تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَوَصَّيۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيۡهِ حُسۡنٗاۖ وَإِن جَٰهَدَاكَ لِتُشۡرِكَ بِي مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٞ فَلَا تُطِعۡهُمَآۚ إِلَيَّ مَرۡجِعُكُمۡ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (8)

{ 8 } { وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ }

أي : وأمرنا الإنسان ، ووصيناه بوالديه حسنا ، أي : ببرهما والإحسان إليهما ، بالقول والعمل ، وأن يحافظ على ذلك ، ولا يعقهما ويسيء إليهما في قوله وعمله .

{ وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } وليس لأحد علم بصحة الشرك باللّه ، وهذا تعظيم لأمر الشرك ، { فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } فأجازيكم بأعمالكم ، فبروا والديكم وقدموا طاعتهما ، إلا على طاعة اللّه ورسوله ، فإنها مقدمة على كل شيء .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَوَصَّيۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيۡهِ حُسۡنٗاۖ وَإِن جَٰهَدَاكَ لِتُشۡرِكَ بِي مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٞ فَلَا تُطِعۡهُمَآۚ إِلَيَّ مَرۡجِعُكُمۡ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (8)

ثم يجيء إلى لون من ألوان الفتنة أشرنا إليه في مطلع السورة : فتنة الأهل والأحباء . فيفصل في الموقف الدقيق بالقول الحازم الوسط ، لا إفراط فيه ولا تفريط :

( ووصينا الإنسان بوالديه حسنا . وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما ، إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون . والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين ) . .

إن الوالدين لأقرب الأقرباء . وإن لهما لفضلا ، وإن لهما لرحما ؛ وإن لهما لواجبا مفروضا : واجب الحب والكرامة والإحترام والكفالة . ولكن ليس لهما من طاعة في حق الله . وهذا هو الصراط : ( ووصينا الإنسان بوالديه حسنا . وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما ) . .

إن الصلة في الله هي الصلة الأولى ، والرابطة في الله هي العروة الوثقى . فإن كان الوالدان مشركين فلهما الإحسان والرعاية ، لا الطاعة ولا الاتباع . وإن هي إلا الحياة الدنيا ثم يعود الجميع إلى الله .

( إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون ) . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَوَصَّيۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيۡهِ حُسۡنٗاۖ وَإِن جَٰهَدَاكَ لِتُشۡرِكَ بِي مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٞ فَلَا تُطِعۡهُمَآۚ إِلَيَّ مَرۡجِعُكُمۡ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (8)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَوَصّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَآ إِلَيّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } .

يقول تعالى ذكره : وَوَصّيْنا الإنْسانَ فيما أنزلنا إلى رسولنا بِوَالِدَيْهِ أن يفعل بهما حُسْنا .

واختلف أهل العربية في وجه نصب الحسن ، فقال بعض نحويّي البصرة : نُصب ذلك على نية تكرير وصّينا . وكأن معنى الكلام عنده : ووصينا الإنسان بوالديه ، ووصيناه حسنا . وقال : قد يقول الرجل وصيته خيرا : أي بخير .

وقال بعض نحويي الكوفة : معنى ذلك : ووصينا الإنسان أن يفعل حُسنا ، ولكن العرب تسقط من الكلام بعضه إذا كان فيما بقي الدلالة على ما سقط ، وتعمل ما بقي فيما كان يعمل فيه المحذوف ، فنصب قوله حُسْنا وإن كان المعنى ما وصفت وصينا ، لأنه قد ناب عن الساقط ، وأنشد في ذلك :

عَجِبْتُ مِنْ دَهْماءَ إذْ تَشْكُونا *** وَمِنْ أبي دَهْماءَ إذْ يُوصِينا

*** خَيْرا بها كأنّنا جافُونا ***

وقال : معنى قوله : يوصينا خيرا : أن نفعل بها خيرا ، فاكتفى بيوصينا منه ، وقال : ذلك نحو قوله فَطَفِقَ مَسْحا أي يمسح مسحا .

وقوله : وَإنْ جاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما يقول : ووصينا الإنسان ، فقلنا له : إن جاهداك والداك لتشرك بي ما ليس لك به علم أنه ليس لي شريك ، فلا تطعهما فتشرك بي ما ليس لك به علم ابتغاء مرضاتهما ، ولكن خالفهما في ذلك إليّ مرجعكم يقول تعالى ذكره : إليّ معادكم ومصيركم يوم القيامة فَأُنَبّئكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ يقول : فأخبركم بما كنتم تعملون في الدنيا من صالح الأعمال وسيئاتها ، ثم أجازيكم عليها المحسن بالإحسان ، والمسيء بما هو أهله .

وذُكر أن هذه الاَية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب سعد بن أبي وقاص . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة وَوَصّيْنا الإنْسانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنا . . . إلى قوله فَأُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ قال : نزلت في سعد بن أبي وَقّاص لما هاجر ، قالت أمه : والله لا يُظِلّني بيت حتى يرجع ، فأنزل الله في ذلك أن يُحْسِن إليهما ، ولا يطيعَهما في الشرك .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَوَصَّيۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيۡهِ حُسۡنٗاۖ وَإِن جَٰهَدَاكَ لِتُشۡرِكَ بِي مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٞ فَلَا تُطِعۡهُمَآۚ إِلَيَّ مَرۡجِعُكُمۡ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (8)

{ ووصينا الإنسان بوالديه حسنا } بإيتائهما فعلا ذا حسن ، أو كأنه في ذاته حسن لفرط حسنه ووصى يجري مجرى أمر معنى وتصرفا . وقيل هو بمعنى قال أي وقلنا له أحسن بوالديك { حسنا } ، وقيل { حسنا } منتصب بفعل مضمر على تقدير قول مفسر للتوصية أي قلنا أولهما أو افعل بهما { حسنا } وهو أفق لما بعده وعليه يحسن الوقف على { بوالديه } ، وقرئ { حسنا } و " إحسانا " . { وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم } بإلهيته عبر عن نفيها بنفي العلم بها إشعارا بأن ما لا يعلم صحته لا يجوز اتباعه وإن لم يعلم بطلانه فضلا عما علم بطلانه . { فلا تطعهما } في ذلك فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، ولا بد من إضمار القول إن لم يضمر قبل . { إلي مرجعكم } مرجع من آمن منكم ومن أشرك ومن بر بوالديه ومن عق . { فأنبئكم بما كنتم تعملون } بالجزاء عليه ، والآية نزلت في سعد بن أبي وقاص وأمه حمنة ، فإنها لما سمعت بإسلامه حلفت أنها لا تنتقل من الضح ولا تطعم ولا تشرب حتى يرتد ولبثت ثلاثة أيام كذلك وكذا التي في " لقمان " " والأحقاف " .