التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{وَٱتَّقُواْ فِتۡنَةٗ لَّا تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمۡ خَآصَّةٗۖ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ} (25)

قوله تعالى : { واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب } المراد بالفتنة هنا البلية . وقيل : الهرج ؛ وهو الاختلاط والقتل{[1646]} ، وقيل : الضلالة أو عدم إنكار المنكر ، أو التلهي بالأموال والأولاد . وقيل : الفتنة ، ظهور البدع . وقيل : افتراق الكلمة ، وأن يختلف الناس اختلافا كبيرا فيخالف يعضهم بعضا . وقيل مجموع ذلك كله . وهذا الخطاب ظاهره العموم باتقاء الفتنة وهو مجانبتها والحذر منها على اختلاف معانيها وصورها ؛ فإنها إذا نزلت لا تختص بالظالم وحده ولكنها تعم الصالح والطالح . وقد ذكر عن ابن عباس قال : أمر الله المؤمنين أن لا يقروا المنكر بين أظهرهم فيعمهم الله بالعذاب . فقد جاء في البخاري والترمذي أن الناس إذا رأوا الظالم ولم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم اله بعذاب من عنده . وفي مسلم من حديث زينب بنت جحش : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : ( نعم إذا كثر الخبث ) والخبث ، بفتحتين ، معناه النجس . والمراد به هنا كثرة الذنوب{[1647]} روي أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم ، والقائم فيها خير من الماشي ، والماشي فيها خير من الساعي ؛ من تشرف لها تستشرفه ، فمن وجد ملجأ أو معاذا فليعذ به ) وفي الخبر : ( إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم ، وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه . فإذا فعلوا ذلك عذاب الله العالمة والخاصة ) .

وقال المفسرون : نزلت هذه الآية في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومعناه : تقوا فتنة تصيب الظالم وغير الظالم . وقال السحن البصير : نزلت الآية في علي وعمار وطلحة والزبير ( رضي الله عنهم ) . قال الزبير : لقد قرأنا هذه الآية زمانا وما أرٍدانا من أهلها فإذا نحن المعنيون بها ، يعني ما كان يوم الجمل . وقال السدي ومقاتل الضحاك وقتادة : هذا في قوم مخصوصين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابتهم الفتنة يوم الجمل .

قوله : واعلموا أن الله شديد العقاب } ذلك تهديد للذين لا يتقون الله ، لا في أنفسهم ولا في دينهم ولا في المسلمين ؛ فهم يهلكون أنفسهم بإيقاعها في المعاصي والآثام ؛ إذ لا يأتمرون بأوامر الله ، فلا يأمرون الناس بالمعروف ولا يعظونهم أو ينبهونهم ، ولا يرغبونهم في دين الله وفعل الخيرات ، ولا ينهونهم عن المنكر ، ولا يحذرونهم منه تحذيرا ، ولا يبصرونهم بعواقبه البئيسة الوخيمة . وكذلك لا يتقون الله في المسلمين ؛ إذ يثيرون بينهم الاختلافات ويفتعلون بينهم المشكلات والقضايا من غير داع ولا جدوى إلا العبث وفساد القصد والفتنة وإشاعة الهرج والفوضى . وفي ذلك من خبيث المقاصد وسوء النوايا وفظاعة الأفعال المريبة الشريرة ما يستوجب أن يحيق العذاب الشديد من الله بأولئك الذين لا يرعون للإسلام والمسلمين أيما اعتبار أو اهتمام إلا الرغبة في الكيد والتدمير . أولئك الذين لا يبتغون ولا يرومون في الحياة إلا قضاء حاجاتهم ومصالحهم وشهواتهم وأهوائهم الذاتية بأي سبيل أو أسلوب .


[1646]:القاموس المحيط ص 268.
[1647]:المعجم الوسيط جـ 1 ص 214.