تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدۡ صَغَتۡ قُلُوبُكُمَاۖ وَإِن تَظَٰهَرَا عَلَيۡهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ مَوۡلَىٰهُ وَجِبۡرِيلُ وَصَٰلِحُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ بَعۡدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ} (4)

[ وقوله : ] { إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } الخطاب للزوجتين الكريمتين من أزواجه صلى الله عليه وسلم عائشة وحفصة رضي الله عنهما ، كانتا سببًا لتحريم النبي صلى الله عليه وسلم على نفسه ما يحبه ، فعرض الله عليهما التوبة ، وعاتبهما على ذلك ، وأخبرهما أن قلوبهما{[1157]}  قد صغت أي : مالت وانحرفت عما ينبغي لهن ، من الورع والأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم ، واحترامه ، وأن لا يشققن عليه ، { وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ } أي : تعاونا{[1158]}  على ما يشق عليه ، ويستمر هذا الأمر منكن ، { فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ } أي : الجميع أعوان للرسول ، مظاهرون ، ومن كان هؤلاء أعوانه{[1159]}  فهو المنصور ، وغيره ممن يناوئه مخذول{[1160]}  وفي هذا أكبر فضيلة وشرف لسيد المرسلين ، حيث جعل الباري نفسه [ الكريمة ] ، وخواص خلقه ، أعوانًا لهذا الرسول الكريم .

وهذا فيه من التحذير للزوجتين الكريمتين ما لا يخفى ،


[1157]:- في ب: أن قلوبكما.
[1158]:- في ب: تتعاونا.
[1159]:- في ب: أنصاره.
[1160]:- في ب: وغيره أن يناوئه فهو مخذول.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدۡ صَغَتۡ قُلُوبُكُمَاۖ وَإِن تَظَٰهَرَا عَلَيۡهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ مَوۡلَىٰهُ وَجِبۡرِيلُ وَصَٰلِحُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ بَعۡدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ} (4)

ويتغير السياق من الحكاية عن حادث وقع إلى مواجهة وخطاب للمرأتين كأن الأمر حاضر :

( إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما . وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير ) . .

وحين نتجاوز صدر الخطاب ، ودعوتهما إلى التوبة لتعود قلوبهما فتميل إلى الله ، فقد بعدت عنه بما كان منها . . حين نتجاوز هذه الدعوة إلى التوبة نجد حملة ضخمة هائلة وتهديدا رعيبا مخيفا . .

ومن هذه الحملة الضخمة الهائلة ندرك عمق الحادث وأثره في قلب رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] حتى احتاج الأمر إلى إعلان موالاة الله وجبريل وصالح المؤمنين . والملائكة بعد ذلك ظهير ! ليطيب خاطر الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] ويحس بالطمأنينة والراحة من ذلك الأمر الخطير !

ولا بد أن الموقف في حس رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وفي محيطه كان من الضخامة والعمق والتأثير إلى الحد الذي يتناسب مع هذه الحملة . ولعلنا ندرك حقيقته من هذا النص ومما جاء في الرواية على لسان الأنصاري صاحب عمر - رضي الله عنهما - وهو يسأله : جاءت غسان ? فيقول لا بل أعظم من ذلك وأطول . وغسان هي الدولة العربية الموالية للروم في الشام على حافة الجزيرة ، وهجومها إذ ذاك أمر خطير . ولكن الأمر الآخر في نفوس المسلمين كان أعظم وأطول ! فقد كانوا يرون أن استقرار هذا القلب الكبير ، وسلام هذا البيت الكريم أكبر من كل شأن . وأن اضطرابه وقلقه أخطر على الجماعة المسلمة من هجوم غسان عملاء الروم ! وهو تقدير يوحي بشتى الدلالات على نظرة أولئك الناس للأمور . وهو تقدير يلتقي بتقدير السماء للأمر ، فهو إذن صحيح قويم عميق .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدۡ صَغَتۡ قُلُوبُكُمَاۖ وَإِن تَظَٰهَرَا عَلَيۡهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ مَوۡلَىٰهُ وَجِبۡرِيلُ وَصَٰلِحُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ بَعۡدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ} (4)

القول في تأويل قوله تعالى : { إِن تَتُوبَآ إِلَى اللّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنّ اللّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ } .

يقول تعالى ذكره : إن تتوبا إلى الله أيتها المرأتان فقد مالت قلوبكما إلى محبة ما كرهه رسول الله صلى الله عليه وسلم من اجتنابه جاريته ، وتحريمها على نفسه ، أو تحريم ما كان له حلالاً مما حرّمه على نفسه بسبب حفصة . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : إنْ تَتُوبا إلى اللّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبَكُما يقول : زاغت قلوبكما ، يقول : قد أثمت قلوبكما .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا محمد بن طلحة ، عن زبيد ، عن مجاهد قال : كنا نرى أن قوله : فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبَكُما شيء هين ، حتى سمعت قراءة ابن مسعود : «إن تَتُوبا إلى اللّهُ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبَكُما » .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبَكُما : أي مالت قلوبكما .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن قتادة فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبَكُما مالت قلوبكما .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبَكُما يقول : زاغت .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان صٍغَتْ قُلُوبَكُما قال : زاغت قلوبكما .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ابن زيد ، قال الله عزّ وجلّ : إنْ تَتُوبا إلى اللّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبَكُما قال : سرهما أن يجتنب رسول الله صلى الله عليه وسلم جاريته ، وذلك لهما موافق صَغَتْ قُلُوبَكُما إلى أن سرّهما ما كره رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وقوله : وَإنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ يقول تعالى ذكره للتي أسّر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثه ، والتي أفشت إليها حديثه ، وهما عائشة وحفصة رضي الله عنهما . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن أبي ثور ، عن ابن عباس قال : لم أزل حريصا على أن أسأل عمر عن المرأتين من أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، اللتين قال الله جلّ ثناؤه : إنْ تَتْوبا إلى اللّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبَكُما قال : فحجّ عمر ، وحججت معه ، فلما كان ببعض الطريق عدل عمر ، وعدلت معه بإداوة ، ثم أتاني فسكبت على يده وتوضأ فقلت : يا أمير المؤمنين ، من المرأتان من أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم اللتان قال الله لهما : إنْ تَتُوبا إلى اللّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبَكُما قال عمر : واعجبا لك يا بن عباس قال الزهري : وكره والله ما سأله ولم يكتم ، قال : هي حفصة وعائشة قال : ثم أخذ يسوق الحديث ، فقال : كنا معشر قريش نغلب النساء ، فلما قدمنا المدينة ، ثم ذكر الحديث بطوله .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن أشهب ، عن مالك ، عن أبي النضر ، عن عليّ بن حسين ، عن ابن عباس ، أنه سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن المتطاهرتين على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : عائشة وحفصة .

حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرنا سفيان ، عن يحيى بن سعيد ، عن عبيد بن حنين أنه سمع ابن عباس يقول : مكثت سنة وأنا أريد أن أسأل عمر بن الخطاب عن المتظاهرتين ، فما أجد له موضعا أسأله فيه حتى خرج حاجا ، وصحبته حتى إذا كان بمرّ الظّهران ذهب لحاجته ، وقال : أدركني بإداوة من ماء فلما قضى حاجته ورجع ، أتيته بالإداوة أصبها عليه ، فرأيت موضعا ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، من المرأتان المتظاهرتان على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فما قضيت كلامي حتى قال : عائشة وحفصة رضي الله عنهما .

حدثنا ابن بشار وابن المثنى ، قالا : حدثنا عمر بن يونس ، قال : حدثنا عكرمة بن عمار ، قال : حدثنا سماك أبو زميل ، قال : ثني عبد الله بن عباس ، قال : ثني عمر بن الخطاب ، قال : لما اعتزل نبيّ الله صلى الله عليه وسلم نساءه ، دخلت عليه وأنا أرى في وجهه الغضب ، فقلت : يا رسول الله ما شقّ عليك من شأن النساء ، فلئن كنت طلقتهن فإن الله معك وملائكته ، وجبرائيل وميكائيل ، وأنا وأبو بكر معك ، وقلما تكلمت وأحمد الله بكلام ، إلا رجوت أن يكون الله مصدّق قولي ، فنزلت هذه الاَية ، آية التخيير : عَسَى رَبّهُ إنْ طَلّقَكُنّ أنْ يُبْدِلَهُ أزْوَاجا خَيْرا مِنْكُنّ ، وَإنْ تَظاهَرَا عَلَيْهِ فإنّ اللّهَ هُوَ مُوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ المُوءْمِنِينَ . . . الاَية ، وكانت عائشة ابنة أبي بكر وحفصة تتظاهران على سائر نساء النبيّ صلى الله عليه وسلم .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : وَإنْ تَظَاهَرَ عَلَيْهِ يقول : على معصية النبيّ صلى الله عليه وسلم وأذاه .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، قال ابن عباس لعمر : يا أمير المؤمنين إني أريد أن أسألك عن أمر وإني لأهابك ، قال : لا تهبني ، فقال : من اللتان تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : عائشة وحفصة .

وقوله : فإنّ اللّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ المُوءْمِنِينَ يقول : فإن الله هو وليه وناصره ، وصالح المؤمنين ، وخيار المؤمنين أيضا مولاه وناصره .

وقيل : عني بصالح المؤمنين في هذا الموضع : أبو بكر ، وعمر رضي الله عنهما . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ بن الحسن الأزدي ، قال : حدثنا يحيى بن يمان ، عن عبد الوهاب ، عن مجاهد ، في قوله وَصَالِحُ المُوءْمِنِينَ قال : أبو بكر وعمر .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا عبيد بن سليمان ، عن الضحاك ، في قوله : وَصَالِحُ المُوءْمِنِينَ قال : خيار المؤمنين أبو بكر الصدّيق وعمر .

حدثنا إسحاق بن إسرائيل ، قال : حدثنا الفضل بن موسى السيناني من قرية بمرو يقال لها سينان عن عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك بن مزاحم يقول في قوله : وَصَالِحُ المُوءْمِنِينَ قال : أبو بكر وعمر .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله وَصَالِحُ المُوءْمِنِينَ يقول : خيار المؤمنين .

وقال آخرون : عُنِي بصالح المؤمنين : الأنبياء صلوات الله عليهم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَصَالِحُ المُوءْمِنِينَ قال : هم الأنبياء .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قوله وَصَالِحُ المُوءْمِنِينَ قال : هم الأنبياء .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان وَصَالِحُ المُوءْمِنِينَ قال الأنبياء .

والصواب من القول في ذلك عندي : أن قوله : وَصَالِحُ المُوءْمِنِينَ وإن كان في لفظ واحد ، فإنه بمعنى الجميع ، وهو بمعنى قوله إنّ الإنْسانَ لَفِي خَسْر فالإنسان وإن كان في لفظ واحد ، فإنه بمعنى الجميع ، وهو نظير قول الرجل : لا تَقريَنّ إلا قارىء القرآن ، يقال : قارىء القرآن ، وإن كان في اللفظ واحدا ، فمعناه الجمع ، لأنه قد أذن لكلّ قارىء القرآن أن يقريه ، واحدا كان أو جماعة .

وقوله : وَالمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلكَ ظَهِيرٌ يقول : والملائكة مع جبريل وصالح المؤمنين لرسول الله صلى الله عليه وسلم أعوان على من آذاه ، وأراد مساءته . والظهير في هذا الموضع بلفظ واحد في معنى جمع . ولو أخرج بلفظ الجميع لقيل : والملائكة بعد ذلك ظهراء . وكان ابن زيد يقول في ذلك ما :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : وَإنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فإن اللّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْريلُ وَصَالِحُ المُوءْمِنِينَ قال : وبدأ بصالح المؤمنين ها هنا قبل الملائكة ، قال : والمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلكَ ظَهِيرٌ .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدۡ صَغَتۡ قُلُوبُكُمَاۖ وَإِن تَظَٰهَرَا عَلَيۡهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ مَوۡلَىٰهُ وَجِبۡرِيلُ وَصَٰلِحُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ بَعۡدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ} (4)

إن تتوبا إلى الله خطاب لحفصة وعائشة على الالتفات للمبالغة في المعاتبة فقد صغت قلوبكما فقد وجد منكما ما يوجب التوبة وهو ميل قلوبكما عن الواجب من مخالصة رسول الله صلى الله عليه وسلم بحب ما يحبه وكراهة ما يكرهه وإن تظاهرا عليه وإن تتظاهرا عليه بما يسؤوه وقرأ الكوفيون بالتخفيف فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين فلن يعدم من يظاهره من الله والملائكة وصلحاء المؤمنين فإن الله ناصره وجبريل رئيس الكروبيين قرينه ومن صلح من المؤمنين أتباعه وأعوانه والملائكة بعد ذلك ظهير متظاهرون وتخصيص جبريل عليه السلام لتعظيمه والمراد بالصالح الجنس ولذلك عمم بالإضافة وبقوله بعد ذلك تعظيم لمظاهرة الملائكة من جملة ما ينصره الله تعالى به .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدۡ صَغَتۡ قُلُوبُكُمَاۖ وَإِن تَظَٰهَرَا عَلَيۡهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ مَوۡلَىٰهُ وَجِبۡرِيلُ وَصَٰلِحُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ بَعۡدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ} (4)

المخاطبة بقوله تعالى : { إن تتوبا } هي لحفصة وعائشة ، وفي حديث البخاري وغيره عن ابن عباس قال : قلت لعمر بن الخطاب : مَن اللتان تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال حفصة وعائشة ، وقوله تعالى : { صغت قلوبكما } ، معناه مالت أي عن المعدلة والصواب ، والصغا : الميل ، ومنه صياغة الرجل وهم حواشيه الذين يميلون إليه ، ومنه أصغى إليه بسمعه ، وأصغى الإناء ، وفي قراءة عبد الله بن مسعود «فقد زاغت قلوبكما » ، والزيغ الميل وعرفه في خلاف الحق ، قال مجاهد : كما نرى صغت شيئاً هيناً حتى سمعنا قراءة ابن مسعود : «زاغت » ، وجمع القلوب من حيث الإنسان جمع ومن حيث لا لبس في اللفظ ، وهذا نظير قول الشاعر [ حطام المجاشعي ] : [ الرجز ]

ظهراهما مثل ظهور الترسين***{[11187]}

ومعنى الآية ، إن تبتما فقد كان منكما ما ينبغي أن يتاب منه ، وهذا الجواب الذي للشرط هو متقدم في المعنى ، وإنما ترتب جواباً في اللفظ ، { وإن تظاهرا } معناه : تتعاونا ، وقرأ جمهور الناس والسبعة «تظاهرا » وأصله تتظاهرا ، فأدغمت التاء في الظاء بعد البدل ، وقرأ عكرمة مولى ابن عباس : «إن تتظاهرا » بتاءين على الأصل ، وقرأ نافع بخلاف عنه وعاصم وطلحة وأبو رجاء والحسن : «تظهرا » بتخفيف الظاء على حذف التاء الواحدة ، وروي عن ابن عمر أنه قرأ : «تظّهّرا » بشد الظاء والهاء دون ألف ، والمولى : الناصر المعين ، وقوله { وجبريل وصالح المؤمنين } يحتمل أن يكون عطفاً على اسم الله تعالى في قوله : { هو } ، فيكون { جبريل وصالح المؤمنين } في الولاية ، ويحتمل أن يكون { جبريل } رفعاً بالابتداء ، وما بعده عطف عليه ، و { ظهير } الخبر فيكون حينئذ من الظهراء لا في الولاية ويختص بأنه مولى الله تعالى ، واختلف الناس في { صالح المؤمنين } ، فقال الطبري وغيره من العلماء : ذلك على العموم ، ويدخل في ذلك كل صالح ، وقال الضحاك وابن جبير وعكرمة : المراد أبو بكر وعمر . ورواه ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم{[11188]} ، وقال مجاهد نحوه ، وقال أيضاً : وعلي ، وروى علي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { صالح المؤمنين } ، علي بن أبي طالب ){[11189]} ذكره الثعلبي . وقال قتادة والعلاء بن زياد وغيره : هم الأنبياء ، وإنما يترتب ذلك بأن تكون مظاهرتهم أنهم قدوة وأسوة فهم عون بهذا ، وقوله تعالى : { وصالح } يحتمل أن يكون اسم جنس مفرداً ، ويحتمل أن يريد «وصالحو » فحذفت الواو في خط المصحف ، كما حذفوها في قوله : { سندع الزبانية }{[11190]} [ العلق : 18 ] وغير ذلك . ويروى عن أنس بن مالك أن عمر بن الخطاب قال للنبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ، لا تكترث بأمر نسائك والله معك وجبريل معك ولو بكر معك ، وأنا معك .

فنزلت الآية موافقة نحو أمر قول عمر{[11191]} .


[11187]:هذا البيت من رجز الشاعر الإسلامي الخطام المجاشعي، يقول: ومهمه قذفين مرتين ظهراهما مثل ظهور التُّرسين والمهمه: القفر المخوف، والقذف- بفتح القاف والذال وقد تكونان بالضم- هو البعيد من الأرض، وفي رواية فدفين، والفدفد: الأرض المستوية، والمرت- بفتح الميم وسكون الراء بعدهما تاء- هو الأرض التي لا ماء فيها ولا نبات، والظهر: ما ارتفع من الأرض، وهو يستشهد بالبيت على جواز معاملة المثنى على أنه جمع، والعرب يقولون: أقل الجمع اثنان؟ لأن التثنية جمع شيء إلى مثله، قال سيبويه: سألت الخليل عن قوله"ما أحسن وجوههما"؟ فقال: الاثنان جماعة، وعلى هذا جاء قوله تعالى:{والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما}، وقال الزجاج نقلا عن بعض النحويين: إنما جُعلت تثنية ما في الإنسان منه واحد. جمعا؛ لأن أكثر أعضائه فيه منها اثنان، فحمل ما كان فيه الواحد على مثال ذلك.
[11188]:أخرجه ابن عساكر عن ابن مسعود رضي الله عنه، وأخرج مثله الطبراني في الأوسط، وابن مردويه، عن ابن عمر، وابن عباس رضي الله عنهم.(الدر المنثور).
[11189]:أخرجه ابن أبي حاتم بسند ضعيف عن علي رضي الله عنه، وأخرج مثله ابن مردويه عن أسماء بنت عُميس.(الدر المنثور).
[11190]:الآية (18) من سورة (العلق).
[11191]:رواه البخاري، عن أنس رضي الله عنه، كذلك رواه ابن أبي حاتم عنه.(الدر المنثور).