تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قَالَ سَـَٔاوِيٓ إِلَىٰ جَبَلٖ يَعۡصِمُنِي مِنَ ٱلۡمَآءِۚ قَالَ لَا عَاصِمَ ٱلۡيَوۡمَ مِنۡ أَمۡرِ ٱللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَۚ وَحَالَ بَيۡنَهُمَا ٱلۡمَوۡجُ فَكَانَ مِنَ ٱلۡمُغۡرَقِينَ} (43)

ف { قَالَ } ابنه ، مكذبا لأبيه أنه لا ينجو إلا من ركب معه السفينة .

{ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ } أي : سأرتقي جبلا ، أمتنع به من الماء ، ف { قَالَ } نوح : { لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ } فلا يعصم أحدا ، جبل ولا غيره ، ولو تسبب بغاية ما يمكنه من الأسباب ، لما نجا إن لم ينجه الله . { وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ } الابن { مِنَ الْمُغْرَقِينَ }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالَ سَـَٔاوِيٓ إِلَىٰ جَبَلٖ يَعۡصِمُنِي مِنَ ٱلۡمَآءِۚ قَالَ لَا عَاصِمَ ٱلۡيَوۡمَ مِنۡ أَمۡرِ ٱللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَۚ وَحَالَ بَيۡنَهُمَا ٱلۡمَوۡجُ فَكَانَ مِنَ ٱلۡمُغۡرَقِينَ} (43)

25

ولكن البنوة العاقة لا تحفل بالأبوة الملهوفة ، والفتوة المغرورة لا تقدر مدى الهول الشامل :

( قال : سآوي إلى جبل يعصمني من الماء ) . .

ثم ها هي ذي الأبوة المدركة لحقيقة الهول وحقيقة الأمر ترسل النداء الأخير :

( قال : لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم ) .

لا جبال ولا مخابئ ولاحام ولا واق . إلا من رحم الله .

وفي لحظة تتغير صفحة المشهد . فها هو ذا الموج الغامر يبتلع كل شيء :

( وحال بينهما الموج فكان من المغرقين ) . .

وإننا بعد آلاف السنين ، لنمسك أنفاسنا - ونحن نتابع السياق - والهول يأخذنا كأننا نشهد المشهد . وهي تجري بهم في موج كالجبال ، ونوح الوالد الملهوف يبعث بالنداء تلو النداء . وابنه الفتى المغرور يأبى إجابة الدعاء ، والموجة الغامرة تحسم الموقف في سرعة خاطفة راجفة وينتهي كل شيء ، وكأن لم يكن دعاء ولا جواب !

وإن الهول هنا ليقاس بمداه في النفس الحية - بين الوالد والمولود - كما يقاس بمداه في الطبيعة ، والموج يطغى على الذرى بعد الوديان . وإنهما لمتكافئان ، في الطبيعة الصامتة وفي نفس الإنسان . وتلك سمة بارزة في تصوير القرآن .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قَالَ سَـَٔاوِيٓ إِلَىٰ جَبَلٖ يَعۡصِمُنِي مِنَ ٱلۡمَآءِۚ قَالَ لَا عَاصِمَ ٱلۡيَوۡمَ مِنۡ أَمۡرِ ٱللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَۚ وَحَالَ بَيۡنَهُمَا ٱلۡمَوۡجُ فَكَانَ مِنَ ٱلۡمُغۡرَقِينَ} (43)

القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ سَآوِيَ إِلَىَ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَآءِ قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاّ مَن رّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ } .

يقول تعالى ذكره : قال ابن نوح لما دعاه نوح إلى أن يركب معه السفينة خوفا عليه من الغرق : سآوِي إلى جَبَلٍ يَعْصِمُني منَ الماءِ يقول : سأصير إلى جبل أتحصن به من الماء ، فيمنعني منه أن يغرقني . ويعني بقوله : يَعْصِمُني يمنعني ، مثل عصام القربة الذي يشدّ به رأسها فيمنع الماء أن يسيل منها . وقوله : لا عاصِمَ اليَوْمَ مِنْ أمْرِ اللّهِ إلاّ مَنْ رَحِمَ يقول : لا مانع اليوم من أمر الله الذي قد نزل بالخلق من الغرق والهلاك إلا من رَحِمنا فأنقَذَنا منه ، فإنه الذي يمنع من شاء من خلقه ويعصم . ف «من » في موضع رفع ، لأن معنى الكلام : لا عاصم يعصم اليوم من أمر الله إلا الله .

وقد اختلف أهل العربية في موضع «مَنْ » في هذا الموضع ، فقال بعض نحويي الكوفة : هو في موضع نصب ، لأن المعصوم بخلاف العاصم ، والمرحوم معصوم قال : كأن نصبه بمنزلة قوله : ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمِ إلاّ اتّباعَ الظّنّ قال : ومن استجاز «اتباعُ الظن » والرفعَ في قوله :

وَبَلْدَةٌ لَيْسَ بِها أنِيسُ *** إلاّ اليَعافِيرُ وَإلاّ العِيسُ

لم يجز له الرفع في «مَنْ » ، لأن الذي قال : إلا اليعافيرُ ، جعل أنيس البر اليعافير وما أشبهها ، وكذلك قوله : إلاّ اتّبَاعَ الظنّ ، يقول علمهم ظَنّ . قال : وأنت لا يجوز لك في وجه أن تقول : المعصوم هو عاصم في حال ، ولكن لو جعلت العاصم في تأويل معصوم ، لا معصوم اليوم من أمر الله ، لجاز رفع «مَنْ » . قال : ولا ينكر أن يخرج المفعول على فاعل ، ألا ترى قوله : مِنْ ماءٍ دَافِقٍ معناه والله أعلم مدفوق ؟ وقوله : فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ معناها : مرضية ؟ قال الشاعر :

دعَ المَكارِمَ لا تَرْحَلْ لِبُغْيَتِها *** وَاقْعُدْ فإنّكَ أنْتَ الطّاعِمُ الكاسِي

ومعناه : المكسوّ . وقال بعض نحويي البصرة : لا عاصِمَ اليَوْمَ مِنْ أمْرِ اللّهِ إلاّ مَنْ رَحِمَ على : لَكِنْ مَنْ رحم ، ويجوز أن يكون على : لا ذا عصمة : أي معصوم ، ويكون «إلا من رحم » رفعا بدلاً من العاصم . ولا وجه لهذه الأقوال التي حكيناها عن هؤلاء ، لأن كلام الله تعالى إنما يوجه إلى الأفصح الأشهر من كلام مَن نزل بلسانه ما وجد إلى ذلك سبيل ، ولم يضطرنا شيء إلى أن نجعل «عاصما » في معنى «معصوم » ، ولا أن نجعل «إلاّ » بمعنى «لكن » ، إذ كنا نجد لذلك في معناه الذي هو معناه في المشهور من كلام العرب مَخْرجا صحيحا ، وهو ما قلنا من أن معنى ذلك : قال نوح : لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحمنا فأنجانا من عذابه ، كما يقال : لا مُنْجِيَ اليوم من عذاب الله إلا الله ، ولا مُطِعم اليوم من طعام زيد إلا زيد . فهذا هو الكلام المعروف والمعنى المفهوم .

وقوله : وَحالَ بَيْنَهُما المَوْجُ فَكانَ مِنَ المُغْرَقِينَ يقول : وحال بين نوح موج الماء ، فغرق ، فكان ممن أهلكه الله بالغرق من قوم نوح صلى الله عليه وسلم . )

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قَالَ سَـَٔاوِيٓ إِلَىٰ جَبَلٖ يَعۡصِمُنِي مِنَ ٱلۡمَآءِۚ قَالَ لَا عَاصِمَ ٱلۡيَوۡمَ مِنۡ أَمۡرِ ٱللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَۚ وَحَالَ بَيۡنَهُمَا ٱلۡمَوۡجُ فَكَانَ مِنَ ٱلۡمُغۡرَقِينَ} (43)

{ قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء } أن يغرقني { قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم } إلا الراحم وهو الله تعالى أو الإمكان من رحمهم الله وهم المؤمنون ، رد بذلك أن يكون اليوم معتصم من جبل ونحوه يعصم اللائذ به إلا معتصم المؤمنين وهو السفينة . وقيل لا عاصم بمعنى لا ذا عصمة كقوله : { في عيشة راضية } وقيل الاستثناء منقطع أي لكن من رحمه الله يعصمه . { وحال بينهما الموج } بين نوح وابنه أو بين ابنه والجبل . { فكان من المُغرقين } فصار من المهلكين بالماء .