تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَقَالَ إِنِّيٓ أَحۡبَبۡتُ حُبَّ ٱلۡخَيۡرِ عَن ذِكۡرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتۡ بِٱلۡحِجَابِ} (32)

فقال ندما على ما مضى منه ، وتقربا إلى اللّه بما ألهاه عن ذكره ، وتقديما لحب اللّه على حب غيره : { إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ } وضمن { أحببت } معنى { آثرت } أي : آثرت حب الخير ، الذي هو المال عموما ، وفي هذا الموضع المراد الخيل { عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ } .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَقَالَ إِنِّيٓ أَحۡبَبۡتُ حُبَّ ٱلۡخَيۡرِ عَن ذِكۡرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتۡ بِٱلۡحِجَابِ} (32)

وقوله : ( فَقالَ إنّي أحْبَبْتُ حُبّ الخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبّي حتى تَوَارَتْ بالحِجابِ ) : وفي هذا الكلام محذوف استغني بدلالة الظاهر عليه من ذكره : فَلهِيَ عن الصلاة حتى فاتته ، فقال : إني أحببت حبّ الخير . ويعني بقوله : ( فَقالَ إنّي أحْبَبْتُ حُبّ الخَيْرِ ) : أي أحببت حبا للخير ، ثم أضيف الحبّ إلى الخير ، وعنى بالخير في هذا الموضع الخيل والعرب فيما بلغني تسمي الخيل الخير ، والمال أيضا يسمونه الخير . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( فَقالَ إنّي أحْبَبْتُ حُبّ الخَيْرِ ) : أي المال والخيل ، أو الخير من المال .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن السُدّيّ قالَ : ( إنّي أحْبَبْتُ حُبّ الخَيْرِ ) قال : الخيل .

حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قوله : ( نّي أحْبَبْتُ حُبّ الخَيْرِ ) قال : المال .

وقوله : ( عَنْ ذِكْرِ رَبّي ) يقول : إني أحببت حبّ الخير حتى سهوت عن ذكر ربي وأداء فريضته . وقيل : إن ذلك كان صلاة العصر . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( عَنْ ذِكْر رَبّي ) عن صلاة العصر .

حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : ( عَنْ ذِكْرِ رَبّي ) قال : صلاة العصر .

حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : حدثنا أبو زرعة ، قال : حدثنا حيوة بن شريح ، قال : حدثنا أبو صخر ، أنه سمع أبا معاوية البجلي من أهل الكوفة يقول : سمعت أبا الصّهباء البكري يقول : سألت عليّ ابن أبي طالب ، عن الصلاة الوسطى ، فقال : هي العصر ، وهي التي فتن بها سليمان بن داود .

وقوله : ( حتى تَوَارَتْ بالحِجابِ ) يقول : حتى توارت الشمس بالحجاب ، يعني : تغيبت في مغيبها ، كما :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : حدثنا ميكائيل ، عن داود بن أبي هند ، قال : قال ابن مسعود ، في قوله : ( إنّي أحْبَبْتُ حُبّ الخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبّي حتى تَوَارَتْ بالحِجابِ ) قال : توارت الشمس من وراء ياقوتة خضراء ، فخُضرة السماء منها .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( حتى تَوَارَتْ بالحجابِ ) : حتى دَلَكَتْ براح . قال قتادة : فوالله ما نازعته بنو إسرائيل ولا كابروه ، ولكن ولوه من ذلك ما ولاه الله .

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : ( حتى تَوَارَتْ بالحجابِ ) : حتى غابت .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَقَالَ إِنِّيٓ أَحۡبَبۡتُ حُبَّ ٱلۡخَيۡرِ عَن ذِكۡرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتۡ بِٱلۡحِجَابِ} (32)

{ فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي } أصل { أحببت } أن يعدى بعلى لأنه بمعنى آثرت لكن لما أنيب مناب أنبت مناب عدي تعديته ، وقيل هو بمعنى تقاعدت من قوله :

مثل بعير السوء إذا أحبا *** . . .

أي برك ، و { حب الخير } مفعول له والخير المال الكثير ، والمراد به الخيل التي شغلته ويحتمل أنه سماها خيرا لتعلق الخير بها . قال صلى الله عليه وسلم " الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة " . وقرأ ابن كثير ونافع أبو عمرو بفتح الياء . { حتى توارث بالحجاب } أي غربت الشمس ، شبه غروبها بتواري المخبأة بحجابها وإضمارها من غير ذكر لدلالة العشي عليها .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{فَقَالَ إِنِّيٓ أَحۡبَبۡتُ حُبَّ ٱلۡخَيۡرِ عَن ذِكۡرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتۡ بِٱلۡحِجَابِ} (32)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{فقال إني أحببت حب الخير} المال، وهو الخيل الذي عرض عليه.

{عن ذكر ربي} صلاة العصر...

{حتى توارت بالحجاب}.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"فَقالَ إنّي أحْبَبْتُ حُبّ الخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبّي حتى تَوَارَتْ بالحِجابِ"، وفي هذا الكلام محذوف استغني بدلالة الظاهر عليه من ذكره: فَلهِيَ عن الصلاة حتى فاتته، فقال: إني أحببت حبّ الخير. ويعني بقوله: "فَقالَ إنّي أحْبَبْتُ حُبّ الخَيْرِ": أي أحببت حبا للخير، ثم أضيف الحبّ إلى الخير، وعنى بالخير في هذا الموضع الخيل، والعرب فيما بلغني تسمي الخيل الخير، والمال أيضا يسمونه الخير...

وقوله: "عَنْ ذِكْرِ رَبّي "يقول: إني أحببت حبّ الخير حتى سهوت عن ذكر ربي وأداء فريضته. وقيل: إن ذلك كان صلاة العصر...

وقوله: "حتى تَوَارَتْ بالحِجابِ "يقول: حتى توارت الشمس بالحجاب، يعني: تغيبت في مغيبها...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما كان بيان ضخامة ملكه وكثرة هيبته وعزته مع زيادة أوبته لتحصل التأسية به في حسن ائتماره وانتهائه، والتسلية بابتلائه مع ذلك من شرفه وبهائه، أشار إلى كثرة الخيل جداً وزيادة محبته لها وسرعة أوبته بقوله: {فقال} ولما كان اللائق بحاله والمعروف من فعاله أنه لا يؤثر على ذكر الله شيئاً فلا يكاد أحد ممن شاهد ذلك يظن به ذلك، بل يوجهون له في ذلك وجوهاً ويحملونه على محامل تليق بما يعرفونه من حال من الإقبال على الله والغنا عما سواه، أكد قوله تواضعاً لله تعالى ليعتقدوا أنه بشر يجوز عليه ما يجوز عليهم لولا عصمة الله: {إني} ولما كان الحب أمراً باطناً لا يظهر في شيء إلا بكثرة الاشتغال به، وكان الاشتغال قد يكون لغير الحب فهو غير دال عليه إلا بقرائن قال اعترافاً: {أحببت} أي أوجدت وأظهرت بما ظهر مني من الاشتغال بالخيل مقروناً ذلك بأدلة الود.

{حب الخير} وهو المال بل خلاصة المال وسبب كل خير دنيوي وأخروي... أظهرت ذلك بغاية الرغبة غافلاً {عن ذكر ربي} المحسن إليّ بهذه الخيل التي شغلتني وغيرها، فلم أذكره بالصلاة التي كانت وظيفة الوقت وإن كان غرضي لها لكونه في طاعته ذكراً له، ولم يزل ذلك بي {حتى توارت} أي الشمس المفهومة من "العشي".

{بالحجاب} وهي الأرض التي حالت بيننا وبينها فصارت وراءها حقيقة...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

أصل تركيب {أحْببتُ حبَّ الخيرِ}: أحببتُ الخير حُبًّا، فحول التركيب إلى {أحببتُ حب الخيرِ} فصار {حُبَّ الخيرِ} تمييزاً لإِسناد نسبة المحبة إلى نفسه لغرض الإِجمال ثم التفصيل...

وضمن {أحْبَبْتُ} معنى عَوَّضت، فعدِّي ب {عن} في قوله: {عن ذِكرِ ربي} فصار المعنى: أحببت الخير حبّاً فجاوزت ذكر ربي، والمراد بذكر الرّب الصلاة، فلعلها صلاة كان رتبها لنفسه لأن وقت العشي ليست فيه صلاة مفروضة في شريعة موسى إلا المغرب...

{الخير}: المال النفيس، والخيل من المال النفيس. وقال الفراء: الخير بالراء من أسماء الخيل، وقلت: إن العرب من عادتهم التفاؤل ولهم بالخيل عناية عظيمة حتى وصفوا شياتها وزعموا دلالتها على بخت أو نحس؛ فلعلهم سموها الخير تفاؤلاً لتتمحض للسعد والبخت، والكلام تمثيل لحالة غروب الشمس بتواري المرأة وراء الحجاب وكل من أجزاء هذه التمثيلية مستعار؛ فللشمس استعيرت المرأة على طريقة المكنية، ولاختفائها عن الأنظار استعير التواري، ولأُفق غروب الشمس استعير الحجاب، وكلامه هذا خبر مستعمل في التحسر...

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

أثار بعض المفسرين احتمال أن يكون انشغاله بحب الخير عن ذكر ربه منطلقاً من أمر الله، ليكون استعراضه وحبه لها عملاً عبادياً ليتهيأ بها للجهاد في سبيل الله، وبذلك يكون الشاغل له عن عبادة الله عملاً يختزنها أي العبادة لله تعالى في داخله. ولعل الأساس في هذا التوجيه التفسيري، هو الخروج بعمل سليمان عن كونه مخالفاً لموقعه الرسالي، في انشغاله باستعراض الخيل عن عبادة الله الواجبة في وقتٍ معين. ولكن ما تقدم ليس بحجةٍ قويةٍ، لا سيما إذا كانت الصلاة موقتةً بوقت معيّن في ذلك العصر، بحيث يذهب وقتها بغروب الشمس وتواريها بالحجاب، كما يظهر من بعض الروايات، لذا فإن الانشغال عنها المؤدّي إلى تركها، بعملٍ آخر مرضٍ لله، موسعٍ في وقته، غير مبّررٍ شرعاً. ولهذا فقد يكون من الأقرب إبقاء الآية على ظاهرها الذي يوحي بأن سليمان كان في مقام توبيخ نفسه أو الاعتذار إلى الله عما حدث، وهو ما لا يتناسب بالتأكيد مع التوجيه المذكور الذي قد لا يكون له معنى، إلا أن يقال: إن ذلك بلحاظ أهميّة الصلاة، وبذلك يكون قد قدّم المهمّ على الأهم في الوقت الذي يتسع للعملين معاً، مع كون تقديم الصلاة أفضل، بلحاظ الوقت.