{ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ }
هذا وعيد شديد لمن كتم ما أنزل الله على رسله ، من العلم الذي أخذ الله الميثاق على أهله ، أن يبينوه للناس ولا يكتموه ، فمن تعوض عنه بالحطام الدنيوي ، ونبذ أمر الله ، فأولئك : { مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ } لأن هذا الثمن الذي اكتسبوه ، إنما حصل لهم بأقبح المكاسب ، وأعظم المحرمات ، فكان جزاؤهم من جنس عملهم ، { وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } بل قد سخط عليهم وأعرض عنهم ، فهذا أعظم عليهم من عذاب النار ، { وَلَا يُزَكِّيهِمْ } أي : لا يطهرهم من الأخلاق الرذيلة ، وليس لهم أعمال تصلح للمدح والرضا والجزاء عليها ، وإنما لم يزكهم لأنهم فعلوا أسباب عدم التزكية التي أعظم أسبابها العمل بكتاب الله ، والاهتداء به ، والدعوة إليه .
ولقد جادل اليهود جدالا كثيرا حول ما أحله القرآن وما حرمه . فقد كانت هناك محرمات على اليهود خاصة وردت في سورة أخرى : ( وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ) بينما كانت هذه مباحة للمسلمين . ولعلهم جادلوا في هذا الحل . وكذلك روي أنهم جادلوا في المحرمات المذكورة هنا مع أنها محرمة عليهم في التوراة . . وكان الهدف دائما هو التشكيك في صحة الأوامر القرآنية وصدق الوحي بها من الله .
ومن ثم نجد هنا حملة قوية على الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب :
( إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ، ويشترون به ثمنا قليلا ، أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ، ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ، ولهم عذاب أليم . أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة . فما أصبرهم على النار ! ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق ، وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد ) .
والتنديد بكتمان ما أنزل الله من الكتاب كان المقصود به أولا أهل الكتاب . ولكن مدلول النص العام ينطبق على أهل كل ملة ، يكتمون الحق الذي يعلمونه ، ويشترون به ثمنا قليلا . إما هو النفع الخاص الذي يحرصون عليه بكتمانهم للحق ، والمصالح الخاصة التي يتحرونها بهذا الكتمان ، ويخشون عليها من البيان . وإما هو الدنيا كلها - وهي ثمن قليل حين تقاس إلى ما يخسرونه من رضى الله ، ومن ثواب الآخرة .
وفي جو الطعام ما حرم منه وما حلل ، يقول القرآن عن هؤلاء :
( ما يأكلون في بطونهم إلا النار ) . .
تنسيقا للمشهد في السياق . وكأنما هذا الذي يأكلونه من ثمن الكتمان والبهتان نار في بطونهم ! وكأنما هم يأكلون النار ! وإنها لحقيقة حين يصيرون إلى النار في الآخرة ، فإذا هي لهم لباس ، وإذا هي لهم طعام !
وجزاء ما كتموا من آيات الله أن يهملهم الله يوم القيامة ، ويدعهم في مهانة وازدراء والتعبير القرآني عن هذا الإهمال وهذه المهانة وهذا الازدراء هو قوله :
( لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ) . .
لتجسيم الإهمال في صورة قريبة لحس البشر وإدراكهم . . لا كلام ولا اهتمام ولا تطهير ولا غفران . .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.