فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَوَصَّيۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيۡهِ حُسۡنٗاۖ وَإِن جَٰهَدَاكَ لِتُشۡرِكَ بِي مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٞ فَلَا تُطِعۡهُمَآۚ إِلَيَّ مَرۡجِعُكُمۡ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (8)

{ ووصينا الإنسان بوالديه حسنا } أي ايصاء حسنا على المبالغة قاله الكواشي ، أو ذا حسن ، وهذا مذهب البصريين ، أو أن يفعل حسنا قاله الكوفيون قال الزجاج : أن يفعل بوالديه ما يحسن وقيل : وصيناه أمرا ذا حسن ؛ وقيل : ألزمناه حسنا ، وقيل : وصيناه بحسن ، وقيل : يحسن حسنا ومعنى الآية : التوصية للإنسان بوالديه ؛ بالبر لهما والعطف عليهما والإحسان إليهما بكل ما يمكنه من وجوه الإحسان فيشمل ذلك إعطاء المال والخدمة ولين القول ، وعدم المخالفة لهما وغير ذلك ، قرئ حسنا بضم الحاء وإسكان السين ، وبفتحهما ، وقرئ إحسانا وكذا في مصحف أبيّ .

{ وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم } أي : إن طلبا منك وألزماك أن تشرك بي إلها ليس لك علم بكونه إلها ، وفي سورة لقمان { على أن تشرك بي } لأن ما هنا وافق ما قبله لفظا وهو : { من جاهد فإنما يجاهد لنفسه } وما هناك محمول على المعنى لأن التقدير : وإن حملاك على أن تشرك ، قاله الكرماني .

{ فلا تطعهما } في الإشراك وعبر بنفي العلم عن نفي الإله لأن ما لم يعلم صحته لا يجوز إتباعه فكيف بما علم بطلانه ، وإذا لم تجز طاعة الأبوين في هذا المطلب مع المجاهدة منهما له فعدم جوازها مع مجرد الطلب بدون مجاهدة منهما أولى ، ويلحق بطلب الشرك منهما سائر معاصي الله سبحانه . فلا طاعة لهما فيما هو معصية لله ، كما صح ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

أخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص قال : قالت أمي : لا آكل طعاما ، ولا أشرب شرابا ، حتى تكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم فامتنعت من الطعام والشراب حتى جعلوا يشجرون فاها بالعصا ، فنزلت هذه الآية إلى قوله : فلا تطعهما ، وأخرجه أيضا الترمذي من حديثه ، وقال نزلت في أربع آيات ، وذكر نحو هذه القصة ، وقال : حسن صحيح ، وقد أخرج هذا الحديث أحمد ومسلم ، وأبو داود والنسائي أيضا قال القرطبي : فلم يطعها سعد وقال لها : والله لو كان لك مائة نفس فخرجت نفسا نفسا ما كفرت بمحمد صلى الله عليه وسلم ، فإن شئت فكلي ، وإن شئت فلا تأكلي ، فلما رأت ذلك أكلت قال الكرخي : هذا وما في لقمان والأحقاف نزل في سعد بن أبي وقاص .

{ إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون } أي أخبركم بصالح أعمالكم وطالحها ، فأجازي كلاّ منكم بما يستحقه ، وفي ذكر المرجع والوعيد تحذير من متابعتهما على الشرك ، وحث على الثبات والاستقامة في الإيمان .