فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَٱتَّقُواْ فِتۡنَةٗ لَّا تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمۡ خَآصَّةٗۖ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ} (25)

قوله : { واتقوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الذين ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً } أي : اتقوا فتنة تتعدّى الظالم فتصيب الصالح والطالح ، ولا تختص إصابتها بمن يباشر الظلم منكم . وقد اختلف النحاة في دخول هذه النون المؤكدة في { تُصِيبَنَّ } فقال الفراء : هو بمنزلة قولك : انزل عن الدابة لا تطرحنك ، فهو جواب الأمر بلفظ النهى ، أي إن تنزل عنها لا تطرحنك ، ومثله قوله تعالى : { ادخلوا مساكنكم لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سليمان وَجُنُودُهُ } أي : إن تدخلوا لا يحطمنكم . فدخلت النون لما فيه من معنى الجزاء .

وقال المبرد : إنه نهي بعد أمر . والمعنى : النهي للظالمين ، أي لا يقربنّ الظلم ، ومثله ما روي عن سيبويه لا أرينك هاهنا . فإن معناه : لا تكن هاهنا ، فإن من كان هاهنا رأيته . وقال الجرجاني : إن { لا تصيبنّ } نهي في موضع وصف لفتنة . وقرأ عليّ ، وزيد بن ثابت ، وأبيّ وابن مسعود «لتصيبنّ » على أن اللام جواب لقسم محذوف ، والتقدير : اتقوا فتنة والله لتصيبنّ الذين ظلموا منكم خاصة . فيكون معنى هذه القراءة مخالفاً لمعنى قراءة الجماعة ، لأنها تفيد أن الفتنة تصيب الظالم خاصة ، بخلاف قراءة الجماعة . { واعلموا أَنَّ الله شَدِيدُ العقاب } ، ومن شدّة عقابه أنه يصيب بالعذاب من لم يباشر أسبابه ، وقد وردت الآيات القرآنية بأنه لا يصاب أحد إلا بذنبه ، ولا يعذب إلا بجنايته ، فيمكن حمل ما في هذه الآية على العقوبات التي تكون بتسليط العباد بعضهم على بعض . ويمكن أن تكون هذه الآية خاصة بالعقوبات العامة ، والله أعلم . ويمكن أن يقال : إن الذين لم يظلموا قد تسببوا للعقوبة بأسباب : كترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فتكون الأسباب المتعدّية للظالم إلى غيره مختصة بمن ترك ما يجب عليه عند ظهور الظلم .

/خ25