تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَوۡاْ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَأَسۡبَغَ عَلَيۡكُمۡ نِعَمَهُۥ ظَٰهِرَةٗ وَبَاطِنَةٗۗ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَٰدِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيۡرِ عِلۡمٖ وَلَا هُدٗى وَلَا كِتَٰبٖ مُّنِيرٖ} (20)

{ 20 - 21 } { أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ }

يمتن تعالى على عباده بنعمه ، ويدعوهم إلى شكرها ورؤيتها ؛ وعدم الغفلة عنها فقال : { أَلَمْ تَرَوْا } أي : تشاهدوا وتبصروا بأبصاركم وقلوبكم ، { أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ } من الشمس والقمر والنجوم ، كلها مسخرات لنفع العباد .

{ وَمَا فِي الْأَرْضِ } من الحيوانات والأشجار والزروع ، والأنهار والمعادن ونحوها كما قال تعالى : { هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا }

{ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ } أي : عمّكم وغمركم نعمه الظاهرة والباطنة التي نعلم بها ؛ والتي تخفى علينا ، نعم الدنيا ، ونعم الدين ، حصول المنافع ، ودفع المضار ، فوظيفتكم أن تقوموا بشكر هذه النعم ؛ بمحبة المنعم والخضوع له ؛ وصرفها في الاستعانة على طاعته ، وأن لا يستعان بشيء منها على معصيته .

{ و } لكن مع توالي هذه النعم ؛ { مِنَ النَّاسِ مَنْ } لم يشكرها ؛ بل كفرها ؛ وكفر بمن أنعم بها ؛ وجحد الحق الذي أنزل به كتبه ؛ وأرسل به رسله ، فجعل { يُجَادِلُ فِي اللَّهِ } أي : يجادل عن الباطل ؛ ليدحض به الحق ؛ ويدفع به ما جاء به الرسول من الأمر بعبادة اللّه وحده ، وهذا المجادل على غير بصيرة ، فليس جداله عن علم ، فيترك وشأنه ، ويسمح له في الكلام { وَلَا هُدًى } يقتدي به بالمهتدين { وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ } [ غير مبين للحق فلا معقول ولا منقول ولا اقتداء بالمهتدين ]{[670]}  وإنما جداله في اللّه مبني على تقليد آباء غير مهتدين ، بل ضالين مضلين .


[670]:- زيادة من ب.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَوۡاْ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَأَسۡبَغَ عَلَيۡكُمۡ نِعَمَهُۥ ظَٰهِرَةٗ وَبَاطِنَةٗۗ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَٰدِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيۡرِ عِلۡمٖ وَلَا هُدٗى وَلَا كِتَٰبٖ مُّنِيرٖ} (20)

القول في تأويل قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَوْاْ أَنّ اللّهَ سَخّرَ لَكُمْ مّا فِي السّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مّنِيرٍ } .

يقول تعالى ذكره : ألَمْ تَرَوْا أيها الناس أنّ اللّهَ سَخّرَ لَكُمْ ما فِي السّمَوَاتِ من شمس وقمر ونجم وسحاب وَما فِي الأرْضِ من دابة وشجر وماء وبحر وفلك وغير ذلك من المنافع ، يجري ذلك كله لمنافعكم ومصالحكم لغذائكم وأقواتكم وأرزاقكم وملاذّكم ، تتمتعون ببعض ذلك كله ، وتنتفعون بجميعه ، وأسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وبَاطِنَةً .

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأه بعض المكيين وعامة الكوفيين : «وأسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعْمَةً » على الواحدة ، ووجهوا معناها إلى أنه الإسلام ، أو إلى أنها شهادة أن لا إله إلاّ الله . وقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة : نِعَمَهُ على الجماع ، ووجّهوا معنى ذلك ، إلى أنها النعم التي سخرها الله للعباد مما في السموات والأرض ، واستشهدوا لصحة قراءتهم ذلك كذلك بقوله : شاكِرا لاِءَنْعُمهِ قالوا : فهذا جمع النعم .

والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان مشهورتان في قرّاء الأمصار متقاربتا المعنى ، وذلك أن النعمة قد تكون بمعنى الواحدة ، ومعنى الجماع ، وقد يدخل في الجماع الواحدة . وقد قال جلّ ثناؤه وَإنْ تَعُدّوا نِعْمَةَ اللّهِ لا تُحْصُوها فمعلوم أنه لم يعن بذلك نعمة واحدة . وقال في موضع آخر : ولم يك من المشركين شاكرا لأنعمه ، فجمعها ، فبأيّ القراءتين قرأ القارىء ذلك فمصيب .

ذكر بعض من قرأ ذلك على التوحيد ، وفسّره على ما ذكرنا عن قارئيه أنهم يفسرونه :

حدثني أحمد بن يوسف ، قال : حدثنا القاسم بن سلام ، قال : حدثنا حجاج ، قال : ثني مستور الهنائي ، عن حميد الأعرج ، عن مجاهد ، عن ابن عباس أنه قرأها : «وأسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعْمَتَهُ ظاهِرَةً وبَاطِنَةً » وفسّرها الإسلام .

حُدثت عن الفرّاء قال : ثني شريك بن عبد الله ، عن خصيف ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، أنه قرأ : «نِعْمَةً » واحدة . قال : ولو كانت نعمه ، لكانت نعمة دون نعمة ، أو نعمة فوق نعمة الشكّ من الفراء .

حدثني عبد الله بن محمد الزهري ، قال : حدثنا سفيان ، قال : حدثنا حميد ، قال : قرأ مجاهد وأسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعْمَتَهُ ظاهرَةً وبَاطنَةً قال : لا إله إلاّ الله .

حدثني العباس بن أبي طالب ، قال : حدثنا ابن أبي بكير ، عن شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وأسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعْمَتَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً قال : كان يقول : هي لا إله إلاّ الله .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن حميد الأعرج ، عن مجاهد وأسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعْمَتَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً قال : لا إله إلاّ الله .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن عُيينة ، عن حميد الأعرج ، عن مجاهد ، قال : لا إله إلاّ الله .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يحيى بن آدم ، عن سفيان ، عن عيسى ، عن قَيْس ، عن ابن عباس نِعَمَةً ظاهِرَةً وَباطِنَةً قال : لا إله إلاّ الله .

وقوله : ظاهِرَةً يقول : ظاهرة على الألسن قولاً ، وعلى الأبدان وجوارج الجسد عملاً . وقوله : وَباطِنَةً يقول : وباطنة في القلوب اعتقادا ومعرفة .

وقوله : وَمِنَ النّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى يقول تعالى ذكره : ومن الناس من يخاصم في توحيد الله ، وإخلاص الطاعة والعبادة له بغير علم عنده بما يخاصم ، ولا هدى يقول : ولا بيان يبين به صحة ما يقول وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ يقول : ولا بتنزيل من الله جاء بما يدعى ، يبين حقية دعواه ، كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة وَمِنَ النّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللّهِ بغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ ليس معه من الله برهان ولا كتاب .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَوۡاْ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَأَسۡبَغَ عَلَيۡكُمۡ نِعَمَهُۥ ظَٰهِرَةٗ وَبَاطِنَةٗۗ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَٰدِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيۡرِ عِلۡمٖ وَلَا هُدٗى وَلَا كِتَٰبٖ مُّنِيرٖ} (20)

هذه آية تنبيه على الصنعة الدالة على الصانع ، وذلك أن تسخير هذه الأمور العظام كالشمس والقمر والنجوم والسحاب والرياح والحيوان والنبات إنما هو بمسخر ومالك ، وقرأ يحيى بن عمارة وابن عباس «وأصبغ » بالصاد على بدلها من السين لأن حروف الاستعلاء تجتذب السين من سفلها إلى علوها فتردها صاداً ، والجمهور قراءتهم بالسين ، وقرأ نافع وأبو عمرو وحفص عن عاصم والحسن والأعرج وأبو جعفر وابن نصاح وغيرهم «نعمَه » جمع نعمة كسدرة وسدر بفتح الدال ، و «الظاهرة » هي الصحة وحسن الخلقة والمال وغير ذلك ، و «الباطنة » المعتقدات من الإيمان ونحوه والعقل .

قال ابن عباس «الظاهر » الإسلام وحسن الخلقة ، و «الباطنة » ما يستر من سيىء العمل ، وفي الحديث قيل يا رسول الله قد عرفنا الظاهرة فما الباطنة ؟ قال : ستر ما لو رآك الناس عليه لقتلوك{[9377]} .

قال الفقيه الإمام القاضي : ومن «الباطنة » التنفس والهضم والتغذي وما لا يحصى كثرة ، ومن «الظاهرة » عمل الجوارح بالطاعة . قال المحاسبي رحمه الله «الظاهرة » تعم الدنيا و «الباطنة » تعم العقبى ، وقرأ جمهور الناس «نعمة » على الإفراد ، فقال مجاهد المراد لا إله إلا الله ، وقال ابن عباس أراد الإسلام ، والظاهر عندي أنه اسم جنس كقوله تعالى : { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها }{[9378]} [ إبراهيم : 34 ، النحل : 18 ] ، ثم عارض بالكفرة منها على فساد حالهم وهم المشار إليهم بقوله تعالى : { ومن الناس } ، وقال النقاش : الإشارة إلى النضر بن الحارث ونظرائه لأنهم كانوا ينكرون الله ويشركون الأصنام في الألوهية ، فذلك جدالهم ، و { بغير علم } أي لم يعلمهم من يقبل قوله ولا عندهم هدى قلب ولا نور بصيرة يقيمون بها حجة ولا يتبعون بذلك كتاباً بأمر الله يقر بأنه وحي ، بل ذلك دعوى منهم وتخرص ، وإذا دعوا إلى اتباع وحي الله رجعوا إلى التقليد المحض بغير حجة فسلكوا طريق الآباء .


[9377]:أخرج البيهقي في شعب الإيمان عن عطاء رضي الله عنه قال: سألت ابن عباس رضي الله عنهما عن قوله: {وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة} قال: هذه من كنوز علي، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: أما الظاهرة فما سوى من خلقك، وأما باطنة فما ستر من عورتك، ولو أبداها لقلاك أهلك فمن سواهم. وأخرج ابن مردويه، والبيهقي، وابن النجار مثله عن ابن عباس رضي الله عنهما، وزادوا في آخره: (يا ابن عباس، إن الله تعالى يقول: ثلاث جعلتهن للمؤمن: صلاة المؤمنين عليه من بعده، وجعلت له ثلث ماله أكفر عنه من خطاياه، وسترت عليه من مساوئ عمله فلم أفضحه بشيء منها، ولو أبديتها لنبذه أهله فمن سواهم). وأخرجه الطبري في تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنهما.
[9378]:من الآية 18 من سورة النحل.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَوۡاْ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَأَسۡبَغَ عَلَيۡكُمۡ نِعَمَهُۥ ظَٰهِرَةٗ وَبَاطِنَةٗۗ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَٰدِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيۡرِ عِلۡمٖ وَلَا هُدٗى وَلَا كِتَٰبٖ مُّنِيرٖ} (20)

{ أَلَمْ تَرَوْاْ أَنَّ الله سَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِى السماوات وَمَا فِى الارض وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهرة وَبَاطِنَةً }

رجوع إلى تعداد دلائل الوحدانية وما صحب ذلك من منة على الخلق ، فالكلام استئناف ابتدائي عن الكلام السابق ورجوع إلى ما سلف في أول السورة في قوله تعالى : { خَلَق السَّماوات بِغَير عمد } [ لقمان : 10 ] فإنه بعد الاستدلال بخلق السماوات والأرض والحيوان والأمطار عاد هنا الاستدلال والامتنان بأن سخر لنا ما في السماوات وما في الأرض . وقد مضى الكلام على هذا التسخير في تفسير قوله تعالى { الله الذي خلق السماوات والأرض } الآيات من سورة إبراهيم ( 32 ) ، وكذلك في سورة النحل ( 3 ) .

ومعنى { سخر لكم } لأجلكم لأن من جملة ذلك التسخير ما هو منافع لنا من الأمطار والرياح ونور الشمس والقمر ومواقيت البروج والمنازل والاتجاه بها . والخطاب في { ألم تروا } يجوز أن يكون لجميع الناس مؤمنهم ومشركهم لأنه امتنان ، ويجوز أن يكون لخصوص المشركين باعتبار أنه استدلال .

والاستفهام في { ألم تروا } تقرير أو إنكار لِعدم الرؤية بتنزيلهم منزلة من لم يروا آثار ذلك التسخير لعدم انتفاعهم بها في إثبات الوحدانية . والرؤية بصرية . ورؤية التسخير رؤية آثاره ودلائله . ويجوز أن تكون الرؤية علمية كذلك ، والخطاب للمشركين كما في قوله { خلق السماوات بغير عَمد ترونها } .

وإسباغ النِعم : إكثارها . وأصل الإسباغ : جعل ما يلبس سابغاً ، أي وافياً في الستر . ومنه قولهم : درع سابغة . ثم استعير للإكثار لأن الشيء السابغ كثير فيه ما يتخذ منه من سَرْد أو شُقَق أثواب ، ثم شاع ذلك حتى ساوى الحقيقة فقيل : سوابغ النعم .

والنعمة : المنفعة التي يقصد بها فاعلُها الإحسان إلى غيره .

وقرأ نافع وأبو عمرو وحفص عن عاصم وأبو جعفر نِعَمهُ } بصيغة جمع نعمة مضاف إلى ضمير الجلالة ، وفي الإضافة إلى ضمير الله تنويه بهذه النِعم . وقرأ الباقون { نِعْمَةً } بصيغة المفرد ، ولما كان المراد الجنس استوى فيه الواحد والجمع .

والتنكير فيها للتعظيم فاستوى القراءتان في إفادة التنويه بما أسبغ الله عليهم . وانتصب { ظاهرة وباطنة } على الحال على قراءة نافع ومن معه ، وعلى الصفة على قراءة البقية .

والظاهرة : الواضحة . والباطنة : الخفية وما لا يعلم إلا بدليل أو لا يعلم أصلاً .

وأصل الباطنة المستقرة في باطن الشيء أي داخله ، قال تعالى : { باطنه فيه الرحمة } [ الحديد : 13 ] فكم في بدن الإنسان وأحواله من نِعم يعلمها الناس أو لا يعلمها بعضُهم ، أو لا يعلمها إلا العلماء ، أو لا يعلمها أهل عصر ثم تنكشف لمن بعدهم ، وكلا النوعين أصناف دينية ودنيوية .

{ وَمِنَ الناس مَن يجادل فِى الله بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كتاب مُّنِيرٍ }

الواو في قوله { ومن الناس من يجادل } واو الحال . والمعنى : قد رأيتم أن الله سخّر لكم ما في السماوات وأنعم عليكم نعماً ضافية في حال أن بعضكم يجادل في وحدانية الله ويتعامى عن دلائل وحدانيته . وجملة الحال هنا خبر مستعمل في التعجيب من حال هذا الفريق . ولك أن تجعل الواو اعتراضيَّة والجملة معترضة بين جملة { ألم تروا أن الله سخر لكم } وبين جملة { ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض } [ لقمان : 25 ] .

وقوله { ومِنَ النَّاس } من الإظهار في مقام الإضمار كأنه قيل : ومنكم ، و { مِن } تبعيضية . والمراد بهذا الفريق : هم المتصدون لمحاجة النبي صلى الله عليه وسلم والتمويه على قومهم مثل النضر بن الحارث ، وأمية بن خلف ، وعبد الله بن الزِّبْعَرى .

وشمل قوله { بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير } مراتبَ اكتساب العلم وهي إما : الاجتهاد والاكتساب ، أو التلقي من العالم ، أو مطالعة الكتب الصائبة . وتقدم تفسير نظير هذه الآية في سورة الحج ( 8 ) .