مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَٱتَّقُواْ فِتۡنَةٗ لَّا تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمۡ خَآصَّةٗۖ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ} (25)

قوله تعالى : { واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب }

اعلم أنه تعالى كما حذر الإنسان أن يحال بينه وبين قلبه ، فكذلك حذره من الفتن ، والمعنى : واحذروا فتنة إن نزلت بكم لم تقتصر على الظالمين خاصة بل تتعدى إليكم جميعا وتصل إلى الصالح والطالح . عن الحسن : نزلت في علي وعمار وطلحة والزبير وهو يوم الجمل خاصة . قال الزبير : نزلت فينا وقرأناها زمانا وما ظننا أنا أهلها فإذا نحن المعنيون بها ، وعن السدي : نزلت في أهل بدر اقتتلوا يوم الجمل ، وروي أن الزبير كان يسامر النبي صلى الله عليه وسلم يوما إذ أقبل علي رضي الله عنه ، فضحك إليه الزبير فقال رسول الله : «كيف حبك لعلي ، فقال يا رسول الله أحبه كحبي لولدي أو أشد فقال : «كيف أنت إذا سرت إليه تقاتله » .

فإن قيل : كيف جاز دخول النون المؤكدة في جواب الأمر ؟

قلنا : فيه وجهان : الأول : أن جواب الأمر جاء بلفظ النهي ، ومتى كان كذلك حسن إدخال النون المؤكدة في ذلك النهي ، كقولك انزل عن الدابة لا تطرحك ، وكقوله تعالى : { يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده } الثاني : أن التقدير : واتقوا فتنة تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ، إلا أنه جيء بصيغة النهي مبالغة في نفي اختصاص الفتنة بالظالمين كأن الفتنة نهيت عن ذلك الاختصاص . وقيل لها لا تصيبي الذين ظلموا خاصة ، والمراد منه : المبالغة في عدم الاختصاص على سبيل الاستعارة .

ثم قال تعالى : { واعلموا أن الله شديد العقاب } والمراد منه : الحث على لزوم الاستقامة خوفا من عقاب الله .

فإن قيل : حاصل الكلام في الآية أنه تعالى يخوفهم من عذاب لو نزل لعم المذنب وغيره ، وكيف يليق برحمة الرحيم الحكيم أن يوصل الفتنة والعذاب إلى من لم يذنب ؟

قلنا : إنه تعالى قد ينزل الموت والفقر والعمى والزمانة بعبده ابتداء ، إما لأنه يحسن منه تعالى ذلك بحكم المالكية ، أو لأنه تعالى علم اشتمال ذلك على نوع من أنواع الصلاح على اختلاف المذهبين ، وإذا جاز ذلك لأحد هذين الوجهين فكذا ههنا . والله أعلم .