محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَوَصَّيۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيۡهِ حُسۡنٗاۖ وَإِن جَٰهَدَاكَ لِتُشۡرِكَ بِي مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٞ فَلَا تُطِعۡهُمَآۚ إِلَيَّ مَرۡجِعُكُمۡ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (8)

{ وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا } أي أمرناه أمرا مؤكدا بإيلاء والديه فعلا ذا حسن عظيم { وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا } أي في الشرك ، إذا حملاك عليه . ومعنى { مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } أي لا علم لك بإلهيته . قال القاضي : عبر عن نفيها بنفي العلم بها ، للإيذان بأن ما لا يعلم صحته ، لا يجوز اتباعه ، وإن لم يعلم بطلانه . فكيف بما علم بطلانه ؟ { إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } أي إلي مرجع من آمن منكم ومن أشرك . فأجازيكم حق جزائكم . فيه التحذير من متابعتهما على الشرك والحث على الثبات والاستقامة في الدين ، بذكر المرجع والوعيد . وقد روي : ( أن سعد بن أبي وقاص الزهري رضي الله عنه حين أسلم ، قالت أمه : يا سعد ! بلغني أنك قد صبأت . فوالله ! لا يظلني سقف بيت من الضح والريح . وإن الطعام والشراب علي حرام ، حتى تكفر بمحمد وكان أحب ولدها إليها . فأبى سعد . وبقيت ثلاثة أيام كذلك . فجاء سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وشكا إليه . فنزلت هذه الآية ، والتي في لقمان ، والتي في الأحقاف . فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يداريها ويترضاها بالإحسان ) . وروى الترمذي عن سعد {[6034]} قال : ( نزلت في أربع آيات . فذكر قصته وقال : قالت أم سعد : أليس الله قد أمرك بالبر ؟ والله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتى أموت ، أو تكفر . فكانوا إذا أرادوا أن يطعموها شجروا فاها . فنزلت هذه الآية ) .

قال ابن كثير : وهذا الحديث رواه الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي أيضا .

وقال الترمذي : حسن صحيح .


[6034]:أخرجه الترمذي في: 44 – كتاب التفسير، 29 – سورة العنكبوت، حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى.