الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَٱتَّقُواْ فِتۡنَةٗ لَّا تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمۡ خَآصَّةٗۖ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ} (25)

وقوله : { واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة }[ 25 ] .

المبرد يذهب إلى أن { تصيبن } ، نهي ، فلذلك دخلت " النون " {[27165]} .

والمعنى في النهي : للظالمين ، أي : لا تقربوا / الظلم ، وهو مثل ما حكى سيبويه{[27166]} من قوله : ( لا أرينك هاهنا ) ، أي : لا تكن هاهنا ؛ فإن من يكون هاهنا أراه{[27167]} .

وقال الزجاج : هو خبر{[27168]} . ودخلته{[27169]} " النون " ؛ لأن فيه قوة الجزاء ، قال : وزعم بعضهم{[27170]} أنه جزاء فيه ضرب{[27171]}من النهي ، ومثله مما اختلف فيه : { ادخلوا{[27172]} مساكنكم لا يحطمنكم سليمان }{[27173]} .

ومعنى ذلك : أنها أمر من الله للمؤمنين أن يتقوا اختبارا وبلاء يبتليهم{[27174]} به ، لا يصيبن ذلك { الذين ظلموا } بل يصيب الظالمين وغيرهم . فالظالمون هم الفاعلون الكفر{[27175]} .

وقيل : نزلت في قوم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وهم أصحاب الجمل{[27176]} .

قال ابن عباس : أمر الله المؤمنين ألا يُقِروا{[27177]} المنكر بين أظهرهم ، فيعميهم الله بالعذاب{[27178]} .

وقال الزبير{[27179]} ، يوم الجمل لما لقي ما لقي ، : ما توهمت أن هذه الآية نزلت في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، إلا اليوم{[27180]} .

وقال{[27181]} القتيبي معناه : لا تخص الظالم ، ولكنها تعم الظالم وغيره{[27182]} .

وقوله تعالى : { هل يهلك إلا القوم الظالمون }{[27183]} .

يدل على أن العقوبة تخص الظالم . وقد يدخل المداهن{[27184]} الساكت على رؤية{[27185]} المنكر في الظلم ، فيكون ممن يلحقه العقاب{[27186]} مع الظالم .

وقد قال الحسن : إن الآية نزلت في علي ، وعثمان{[27187]} . وطلحة ، والزبير [ رضي الله عنهم ]{[27188]} .

وأكثر الناس على أن حكمها باق في الظالم ، والمداهن الساكت على إنكار المنكر ، وهو يقدر على إنكاره ، فإن كان لا يقدر على الإنكار ، وخاف على نفسه ، أنكر على قدر استطاعته أو بقلبه{[27189]} .

قوله : { واعلموا أن الله شديد العقاب }[ 25 ] .

أي : لمن عصاه وخالف أمره{[27190]} .


[27165]:في المحرر الوجيز 2/515: "والتأويل الآخر في الآية: هو أن يكون قوله: {واتقوا فتنة}، خطابا عاما لجميع المؤمنين، مستقلا بنفسه، تم الكلام عنده. ثم ابتدأ نهي الظلمة خاصة عن التعرض للظلم فتصيبهم الفتنة خاصة..وهو قول أبي العباس المبرد..". وفي تفسير القرطبي 7/249: "وقال أبو العباس المبرد: إنه نهي بعد أمر". وفي البحر المحيط 4/478: "...وخرَّج المبرد، والفراء، والزجاج، قراءة {لا تصيبن} على أن تكون ناهية...". وفي جامع البيان 13/475: "فقال بعض نحويي البصرة:...، قوله: {لا تصيبن} ليس بجواب، ولكنه نهي بعد أمر، ولو كان جوابا ما دخلت "النون".
[27166]:الكتاب 3/101: هذا باب الحروف التي تنزل بمنزلة الأمر والنهي، لأن فيها معنى الأمر والنهي. وفي الأصل: للأرينك، وهو تحريف.
[27167]:تفسير القرطبي 7/249، وفتح القدير 2/342، ولمزيد بيان، انظر: التبيان في إعراب القرآن 2/621، والبحر المحيط 4/477، والدر المصون 3/411، والتحرير والتنوير 9/317.
[27168]:في الأصل: خير، وهو تصحيف.
[27169]:في الأصل: ودخلنه، وهو تصحيف.
[27170]:الفراء في معاني القرآن 1/407.
[27171]:كذا في المخطوطتين. وفي معاني القرآن للفراء 1/407، وجامع البيان 13/475، وانظر: فيه هامش الشيخ شاكر، ومعاني القرآن للزجاج 2/410، وزاد المسير 3/341، طرف، بالطاء المهملة. وتصحفت في المحرر الوجيز 2/415، إلى: طرق، بالقاف.
[27172]:النمل آية 18، والآية بتمامها: {حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون}.
[27173]:معاني القرآن وإعرابه 2/410 بلفظ: "...وزعم بعض النحويين: أن الكلام جزاء، فيه طرف من النهي، فإذا قلت: انزل عن الدابة لا تطرحك ولا تطرحنك، فهذا جواب الأمر بلفظ النهي، فالمعنى: إن تنزل عنها لا تطرحك، فإذا أتيت بالنون الخفيفة أو الثقيلة كان أوكد للكلام. ومثله: {يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم} إنها أمرت بالدخول، ثم نهتهم أن يحطمهم سليمان، فقالت: {لا يحطمنكم سليمان وجنوده} فلفظ النهي لسليمان، ومعناه، للنمل..." انظر: معاني القرآن للفراء 1/407، وجامع البيان13/475، وأحكام ابن العربي 2/848، والمحرر الوجيز 2/515، وزاد المسير 3/341، وتفسير القرطبي 7/249، والبحر المحيط 4/478، والدر المصون 3/411.
[27174]:في الأصل: ييتليهم، وهو تصحيف. وفي "ر": ساءهم.
[27175]:انظر: جامع البيان 13/473، فكلام مكي هاهنا منتزع منه.
[27176]:جامع البيان 13/473.
[27177]:في الأصل: ألا يقرب، وهو تحريف.
[27178]:صحيفة علي بن أبي طلحة عن ابن عباس 250، وجامع البيان 13/484، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1682، وتفسير البغوي 3/346، بزيادة: "يصيب الظالم وغير الظالم"، وزاد المسير 3/341، وتفسير ابن كثير 2/299، وفيه: "وهذا تفسير حسن جدا"، والدر المنثور 4/47.
[27179]:هو: الزبير بن العوام بن خويلد القرشي الأسدي، أبو عبد الله، أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الستة أصحاب الشورى. انظر الإصابة 2/457-461.
[27180]:انظر: تفسير عبد الرزاق الصنعاني 2/257، وجامع البيان 13/474، 473، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1682، وزاد المسير 3/341، وتفسير ابن كثير 2/298، 299، والدر المنثور 4/46، وفتح القدير 2/343.
[27181]:في الأصل: القتبي.
[27182]:تفسير غريب القرآن 178، بلفظ: "لا تصيبن الظالمين خاصة...".
[27183]:الأنعام: 48، والآية بتمامها: {قل أرأيتكم إن آتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة...} وفي المخطوطتين: {فهل} بـ"الفاء"، وأثبت نص التلاوة، وزيادة "الفاء"، في سورة الأحقاف آية 37: {...فهل يهلك إلا القوم الفاسقون}[34].
[27184]:داهن: وهي المسالمة والمصالحة. المصباح / دهن.
[27185]:في الأصل: على رواية، وأثبت ما في "ر"، لأنه الأنسب للسياق.
[27186]:في "ر": العذاب.
[27187]:في الأصل: وعمر. وأحسبها محرفة من "عمار"، كما سيأتي في بعض مصادر التوثيق أسفله.
[27188]:التفسير 1/400، وجامع البيان 13/474، وتفسير البغوي 3/345، وفيه: عمار، بدل عثمان، وزاد المسير 3/341، وفيه: عمار، بدل: عثمان، وتفسير الخازن 2/175، وفيه: عمار بدل: عثمان، وتفسير ابن كثير 2/299، وفيه: عمار، بدل: عثمان، والدر المنثور 4/46، وفتح القدير 2/343، والترضية زيادة من المحقق.
[27189]:انظر: أحكام ابن العربي 2/846، 847، وقبسه 3/1173، 1174، باب: عذاب العامة، وتفسير القرطبي 4/248، 249، وتفسير ابن كثير 2/298، وما بعدها.
[27190]:انظر: جامع البيان 13/474، ففيه توضيح ما أوجزه مكي هاهنا.