن المنكر ، وقمع أهل الشر والفساد ، وأن لا يمكنوا من المعاصي والظلم مهما أمكن .

وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ لمن تعرض لمساخطه ، وجانب رضاه .


[340]:- هكذا في النسختين والمراد ظاهر وهو: أن اتقاء هذه الفتنة يكون بالنهي عن المنكر.00000
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱتَّقُواْ فِتۡنَةٗ لَّا تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمۡ خَآصَّةٗۖ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ} (25)

ثم يحذرهم القعود عن الجهاد ، وعن تلبية دعوة الحياة ، والتراخي في تغيير المنكر في أية صورة كان :

( واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ، واعلموا أن الله شديد العقاب ) . .

والفتنة : الابتلاء أو البلاء . . والجماعة التي تسمح لفريق منها بالظلم في صورة من صوره - وأظلم الظلم نبذ شريعة الله ومنهجه للحياة - ولا تقف في وجه الظالمين ؛ ولا تأخذ الطريق على المفسدين . . جماعة تستحق أن تؤخذ بجريرة الظالمين المفسدين . . فالإسلام منهج تكافلي إيجابي لا يسمح أن يقعد القاعدون عن الظلم والفساد والمنكر يشيع [ فضلا على أن يروا دين الله لا يتبع ؛ بل أن يروا ألوهية الله تنكر وتقوم ألوهية العبيد مقامها ! ] وهم ساكتون . ثم هم بعد ذلك يرجون أن يخرجهم الله من الفتنة لأنهم هم في ذاتهم صالحون طيبون !

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَٱتَّقُواْ فِتۡنَةٗ لَّا تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمۡ خَآصَّةٗۖ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ} (25)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَاتّقُواْ فِتْنَةً لاّ تُصِيبَنّ الّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصّةً وَاعْلَمُوَاْ أَنّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } . .

يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله : اتقوا أيها المؤمنون فتنة ، يقول : اختبارا من الله يختبركم ، وبلاء يبتليكم ، لا تصيبنّ هذه الفتنة التي حذرتكموها الذين ظلموا ، وهم الذين فعلوا ما ليس لهم فعله ، إما أجرام أصابوها وذنوب بينهم وبين الله ركبوها ، يحذّرهم جلّ ثناؤه أن يركبوا له معصية أو يأتوا مأثما يستحقون بذلك منه عقوبة . وقيل : إن هذه الاَية نزلت في قوم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم الذين عنوا بها . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن إبراهيم ، قال : حدثنا الحسن بن أبي جعفر ، قال : حدثنا داود بن أبي هند ، عن الحسن ، في قوله : وَاتّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنّ الّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خاصّةً قال : نزلت في عليّ وعثمان وطلحة والزبير ، رضي الله عنهم .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر : وَاتّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنّ الّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خاصّةً قال قتادة : قال الزبير بن العوّام : لقد نزلت وما نرى أحدا منا يقع بها ، ثم خصتنا في إصابتنا خاصة .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا زيد بن عوف أبو ربيعة ، قال : حدثنا حماد ، عن حميد ، عن الحسن ، أن الزبير بن العوّام ، قال : نزلت هذه الاَية : وَاتّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنّ الّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خاصّةً وما نظننا أهلها ، ونحن عنينا بها .

قال : حدثنا قبيصة ، عن سفيان ، عن الصلت بن دينار ، عن ابن صبهان ، قال : سمعت الزبير بن العوّام يقول : قرأت هذه الاَية زمانا وما أرانا من أهلها ، فإذا نحن المعنيون بها وَاتّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنّ الّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خاصّةً وَاعْلَمُوا أن اللّهَ شَدِيدُ العِقابِ .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : وَاتّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنّ الّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خاصّةً قال : هذه نزلت في أهل بدر خاصة ، وأصابتهم يوم الجمل فاقتتلوا .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن ابن أبي خالد ، عن السديّ : وَاتّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنّ الّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خاصّةً وَاعْلَمُوا أنّ اللّهَ شَدِيدُ العِقابِ قال : أصحاب الجمل .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : حدثنا معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس : وَاتّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنّ الّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خاصّةً قال : أمر الله المؤمنين أن لا يقرّوا المنكر بين أظهرهم فيعمهم الله بالعذاب .

قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وَاتّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنّ الّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خاصّةً قال : هي أيضا لكم .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَاتّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنّ الّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خاصّةً قال : الفتنة : الضلالة .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن المسعودي ، عن القاسم ، قال : قال عبد الله : ما منكم من أحد إلاّ وهو مشتمل على فتنة ، إن الله يقول : إنّمَا أمْوَالُكُمْ وأوْلادُكُمْ فِتْنَة فليستعذ بالله من مُضلات الفتن .

حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا مبارك بن فضالة ، عن الحسن ، قال : قال الزبير : لقد خوّفنا بها ، يعني قوله : وَاتّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنّ الّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خاصّةً .

واختلف أهل العربية في تأويل ذلك ، فقال بعض نحويي البصرة : اتّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنّ الّذِينَ ظَلَمُوا قوله : لا تصيبنّ ، ليس بجواب ، ولكنه نهي بعد أمر ، ولو كان جوابا ما دخلت النون . وقال بعض نحويى الكوفة : قوله : وَاتّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنّ الّذِينَ ظَلَمُوا أمرهم ثم نهاهم ، ومنكم ظرف من الجزاء وإن كان نهيا . قال : ومثله قوله : يا أيّها النّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنّكُمْ سُلَيْمانُ أمرهم ثم نهاهم ، وفيه تأويل الجزاء . وكأن معنى الكلام عنده : اتقوا فتنة إن لم تتقوها أصابتكم .

وأما قوله : وَاعْلَمُوا أنّ اللّهَ شَدِيدُ العِقابِ فإنه تحذير من الله ووعيد لمن واقع الفتنة التي حذره إياها بقوله : وَاتّقُوا فِتْنَةً ، يقول : اعلموا أيها المؤمنون أن ربكم شديد عقابه لمن اقتتن بظلم نفسه وخالف أمره ، فأثم به .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَٱتَّقُواْ فِتۡنَةٗ لَّا تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمۡ خَآصَّةٗۖ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ} (25)

{ واتقوا فتنة لا تصيبنّ الذين ظلموا منكم خاصة } اتقوا ذنبا يعمكم أثره كإقرار المنكر بين أظهركم والمداهنة في الأمر بالمعروف وافتراق الكلمة وظهور البدع والتكاسل في الجهاد على أن قوله لا تصيبن إما جواب الأمر على معنى أن إصابتكم لا تصيب الظالمين منكم خاصة بل تعمكم ، وفيه أن جواب الشرط متردد فلا يليق به النون المؤكدة لكنه لما تضمن معنى النهي ساغ فيه كقوله تعالى : { ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم } وأما صفة ل { لفتنة } ، ولا للنفي وفيه شذوذ لأن النون لا تدخل المنفي في غير القسم ، أو لنهي على إرادة القول كقوله :

حتى إذا جن الظلام واختلط *** جاؤوا بمذق هل رأيت الذئب قط

وإما جواب قسم محذوف كقراءة من قرأ لتصيبن وان اختلفا في المعنى ، ويحتمل أن يكون نهيا بعد الأمر باتقاء الذنب عن التعرض للظلم لأن وباله يصيب الظالم خاصة ويعود عليه ، ومن في منكم على الوجوه الأول للتبعيض وعلى الأخريين للتبيين وفائدته التنبيه على أن الظلم منكم أقبح من غيركم . { واعلموا أن الله شديد العقاب } .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱتَّقُواْ فِتۡنَةٗ لَّا تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمۡ خَآصَّةٗۖ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ} (25)

عُقب تحريضُ جميعهم على الاستجابة ، المستلزمُ تحذيرهم من ضدها بتحذير المستجيبين من إعراض المعرضين ، ليعلموا أنهم قد يلحقهم أذى من جراء فعل غيرهم إذا هم لمُ يُقَوّموا عِوَج قومهم ، كَيلا يحسبوا أن امتثالهم كاف إذا عصى دهماؤهم ، فحذّرهم فتنة تلحقهم فتعم الظالم وغيره .

فإن المسلمين إن لم يكونوا كلمة واحدة في الاستجابة لله وللرسول عليه الصلاة والسلام دب بينهم الاختلاف واضطربت أحوالهم واختل نظام جماعتهم باختلاف الآراء وذلك الحال هو المعبر عنه بالفتنة .

وحاصل معنى الفتنة يرجع إلى اضطراب الآراء ، واختلال السير ، وحلول الخوف والحذر في نفوس الناس ، قال تعالى : { وفتنّاك فتوناً } [ طه : 40 ] وقد تقدم ذكر الفتنة في قوله : { والفتنة أشد من القتل } في سورة [ البقرة : 91 ] .

فعلى عقلاء الأقوام وأصحاب الأحلام منهم إذا رأوا دبيب الفساد في عامتهم أن يبادروا للسعي إلى بيان ما حل بالناس من الضلال في نفوسهم ، وأن يكشفوا لهم ماهيته وشبهته وعواقبه ، وأن يمنعوهم منه بما أوتوه من الموعظة والسلطان ، ويزجروا المفسدين عن ذلك الفساد حتى يرتدعوا ، فإن هم تركوا ذلك ، وتوانوا فيه لم يلبث الفساد أن يسري في النفوس وينتقل بالعدوى من واحد إلى غيره ، حتى يعم أو يكاد ، فيعسر اقتلاعه من النفوس ، وذلك الاختلالُ يفسد على الصالحين صلاحَهم وينكد عيشهم على الرغم من صلاحهم واستقامتهم ، فظهر أن الفتنة إذا حلّت بقوم لا تصيب الظالم خاصة بل تعمه والصالح ، فمن أجل ذلك وجب اتقاؤها على الكل ، لأن إضرار حلولها تصيب جميعهم .

وبهذا تعلم أن الفتنة قد تكون عقاباً من الله تعالى في الدنيا ، فهي تأخذ حكم العقوبات الدنيوية التي تصيب الأمم ، فإن من سُنتها أن لا تخص المجرمين إذا كان الغالب على الناس هو الفساد ، لأنها عقوبات تحصل بحوادث كونية يستتب في نظام العالم الذي سنه الله تعالى في خلق هذا العالم أن يوزع على الأشخاص كما ورد في حديث النهي عن المنكر في الصحيح : أن النبي قال : مثل القائِم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مرّوا على مَن فوقهم فقالوا : لو أنّا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ مَن فوقنا فإنْ يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً وإن أخذوا على أيديهم نجَوا ونجَوا جميعاً وفي « صحيح مسلم » عن زينب بنت جحش أنها قالت : « يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون قال : نعم إذا كثر الخبث ثم يحشْرون على نياتهم » .

وحرف { لا } في قوله : { لا تصيبن } نهي بقرينة اتصال مدخولها بنون التوكيد المختصة بالإثبات في الخبر وبالطلب ، فالجملة الطلبية : إما نعت ل { فتنة } بتقدير قول محذوف ، ومثله وارد في كلام العرب كقول العجاج :

حتى إذا جَن الظلام واختلط *** جاءوا بِمَذْق هَلْ رأيتَ الذئب قط

أي مقول فيه . وباب حذف القول باب متسع ، وقد اقتضاه مقام المبالغة في التحذير هنا والاتقاء من الفتنة فأكد الأمر باتقائها بنهيها هي عن إصابتها إياهم ، لأن هذا النهي من أبلغ صيغ النهي بأن يُوجه النهي إلى غير المراد نهيه تنبيهاً له على تحذيره من الأمر المنهي عنه في اللفظ ، والمقصودُ تحذير المخاطب بطريق الكناية لأن نهي ذلك المذكور في صيغة النهي يستلزم تحذير المخاطب فكأنّ المتكلم يجمع بين نهيين ، ومنه قول العرب : لا أعرِفَنّك تفعل كذا ، فإنه في الظاهر المتكلمِ نفسَه عن فعل المخاطب ، ومنه قوله تعالى : { لا يفتننكم الشيطان } [ الأعراف : 27 ] ويسمى هذا بالنهي المحول ، فلا ضمير في النعت بالجملة الطلبية .

ويجوز أن تكون جملة : { لا تصيبن } نهياً مستأنفاً تأكيداً للأمر باتقائها مع زيادة التحذير بشمولها مَن لم يكن من الظالمين .

ولا يصح جعل جملة : { لا تصيبن } جواباً للأمر في قوله : { واتقوا فتنة } لأنه يمنع منه قوله : { الذين ظلموا منكم خاصة } وإنما كان يجوز لو قال : « لا تصيبنكم » كما يظهر بالتأمل ، وقد أبطل في « مغني اللبيب » جعل ( لا ) نافية هنا ، ورَد على الزمخشري تجويزه ذلك .

و { خاصة } اسم فاعل مؤنث لجريانه على { فتنة } فهو منتصب على الحال من ضمير { تصيبن } وهي حال مفيدة لأنها المقصود من التحذير .

وافتتاح جملة : { واعلموا أن الله شديد العقاب } بفعل الأمر بالعلم للإهتمام لقصد شدة التحذير ، كما تقدم آنفاً في قوله : { واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلْبه } [ الأنفال : 24 ] والمعنى أنه شديد العقاب لمن يخالف أمره ، وذلك يشمل من يخالف الأمر بالاستجابة .