أحدها : أنه نعت مصدر محذوف أي ( إيصَاءً ){[41065]} حسناً ، إما على المبالغة جعل نفس الحسن ، وإما على حذف مضاف ( أي : ذا حُسنٍ ){[41066]} .
الثاني : أنه مفعول به{[41067]} ، قال ابن عطية : «وفي ذلك تجوز » ، والأصل ووصينا الإنسان بالحسن في فعله مع والديه{[41068]} ، ونظير ذلك قول الشاعر :
4025 - عَجِبْتُ مِنْ دَهْمَاءَ إذْ تَشْكُونَا *** وَمِنْ أَبِي دَهْمَاءَ إذْ يُوصينا
خَيْراً بِهَا كَأَنَّمَا خَافُونَا{[41069]} *** . . . . . .
4026 - ( وَصَّيْتَ{[41070]} مِنْ بَرَّةَ قَلْباً حَرَّا *** بِالْكَلْبِ خَيْراً وبِالحَمَاةِ شَرَّا{[41071]}
وعلى هذا فيكون الأصل : وصيناه بحسن في بر والديه ، ثم جر «الوالدين » بالهاء فانتصب حسناً وكذلك البيتان . والباء في الآية والبيتين في هذه الحالة للظرفية{[41072]} .
الثالث : أن «بوالديه » هو المفعول الثاني ، فنصب «حسناً » بإضمار فعل ، أي يحْسُن حسناً ، فيكون مصدراً مؤكداً كذا قيل{[41073]} .
وفيه نظر ، لأَنَّ عامل المؤكد لا يحذف{[41074]} .
الرابع : أنه مفعول به على التضمين أي من ألزمناه حسناً{[41075]} .
الخامس : أنه على إسقاط الخافض أي «بحُسْنٍ »{[41076]} .
وعبر صاحب التحرير{[41077]} عن ذلك بالقطع . {[41078]}
السادس : أن ( بعض ){[41079]} الكوفيين قدره ووصينا الإنسان أن يفعل بوالديه حسناً{[41080]} . وفيه حذف «أن » وصلتها ، وإبقاء معمولها ، ولا يجوز عند البصريين{[41081]} .
السابع : أن التقدير : وصيناه بإيتاء والديه حسناً{[41082]} . وفيه حذف المصدر وإبقاء معموله ولا يجوز{[41083]} .
الثامن : أنه منصوب انتصاب «زيداً » في قولك لمن رأيته متهيئاً للضرب «زَيْداً » أي اضرب زيداً ، والتقدير هنا : أَوْلهما حسناً ، أو افعل بهما حسناً . قالهما الزمخشري{[41084]} .
وقرأ عيسى{[41085]} والجحدري{[41086]} : «حَسَناً »{[41087]} وهما لغتان ، كالبُخْل والبَخَل . وقد تقدم ذلك في أوائل البقرة{[41088]} .
وقرئ : إحساناً{[41089]} ، من قوله تعالى : { وبالوالدين إِحْسَاناً } [ الإسراء : 23 ] .
معنى حسناً أي برّاً بهما ، وعطفاً عليهما ، والمعنى : ووصينا الإنسان أن يفعل بوالديه ما يحسن{[41090]} . نزلت هذه الآية ، والتي في سورة لقمان{[41091]} والأحقاف{[41092]} في سعد بن أبي وقاص{[41093]} ، وهو سعد بن مالك أبو إسحاق الزهري وأمه حُمْنَةُ بنت أبي سفيان بن أمية من عبد شمس ، لما أسلم ، وكان من السابقين الأولين وكان باراً بأمه ، قالت أمه : ما هذا الدين الذي أَحْدَثْتَ ؟ والله لا آكلُ ولا أشربُ حتى ترجعُ إلى ما كنت عليه أو أموت فتعير بذلك أبد الدهر ، ويقال : يا قاتل أمِّهِ .
ثم إنها مكثت يوماً وليلة لم تأكل ولم تشرب ( ولم تَسْتَظِلَّ فأصبحت قد جهدت ، ثم مكثت يوماً آخر لم تأكل ولم تشرب ){[41094]} فجاء «سعد » إليها ، وقال يا أُمَّاهُ : لو كانت مائة نفس ( فخرجت نفساً ){[41095]} نفساً ما تركت ديني فكُلِي ، وإن شئت فلا تأكلي فلما أيست منه أكلت وشربت فأنزل الله هذه الآية{[41096]} ، وأمره الله بالبر بوالديه والإحسان إليهما .
واعلم أنه إنما أمر بالإحسان للوالدين لأنهما سبب وجود الولد بالولادة وسبب بقائه بالتربية المعتادة ، والله تعالى بسبب{[41097]} له في الحقيقة بالإرادة ، وسبب بقائه بالإعادة للسعادة ، فهو أولى بأن يحسن العبد حاله ( معه ){[41098]} .
قوله : { وَإِن جَاهَدَاكَ لتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا } .
قال عليه ( الصلاة ){[41099]} والسلام : «لاَ طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ في معصية الله »{[41100]} ثم أوعد بالمصير إليه ، فقال : { إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } أخبركم بصالح أعمالكم وسيئها فأجازيكم عليها كأنه تعالى يقول : لا تظنوا أني غائب عنكم وآباؤكم حاضرون فتوافقون الحاضرين في الحال اعتماداً على غيبتي ، وعدم علمي بمخالفتكم فإني حاضر معكم أعلم ما تفعلون ، ولا أنسى فأنبئكم بجميعه{[41101]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.