محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَٱتَّقُواْ فِتۡنَةٗ لَّا تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمۡ خَآصَّةٗۖ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ} (25)

{ واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب } .

{ واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة } الفتنة : إما بمعنى الذنب ، كإقرار المنكر ، وافتراق الكلمة والتكاسل في الجهاد وإما بمعنى العذاب . فإن أريد الذنب فإصابته بإصابة أثره ، وإن أريد العذاب ، فإصابته بنفسه . و { لا تصيبن } جواب للأمر ، أي : إن إصابتكم لا تختص إصابتها بمن يباشر الظلم منكم ، بل تشملهم وغيرهم بشؤم صحبتهم ، وتعدي رذيلتهم إلى من يخالطهم ، كقوله تعالى : { ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس } {[4343]} قاله القاشانيّ .

وقد روى الإمام أحمد{[4344]} عن جرير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي هم أعز وأكثر ممن يعملون ، ثم لم يغيروه ، إلا عمهم الله بعقاب " .

وروي نحوه عن عدي بن عميرة وحذيفة والنعمان وعائشة وأم سلمة .

/ قال الكرخي : ولا يستشكل هذا بقوله تعالى : { ولا تزر وازرة وزر أخرى } {[4345]} لأن الناس إذا تظاهروا بالمنكر فالواجب على كل من رآه أن يغيره ، إذا كان قادرا على ذلك فإذا سكت فكلهم عصاة . هذا بفعله ، وهذا برضاه ، وقد جعل تعالى ، بحكمته الراضي بمنزلة العامل ، فانتظم في العقوبة . انتهى .

وذكر القسطلاني أن علامة الرضا بالمنكر عدم التألم من الخلل الذي يقع في الدين بفعل المعاصي ،

فلا يتحقق كون الإنسان كارها له ، إلا إذا تألم للخلل الذي يقع في الدين ، كما يتألم ويتوجع لفقد ماله أو ولده ، فكل من لم يكن بهذه الحالة فهو راض بالمنكر ، فتعمه العقوبة والمصيبة بهذا الاعتبار . انتهى .

وعن ابن عباس : " أمر الله المنؤمنين ألا يقروا المنكر بين أظهرهم ، فيعمهم الله بالعذاب " { واعلموا أن الله شديد العقاب } أي لمن يخالف أوامره .


[4343]:[30 / الروم / 41].
[4344]:أخرجه الإمام أحمد في المسند بالصفحة رقم 361 من الجزء الرابع (طبعة الحلبي).
[4345]:[6/ الأنعام / 164] و [17 / الإسراء / 15] و [39 / الزمر / 7].